توافق على ضرورة كشف الحقيقة.. واختلاف حيال هوية القاتل

آراء من الشارع اللبناني في قيام المحكمة الدولية

TT

يبدو أن اللبنانيين فقدوا ثقتهم في القضاء الدولي كما في المحلي، كل وفقا لتوجهاته السياسية، فهم يجمعون على أهمية إظهار الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ويعلنون في الوقت عينه تخوفهم من تسييس المحكمة الدولية التي يعتبرون أن مجرياتها ستخضع لمسار الأوضاع الإقليمية والدولية، مع تغير في هوية الدول المتهمة. لكنهم في مقابل توافقهم هذا يختلفون حيال الجهة التي يعتبرونها مسؤولة عن اغتيال الحريري.

وقد قامت «الشرق الأوسط» بجولة ميدانية في مناطق متباينة المشارب والانتماءات، وخرجت بالحصيلة الآتية:

رغم أن يارا ص. (22 سنة) تبدي سرورا بـ«بلوغ لبنان مرتبة متقدمة على الساحة الدولية بعد انطلاق عمل المحكمة الدولية»، فإنها لا تخفي «الشكوك الكثيرة في أن تتمكن هذه المحكمة من أن تطال الرؤوس الكبيرة، الرؤوس المدبرة والمخططة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وسائر الشهداء». وتقول: «إجراءات التحقيق ستطول جدا، لذلك يجب ألا يعتقد الناس أن المحكمة ستنهي عملها في غضون سنة أو سنتين». وتستدرك مفضلة التركيز على «الناحية الإيجابية» فتقول: «أشعر بالفخر لأن المحكمة تظهر صورة مختلفة عن لبنان، صورة تبرز أن العدالة مطلب اللبنانيين. آمل في أن تنجح هذه المحكمة، وإن بشكل خجول، في إظهار أن لبنان ليس ساحة للحروب والنزاعات والجرائم».

واللافت أن حال يارا التي لا تخفي انتماءها إلى قوى «14 آذار» لم تختلف كثيرا عن حال زملاء لها في الجامعة، ممن يؤيدون فريق المعارضة، إذ إن ألان وهو ينتمي إلى «التيار الوطني الحر» يرحب بالمحكمة ويقول: «إنها مطلب جميع اللبنانيين، فمن منا لا يريد العدالة وإحقاق الحق؟»، لكنه في المقابل لا يلبث أن يعلن شكوكه بالقول: «هناك تركيز كبير جدا على مظهر المحكمة عبر التغطية التي تلقاها من وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وهذا أمر جيد، إنما آمل في أن يكون المضمون على المستوى نفسه من العمل الجاد، لئلا تتحول المحكمة إلى مجرد فلكلور، والعدالة مجرد عنوان، فيكون التهاون».

وتبدي وفاء ض. ارتياحها لانطلاق عمل المحكمة الدولية وتقول: «نأمل أن تشكل رادعا يمنع المجرمين من التمادي أكثر في إجرامهم، لكن الخوف يبقى على سلامة القضاة اللبنانيين الذين عينوا في هذه المحكمة، والخوف نفسه ينطبق على الضباط الأربعة الموقوفين في لبنان بعد انتقالهم إلى لاهاي، حيث من الممكن أن يمارس عليهم الضغط أو حتى تصفيتهم كي لا يكشفوا عن هوية من يقف خلف الجريمة، لا سيما إذا خضعت المحكمة للسياسات الدولية والإقليمية التي قد تغير مسار الاتهام، الذي يجب أن تكون وجهته أصبحت معروفة وواضحة للعيان». وفي حين تستبعد وفاء وقوع اغتيالات في لبنان تقول: «لكن بالطبع هذا المسار السليم للمحكمة لن يرضي من ليست لهم مصلحة في ذلك، وبالتالي قد يعمدون إلى افتعال حوادث أمنية متنقلة في لبنان لإلهاء الناس عن المحكمة ومجرياتها».

التشكيك في أداء المحكمة الدولية بدا شبه واحد لدى مناصري فريقي الموالاة والمعارضة، ذلك أن مروان ن. وهو من مناصري «القوات اللبنانية» يسأل وعلامات الخيبة واضحة على وجهه: «فليقنعني أحد، لماذا علي أن أتفاءل بعمل المحكمة؟ أنا مستعد لأن أفرح بها، إنما لا أسمح للعاطفة بأن تتغلب علي. أريد معطيات تؤكد لي أن عمل المحكمة لن يكون مسيّسا. الواقع أن اللبنانيين يسارعون للاحتفال والتصفيق، إنما أنا أفضّل أن أتريث لأرى إلى ماذا سيفضي عمل المحكمة. أعتقد أن كل هذه الضجة التي أثيرت ستتبخر تدريجيا كأي حدث آخر في لبنان».

ويسأل مستهزئا: «إذا أردنا التفاؤل، فلنفترض أن المحكمة ستتوصل إلى توجيه اتهام إلى رأس النظام السوري، ماذا ستفعل بعد ذلك؟ هل تفرض عقوبات على سورية كما فرضت قبل ذلك على العراق؟ ثم إن تاريخ المحاكمات الدولية ليس مشرقا على ما أعرف».

ويطلق ياسين سلامة تسمية «فيلم أميركي طويل» على المحكمة الدولية، ويرى أن التسييس كان السمة المرافقة لها منذ انطلاقتها في لبنان، وبالتالي فإن الوضع لن يتغير بعد انطلاقها دوليا، بل إن الأمر سيزيد تأزما مع التدخلات الأميركية المستمرة، رغم رفضه ما يقال عن أن المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية إذا حصلت ستؤثر على سير عمل المحكمة. ويقول: «مع العلم أن النائب سعد الحريري نفسه يعرف من قتل أباه».

وفي حين يوافق محمد سباعي جاره سلامة في كل ما قاله، يضيف: «نحن نريد معرفة الحقيقة قبلهم، لأن إظهار الحق سيؤكد لهم أنهم أخطأوا في كل الاتهامات التي أطلقوها من هنا وهناك».

بدورها لا تأمل رندة ي. خيرا في المحكمة الدولية رغم تأكيدها أنها متشوقة لإظهار الحقيقة والإعلان عن أسماء الفاعلين، وتوضح رأيها بالقول: «كل ما يحصل إقليميا يشي بأن هناك شيئا ما يُطبخ في المطبخ الدولي والإقليمي، لا سيما المفاوضات التي ستجري بين إيران وأميركا.

من جهتها، توافق ندى رندة في رأيها على ما يتعلق بالإعلان عن هوية المجرمين وحماية المخططين الأساسيين والمحرضين، وتقول: «لا أصدق ما يعلن عن أن التحقيق سيطال رؤساء دول، لأن التسييس سيكون سيد الموقف، وستجري الأمور وفقا للتوجهات السياسية الدولية والإقليمية. فهل يعقل أن يقبلوا باستجواب الرئيس السوري بشار الأسد؟». وتسأل رندة عن الأسباب التي أخرجت الأخوين عبد العال من السجن بعدما اتهما بعلاقتهما المباشرة بجريمة الاغتيال، وتقول: «ألا يدل ذلك على أن السياسة هي التي تتحكم في القضية؟».

التشكيك بالمحكمة سلك منعطفا آخر، إذ إن بعض من استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم لم يخفوا تخوفهم من أن تقع المحكمة نفسها «ضحية الانتخابات». ففي هذا الإطار ترى ساندرا أن «من الطبيعي أن تستثمر قوى (14 آذار) المحكمة وتصويرها على أنها أحد المطالب التي نجحت في تحقيقها، لذلك أخشى أن يقع الشهداء ضحايا التسييس من جديد». كما يعرب جاك عن «ملء ثقتي» بأن المحكمة «ستسيس، وإذا لم يتم ذلك اليوم فسيتم لاحقا.