المغرب: الاقتطاع من رواتب المضربين يلقي بظلاله على الائتلاف الحكومي

الاتحاد الاشتراكي يرد اليوم في بيان على تصريحات رئيس الوزراء

TT

يعيش المغرب حاليا على إيقاع تداعيات ما تسميه الاتحادات العمالية المهنية «فشل الحوار الاجتماعي»، وذلك في ظل سلسلة من الإضرابات العامة، التي يعرفها البلد، بين حين وآخر، وخاصة في الإدارات العمومية والبلديات، فيما يشبه عملية شد الحبل بين الحكومة والنقابات. ومما زاد الوضع تعقيدا، تهديد الحكومة للمضربين بالاقتطاع من أجورهم، الأمر الذي تسبب أيضا في خلافات في المواقف بين مكونات الحكومة إزاء هذا الإجراء الذي سيتم تفعيله في مايو (أيار) أو يونيو (حزيران) المقبلين، حسب بعض المصادر الحكومية.

وفي انتظار ذلك، تواصل الاتحادات العمالية المعارضة للسياسة الحكومية في مجال التدبير الاجتماعي، الإعلان عن تواريخ الإضرابات التي تعتزم شنها، وكأنها غير آبهة بالتهديد الحكومي بشأن الاقتطاع من رواتب المضربين، معتبرة إياه «غير قانوني وغير دستوري»، فيما يتواصل الجدل بين القطبين الحزبين الكبيرين، حزب الاستقلال، متزعم الائتلاف، وحليفه التقليدي في الكتلة الديمقراطية، حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بشأن موضوع الاقتطاعات.

وتعقد خمسة اتحادات عمالية اليوم في مدينة الدار البيضاء مؤتمرا صحافيا، يتناول الجولة الأخيرة من الحوار الاجتماعي، الذي جرت أطواره بينها وبين الحكومة في أكتوبر (تشرين الأول) 2008. وفي بداية الأسبوع الجاري، سجل المراقبون السياسيون النبرة الحادة التي تحدث بها عباس الفاسي، رئيس الوزراء المغربي، في أول حديث صحافي يدلي به ليومية مغربية، هي جريدة «ليكونوميست»، الصادرة باللغة الفرنسية، حينما وجه سهام نقده إلى حليفه الاتحاد الاشتراكي، معتبرا موقفه إزاء مسألة اقتطاع رواتب الموظفين المضربين بأنه غير موضوعي، فيما يرى قياديو الاتحاد، أن الاقتطاع من الراتب لا يخدم بتاتا أجواء الحوار الاجتماعي بين الحكومة والفرقاء الاجتماعيين.

ويبدو واضحا أن حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي ساهم الاتحاد العمالي (الفدرالية الديمقراطية للشغل) المحسوب عليه في الإضرابات الأخيرة، يساند تماما هذه الحركة الاحتجاجية، بدليل أن بيان مكتبه السياسي اعتبر «التهديد باقتطاع أيام الإضراب مسا بحق دستوري».

وقال مصدر من وزارة تحديث القطاعات العامة لـ«الشرق الأوسط»، إن القرار الحكومي بشأن اقتطاع الأجور هو حصيلة إجماع مكونات الحكومة، مفسرا تراجع البعض بأنه يدخل ضمن «الاستعداد للانتخابات البلدية» المقررة يوم 12 يونيو (حزيران) المقبل.

ولم يترك حزب التجمع الوطني للأحرار بدوره الفرصة تمر، من دون أن يدخل على الخط، في إطار التفاعلات السياسية بخصوص الإضراب، وذلك من خلال بيان صادر عن مكتبه التنفيذي، إثر اجتماعه الأخير، علما أن محمد عبو، وزير تحديث القطاعات العامة، ينتمي إليه.

ولوحظ أن «التجمع» اتخذ موقفين من الإضراب، أولهما المساندة والتضامن مع الموظفين من اجل الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم، بعيدا عما اعتبره «مزايدات شعبوية وانتخابية»، في إشارة ضمنية إلى حزب الاتحاد الاشتراكي.

أما الموقف الثاني المعبر عنه من الحزب، فيتجلى في التنويه بما قامت به الحكومة، في إطار مأسسة الحوار الاجتماعي، عبر اتخاذ تدابير مهمة لفائدة الموظفين بجميع فئاتهم ودرجاتهم، في القطاعين العام والخاص، تطلبت زهاء 16 مليار درهم (1.86 مليار دولار) للفترة 2008-2010.

وتجنب التجمع الخوض في مسألة الاقتطاع من رواتب الموظفين المضربين، مكتفيا بالتأكيد على أن «الإضراب حق دستوري لا جدال فيه، وبفضله حقق الموظفون والموظفات والطبقات العمالية مكاسب كبيرة ومهمة»، حسب البيان.

وتباينت الآراء كثيرا في المغرب، بعد ارتفاع وتيرة الإضراب، في الآونة الأخيرة، إذ رأى البعض فيها نوعا من المزايدات السياسية والضغوطات على الحكومة، مشيرين إلى أن الإضرابات أفرغت العمل النقابي من مضمونه النضالي، بينما يدافع البعض الآخر عنها، باعتبارها أحد مظاهر الديمقراطية في البلد، مطالبين بإصدار القانون التنظيمي والتطبيقي للإضراب، الذي لم يخرج بعد إلى الوجود، رغم مرور أكثر من خمسين عاما على استقلال البلاد.

وقال نقابيون اتصلت بهم «الشرق الأوسط» أمس، إن دوافع الإضرابات تتلخص أساسا في عدم تجاوب الحكومة مع الحد الأدنى من المطالب الأساسية التي طرحوها خلال جولة الحوار الاجتماعي، والتي تستهدف النهوض بأوضاعهم المهنية والاقتصادية والاجتماعية، في مواجهة ارتفاع متطلبات الحاجيات اليومية.

إلى ذلك، علمت «الشرق الأوسط» أن حزب الاتحاد الاشتراكي، سينشر اليوم (الخميس)، بيانا في صحيفة الحزب، يتضمن احتجاجا على تصريحات الفاسي. وقال إدريس لشكر، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي، لـ«الشرق الأوسط»، إن حزبه سيصدر اليوم بيانا سينشر صحيفته، لتوضيح أمور عدة، بينها أن حزبه لا يملي عليه أحد اتخاذ موقف ما، ولا يفرض عليه أحد توقيت الإعلان عن ذلك الموقف، سواء كان متعلقا بتدبير المرحلة السياسية الحالية، أو الإعداد للمرحلة السياسية المقبلة، كما لا يمكن لأي واحد أن يفرض عليه رأيا ما، خاصة فيما يرتبط بالمبادرات التي صاغها وأعلن عنها الحزب أخيرا، من قبيل مذكرة الإصلاحات الدستورية. واعتبر لشكر تصريحات، رئيس الوزراء الأخيرة، بأنها «مفاجئة»، بالنظر إلى مسؤولية الفاسي، التي تقتضي منه الحرص على تماسك الغالبية الحكومية، والاهتمام بأمر هذا التماسك.

وأكد لشكر أن تصريحات الفاسي أو غيره، لن تلجم الاتحاد الاشتراكي في التعبير عن رفضه لقرار الاقتطاع من أجور الموظفين المضربين، لأن هذا القرار، بكل بساطة، يعد مخالفا للقانون، بل يمكن اعتبار تأييد الفاسي لقرار الاقتطاع بمثابة تحيز لفائدة هيئة نقابية، في ظرفية جد حساسة، وذلك عشية خوض الانتخابات البلدية، في إشارة إلى الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، (المقرب من حزب الاستقلال)، وهو الاتحاد العمالي الذي انتقد الإضراب، واعتبره مزايدة سياسية لإحراج حكومة الفاسي، وتهديدا للسلم الاجتماعي.

وأوضح لشكر أن الفاسي أخطأ في تصريحاته، كونه بعث برسائل سياسية لا تطمئن طبقة المأجورين، مشيرا إلى انه من المفروض في رئيس الوزراء خلق أجواء صحية، وليس التهديد بالاقتطاع من أجور العاملين المضربين.

ونفى لشكر أن تكون قرارات حزبه الأخيرة، نابعة من وجود تيارات داخله كما جاء في تصريحات الفاسي، وقال «إن الادعاء بوجود تيارات داخل حزبنا، أوحت بصدور قرارات، أو اتخاذ مبادرات، هو كلام غير سليم، ومجانب للصواب، لأن القرارات تصدر عن الأجهزة المسيرة للحزب، وليست عن أشخاص، وهذا يفند ما قيل». وأكد لشكر أن حزبه لم يكن ليرد على الفاسي، حينما تحدث عن هذه الأمور خلال اجتماع المجلس الوطني لحزبه، ولكنه اضطر للرد عليه بعد خرجته الإعلامية الأخيرة.

وبشأن تأثير تصريحات الفاسي، على تماسك الغالبية الحكومية، والكتلة الديمقراطية، قال لشكر إنه أمر حاصل، وسيؤثر لا محالة في وضع تجمع الكتلة الديمقراطية «الهش أصلا»، وكذا الغالبية الحكومية.