لويس مورينو أوكامبو.. من ملاحقة عسكريي الأرجنتين إلى البشير

اختارته أكثر من 70 دولة كأول مدع عام للمحكمة الجنائية الدولية

TT

"لويس مورينو أوكامبو" الشخصية الأكثر جدلاً في عالم السياسة والقانون في الآونة الأخيرة، وأصبحت نشرات الأخبار والصحف لا تخلو من اسمه، بعدما قدم مذكرة توقيف إلى قضاة المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور، بصفته المدعي العام في المحكمة الدولية، والمسئول عن التحقيق والملاحقة القضائية في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.

ولد "أوكامبو" في العاصمة الأرجنتينية بوينس ايرس، في 4 يونيو (حزيران) عام 1952، وتخرج من كلية القانون بجامعة بوينس ايرس في عام 1978، ورغم أنه عمل نائباً لمدير مركز الأبحاث التابع لمدرسة القانون بجامعة بوينس ايرس في الفترة من 1984-1985، ثم شغل منصب أستاذ مشارك في قسم القانون الجنائي في الجامعة منذ عام 1992 وحتى الآن، إلا أنه لم تقتصر مشاركته الأكاديمية على بلده الأرجنتين، بل عمل أستاذا زائرا في مركز أمريكا اللاتينية في جامعة ستانفورد في عام 2002، وفي مدرسة القانون بجامعة هارفارد في 2003.

ولأوكامبو العديد من المؤلفات في هذا المجال أبرزها: "في الدفاع عن النفس.. كيف نحارب الفساد" 1993، "وعندما تفقد القوة المحاكمة، كيف نفسر الديكتاتورية لأطفالنا" 1996، كما نشرت له بعض الدراسات في دوريات متخصصة، أشهرها دراسة نشرت في عام 1999 بدورية "جورنال أوف إنترناشيونال أفيرز تحت عنوان: "ما وراء العقوبة.. العدالة في ظل صحوة الجرائم في الأرجنتين".

ويحظى "أوكامبو" على سمعة جيدة في ملاحقة التجاوزات من قبل كبار المسئولين العسكريين وعمله لمكافحة الفساد، حيث كان نشطا للغاية في مجال مكافحة الفساد والشفافية الدولية، فعندما شغل منصب المدعي العام المساعد في بلاده، كأصغر المحامين الجنائيين الذين شغلوا هذا المنصب، لعب دورا محوريا في المحاكمات خاصة خلال الفترة التي شهدت تحولا ديمقراطيا في الأرجنتين، حيث تولى من أكتوبر 1984 إلى أبريل 1985، التحقيقات ضد 9 من قادة الجيش الأرجنتيني، من بينهم ثلاثة من الرؤساء السابقين، وأعضاء المجلس العسكري الذي حكم البلاد في الفترة من 1976-1980، ما أسفر عن إدانة 5 من المتهمين، وكانت هذه أول محاكمة لكبار قادة القتل الجماعي للمدنيين منذ محاكمات نورمبرغ بعد الحرب العالمية الثانية. ثم تولى منصب المدعى العام الجنائي الفيدرالي لمدينة بوينس ايرس في الفترة من 1987-1992، وأصبح مسئولا عن القضايا ذات العلاقة بجرائم العسكريين، مثل المحاكمات ضد العسكريين المسئولين عن حرب جزر الفوكلاند، وقادة التمرد العسكري الذي حدث بالأرجنتين عام 1988.

وإثر هذه الخبرة في تعقب ومحاكمة العسكريين؛ ذاع صيت "أوكامبو" في المحافل الدولية، مما جعله يتولى في الفترة من 1990-2002 مناصب استشارية في العديد من المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي، وبنك التنمية عبر أميركا، ومنظمة الأمم المتحدة، لمساعدة الحكومات على إنشاء نظم لمكافحة الفساد. كما أصبح عضوا في اللجنة الاستشارية لمنظمة الشفافية الدولية، وعمل رئيسا للمنظمة ذاتها في أميركا اللاتينية والكاريبي، وقام من خلال عمله في البنك الدولي بتدريب موظفيه لدى حكومات دول أميركا اللاتينية وأفريقيا، وساهم بجهود مميزة في هذا المجال في بعض الدول مثل: جمهورية الدومينيك وبوليفيا وفنزويلا وبيرو، وشارك أيضا في منتديات ومؤتمرات في أكثر من 18 دولة في أميركا اللاتينية، وكندا، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وإيطاليا، وأوغندا، وجنوب إفريقيا.

ومنذ اختيار "أوكامبو" في 21 أبريل 2003 كأول مدع عام للمحكمة الجنائية الدولية المعروفة اختصارا باسم ( ICC )، عن طريق الاقتراع من أكثر من 70 بلدا، ركزت تحقيقاته على التجاوزات في جمهورية الكونغو الديمقراطية بعد النهاية الرسمية للحرب الكونغو الثانية، والتمرد في أوغندا، والصراع في جمهورية أفريقيا الوسطى، غير أنه أعطى أولوية خاصة للصراع في إقليم دارفور غرب السودان، حيث اعتمد نهجا متشددا في التعامل مع قضية دارفور، حيث أكد أن المذابح لا تزال مستمرة ولا تزال معسكرات اللاجئين تشهد وقوع جرائم منظمة، واتهم جهاز الدولة كله وعلى رأسه الرئيس "عمر البشير" بالضلوع في حملة منظمة لمهاجمة المدنيين في دارفور.

وفى مواجهة رفض الحكومة السودانية تسليم أي من مواطنيها للمحكمة، طالب "أوكامبو" بتدخل مجلس الأمن، كي يتم توقيف كلا من وزير الشئون الإنسانية السوداني أحمد هارون، وقائد ميليشيات الجنجاويد علي كشيب"، بعد أن أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية في عام 2007 مذكرات اعتقال بحق هارون وكشيب، على خلفية اتهامهما بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، والتحريض على القتل والاغتصاب والتعذيب.

* «وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»»