الخرطوم تطرد 10 منظمات بينها 4 أميركية.. والبشير يزور دارفور الأحد

السودان يرفض توقيف البشير ويرهن تعامله مع الخارج بـ«مواقف الآخرين من القرار الجنائية»

TT

رفضت الحكومة السودانية جملة وتفصيلا قرار المحكمة الجنائية الدولية أمس بتوقيف الرئيس عمر البشير بتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور، وقالت إنها لا تعترف بالمحكمة ولا تتعامل معها، ورهنت تعامل السودان مع العالم الخارجي بموقف الآخرين من قرار المحكمة. وفيما اعتبره المراقبون بمثابة رد من الحكومة على المحكمة أعلن أن الرئيس عمر البشير سيزور إقليم دارفور الأحد المقبل، يوقع خلالها جملة من مشروعات التنمية في الإقليم. وفي رد فعل غاضب من الجهات التي تعتبرها الحكومة جهات مساندة للحكومة، أصدرت الأخيرة قرارا بطرد 10 منظمات أجنبية، من بينها 4 أميركية.

وفي اجتماع طارئ مساء أمس أعلنت مؤسسة الرئاسة السودانية برئاسة الرئيس عمر البشير رفضها القاطع لقرار توقيف البشير، والتصدي للقرار بكل الوسائل السياسية والدبلوماسية، وقال علي عثمان محمد طه في مؤتمر صحافي إن مؤسسة الرئاسة قررت عدم التعامل أو الاستجابة للقرار مهما كانت الأحوال، وقررت الاحتفاظ بحقه في استخدام القانون لحفظ الأمن وضمان استقرار الأوضاع. وأضاف أن الرئاسة تؤكد استقرار الأوضاع الأمنية في كل أنحاء البلاد، وأضاف أن الرئاسة جددت التزام السودان بالقوانين الدولية. وحسب طه فإن القرار سيخلق جبهة صمود داخلية، وقال: «إذا ظنوا أن القرار سيعطل حركة الرئيس عن أداء مهامه فإنهم بذلك سينتظرون طويلا وسيخيب فألهم». ودحض طه القرار بمرافعة قانونية من جانبه، وكشف أن حكومته ستقود حملة سياسية ودبلوماسية لفضح القرار وإحباطه، قبل أن يعتبر تلك الحملة مثل حركة التحرير الوطني، وقال: «نحن واثقون من أننا سنكسب المعركة»، وحسب طه فإن المحكمة كتبت بقرارها بداية نهايتها.

وشمل قرار طرد المنظمات: منظمة «العمل ضد الجوع» «ACF»، و«أوكسفام» البريطانية، و«التضامن» المسيحية، و«كير» الأميركية، و«أطباء بلا حدود» الهولندية، و«المجلس النرويجي للاجئين»، و«لجنة الإنقاذ الدولية» «IRC»، و«مؤسسة التمويل التعاوني الأميركي»، و«ميرسي جروب» الأميركية، و«إنقاذ الطفولة» الأميركية. وبموجب القرار تم حل منظمتين سودانيتين هما: «مركز الخرطوم لحقوق الإنسان وتنمية البيئة»، و«مركز الأمل لتأهيل ضحايا العنف». وقال القرار إن طرد هذه المنظمات جاء بعد أن توفرت البيانات والأدلة التي تشير إلى تعاون المنظمات المشار إليها مع المحكمة الجنائية الدولية عبر عدد من مذكرات التفاهم، فيما جاء قرار الحل للمنظمتين السودانيتين بناء على «مخالفات في مهامها كمنظمتين إنسانيتين»، حسب حيثيات القرار.

وكان طه قد استبق صدور القرار وزار نهار أمس مدينة جوبا، وعقد هناك اجتماعا مع سلفاكير ميارديت النائب الأول للرئيس وزعيم الحركة الشعبية، خرج حسب مصادر مطلعة في جوبا بتنسيق للمواقف بين الطرفين الشريكين في حكم البلاد بشأن التطورات التي تشهدها الساحة، وفقا لما تقتضيه المصلحة العليا للبلاد. وأمّن الاجتماع على أن البشير يمس سيادة الوطن وأمنه، داعيا الجبهة الداخلية للتماسك لتفويت الفرصة على المتربصين بأمن البلاد وسلامها.

ودخلت الحكومة السودانية في كل مستوياتها في اجتماعات استثنائية لتداول القرار، وفي السياق ينتظر أن تدخل مؤسسة الرئاسة المكونة من الرئيس عمر البشير ونائبيه في اجتماع اليوم، في تزامن مع اجتماع لمجلس الوزراء لذات الغرض. وأعلن البرلمان السوداني في بيان أمس أنه سيعقد جلسة طارئة يوم الخميس المقبل «لاتخاذ إجراءات بشان القرار».

وجاء في بيان صادر عن وزارة الإعلام والاتصالات الناطقة باسم الحكومة: «لا اعتراف ولا تعامل ولا ولاية لمحكمة الرجل الأبيض على السودان ولا على أي شخص من مواطنيه»، وشدد البيان أن «سيادة السودان واستقلاله يعد خطا أحمر يفديه أحفاد من صنعوا شيكان وحققوا الاستقلال وصنعوه بالمهج والأرواح»، وقال البيان إن «تعامل السودان مع العالم الخارجي سيكون رهنا بموقف الآخرين من الاعتداء الصارخ من المحكمة المسماة دولية على السودان وعلى كرمته وسيادته الوطنية»، وأضاف أن «على مجلس الأمن والمجتمع الدولي تحمّل مسؤولياته كاملة تجاه أي تصعيد ينتج عن هذه القرارات الخرقاء». ودعا بيان الحكومة السودانية المنظمات التي ظلت دعواتها لهذه المحكمة تلقى آذانا صماء، أن تجازى المحكمة بأشد من فعلها، وألا تكتفي بأن تصم آذانها عن دعواتها البائسة بطلب المساعدة على الجريمة، بل تتجه نحو سحب أي شرعية اكتسبتها المحكمة ووظفتها لأغراض سياسية لم تكن في حسبان الدول الأطراف فيها.

وجددت الحكومة في البيان التزامها بالسلام وحل مشكلة دارفور بإجماع القوى السياسية ودعم الأشقاء والأصدقاء، وسيظل هذا برنامجا منطلقاته وطنية بحتة، حسب تعبيره.

ومن جهة أخرى عكفت القوى السياسية السودانية في دراسة القرار، ودعا مصدر مسؤول في حزب الأمة المعارض بزعامة الصادق المهدي تحدث لـ«الشرق الأوسط» إلى التصدي للقرار مع التعامل بطريقة هادئة وإجراء كل الاحتياطات اللازمة لتأمين ضيوفنا، وعدم الجنوح لأية أعمال تخريبية. وقال إن الفرصة ما زالت موجودة لمواجهة القرار، وأضاف: «هناك كثير من الأصدقاء العرب والأفارقة يقفون مع السودان، وعلينا أن نقدر موقفهم وألا ندخلهم في حرج مع المجتمع الدولي». وأشار إلى أن الفرصة أصبحت أكبر لتوحيد الجبهة الداخلية، فيما قلل مسؤول في الحزب الشيوعي السوداني المعارض من جدوى قرارات الجنائية، وقال عضو اللجنة المركزية للشيوعي في تعليق له إن هذا القرار «لا يعني أي شيء، ولن يحل قضية دارفور، بل يزيدها تعقيدا»، وقال إن قضية دارفور لن تحل إلا عبر مؤتمر جامع تشارك فيه كافة القوى السياسية، ورهن انقضاء تداعيات الجنائية بحل أزمة دارفور.