حتى الموت.. لن ينقذك من الدائنين

أقارب الموتى غير مجبرين على سداد الديون.. وبعض الجباة يتابعون صفوف يوغا للتخفيف من الضغط

TT

ما تزال المصارف بحاجة للحصول على المزيد من الأموال لإنقاذ نفسها، في وقت يعجز فيه عدد لا حصر له من مالكي المنازل، عن تسديد دفعات الرهون العقارية. لكن ثمة فئة تسدد فواتيرها: الموتى. تعكف مجموعة من العملاء الذين تلقوا تدريباً خاصاً ويعملون في الطابق الثالث من مقر شركة «دي سي إم سيرفيسز» على إجراء اتصالات هاتفية بأقارب المتوفين وسؤالهم برفق حول ما إذا كانوا يرغبون بتسوية الجوانب المالية المتعلقة ببطاقة اعتماد أو قرض مصرفي، أو سداد آخر فاتورة مرافق أو حساب مكالمات هاتف جوال. وغالباً ما لا يكون أقارب المتوفين ملزمين قانونياً بتحمل الديون التي تركها زوج أو أحد الوالدين أو شقيق، ومع ذلك، يتحملون تلك المسؤولية. وفي محادثة هاتفية أجريت أخيرا برجل تم إخطاره بفاتورة بطاقة اعتماد خاصة بوالدة زوجته المتوفاة وقدرها 280 دولارا، قال الرجل: «أنا لا أعمل حالياً، كي أكون صريحا معك، ونعاني من ضيق مادي». ووعد الرجل بسداد المبلغ على أقساط بمعدل 15 دولارا شهرياً. يعتبر الموتى أحدث جبهة تظهر في إطار المساعي لجباية الديون، وأحد أكثر قطاعات هذه الصناعة قوة. يقول الموظفون المسؤولون عن مطالبة الأقارب الأحياء، إن هؤلاء الأفراد غالباً ما ينتابهم خوف بالغ، ويعانون من نقص حاد في المال يجعل من العسير للغاية دفعهم لتقديم ولو مبالغ رمزية. ورغم ذلك، تشهد الفترة الحالية توسعاً في جهود جباية الديون من الأموات. وقد ساعدت التقنيات المتطورة المرتبطة بقواعد البيانات، على تيسير معرفة موعد فتح الوصايا داخل المحاكم المعنية بالتحقق من صحة وصايا المتوفين التي يبلغ عددها ثلاثة آلاف محكمة، الأمر الذي يمنح المسؤولين عن جباية الديون، فرصة للتقدم بطلبات للسداد في موعد مناسب. لكن حال عدم توافر وصية رسمية، وبالتالي غياب ما يمكن تقديم طلب بشأنه، تظهر أهمية توافر لمسة إنسانية. وعليه، يجري تدريب الموظفين الجدد لدى شركة «دي سي إم» على مدار ثلاثة أسابيع، على ما تطلق عليه الشركة اسم «الإنصات النشط القائم على التقمص العاطفي» الذي يمزج بين محاولات تقديم العزاء وإبداء التعاطف المميز لمن يمتهن إدارة شؤون الجنازات، والنبرة المميزة للصديق. ويجري تدريب الموظفين الجدد على استخدام عبارات ترمي لتجنب غضب الآخر، مثل «بحسب ما سمعت، فأنت ترغب في»... على الجانب الآخر، ينظر بعض الأقارب إلى مسألة سداد الديون باعتبارها قضية براغماتية. وهنا تتباين القوانين من ولاية لأخرى، لكن بصورة عامة لا يتحمل أقارب المتوفين مسؤولية قانونية تلزمهم بسداد فواتير المتوفين. بيد أنه من الناحية النظرية، من الممكن أن تسعى الوكالات المعنية بجباية الديون خلف أي ممتلكات يتم توارثها عن شخص متوفى. لكن المشاعر تضطلع بدور أكبر في هذا الأمر، بحسب ما تؤكد هذه الوكالات، حيث يشعر بعض الأقارب بالولاء تجاه بطاقة الاعتماد أو المصرف المعني، وآخرون ينتابهم شعور بواجب أخلاقي إزاء ضرورة تسديد كافة الديون. والواضح أن البعض يشعرون بأنه بسدادهم الديون يلبون رغبة لأحبائهم المتوفين. لكن هناك أيضا بعضا ممن يسددون ديون أقاربهم المتوفين من دون أن يكونوا على دراية بأنهم غير ملزمين قانونياً بالقيام بذلك. يقول سكوت ويلتمان، من شركة ويلتمان وينبرغ آند ريس للمحاماة في كليفلاند التي تضطلع بجباية ديون المتوفين، إنه إذا ما سأل أقارب المتوفين عن حقيقة مسؤوليتهم القانونية تجاه الأمر، «نخبرهم بالتأكيد» أنهم لا يتحملون أي واجب قانوني يلزمهم بالسداد. واستطرد موضحاً: «لكن بطبيعة الحال لا نكشف عن هذا الأمر مقدماً ـ أي نقول (سيدي، أنت بالقطع غير مدين لنا بأي مال) الأمر لا يجري على هذا النحو الفج». واستمع مراسلنا بالفعل إلى عينة بسيطة من المكالمات الهاتفية التي أجراها موظفو شركة «ان دي سي إم سيرفسز»، وتم تحرير هذه الشرائط على نحو إلكتروني بحيث تمت إزالة كافة الأسماء، وكشفت الاتصالات عن قدر بالغ من الشقاء. ومن بين هذه الحالات، رجل ترك وراءه ديونا خاصة ببطاقة الاعتماد تبلغ 26.693.77 دولارا، محصلة حرب خاضها ضد مرض السرطان. وأكدت أرملته أن زوجها: «لم يكن لديه مال على الإطلاق. وتحمل عبء قدر كبير من الديون». وفي سؤال لها حول قدر هائل من الديون يصل إلى 1.084.86 دولارا، أجابت سيدة بأن المتوفى لم يكن بحوزته أي ممتلكات فيما عدا «بعض الأدوات في مرآب إصلاح السيارات». ولا يملك جميع موظفي الشركة، المهارة اللازمة لإجراء مثل هذه الاتصالات. في الواقع، قرابة نصف موظفي شركة «دي سي إم» لا يجرون هذه الاتصالات بعد الأيام التسعين الأولى على تعيينهم. أما من يضطرون لإجراء الاتصالات، فإنهم يلجأون لبعض الأدوات للتخفيف من وطأة الضغط العصبي عليهم، مثل حضور دروس في فن اليوغا.

في إحدى المرات، تحدثت بريندا إدواردز، واحدة من كبار المسؤولين المعنيين بجمع الديون داخل الشركة، مع سيدة من نيوجيرسي حول فاتورة بطاقة اعتماد خلفتها والدتها بقيمة 544.96 دولارا. وأجابت الابنة: «لم يكن لديها وصية، أو أموال، ولا أي شيء. لم يخضع أي شيء لمحكمة التحقق من الوصية». أما مبلغ 200 دولار الذي وجد في الحساب المصرفي للمتوفاة فتم استغلاله لتغطية مصاريف الجنازة. وسألت إدواردز: «هل هناك أي فرد في الأسرة في وضع يمكنه من سداد هذا المبلغ؟»، مضيفة «أنا لا أقصد بذلك أنه يتحتم عليكم دفع هذا». وهنا توصلت السيدة إلى قرار، حيث أجابت: «سأتحدث مع أشقائي وشقيقاتي وسنسدد لكم هذا المبلغ». وقالت إدواردز: «إذا غرست بذرة وتركت انطباعاً جيداً، يعاودون الاتصال ويسددون المال». ويبدي بعض الأقارب دهشتهم، بينما تبدو على الآخرين مشاعر الصدمة أثناء استماعهم إلى المسؤول المعني بجباية الديون. ويقول إريك فرنشمان، مستشار بمجال الانترنت، إن وكيلاً لشركة «دي سي إم» اتصل به للاستعلام عن فاتورة تخص بطاقة اعتماد والده المتوفى بقيمة 50 دولارا قبل أن يحين موعد سدادها. وكان فرنشمان ينوي سداد الفاتورة على أي حال، لكنه خرج من هذه التجربة عازماً على عدم استخراج بطاقة اعتماد ديسكفر قط.

ويؤكد المسؤولون التنفيذيون أن بعض الأقارب لا يسددون الديون بصدر رحب فحسب، بل يتقدمون بخطابات شكر. وعرضوا على المراسل قدرا كبيرا منها بالفعل، مع مراعاة حذف الأسماء. وكتبت أرملة في خطاب شكر أن المسؤول عن جباية الدين: «كان لطيفاً للغاية معي، حتى عندما لم يكن باستطاعتي سوى سداد 5 دولارات شهرياً».

* خدمة «نيويورك تايمز»