«صدمة وغضب» في الخرطوم بعد صدور قرار توقيف البشير وسط إجراءات أمنية متشددة

متظاهرون يتوعدون أوكامبو بقطع رأسه

متظاهر يضرب صورة المدعي العام بحذائه أثناء احتجاجات في الخرطوم أمس (أ. ب)
TT

استقبل السودانيون في العاصمة الخرطوم، بمشاعر مختلفة طغى عليها «الغضب والصدمة»، قرار المحكمة الجنائية الدولية أمس بتوقيف رئيسهم عمر البشير بتهم تتعلق بارتكابه جرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور. قبل أن يغادر الآلاف مقاعدهم أمام شاشات التلفزيون، التي حبسوا أنفاسهم قبالتها لساعات يترقبون صدور القرار، خرجت آلاف أخرى إلى الشارع في تظاهرات ظهرت عليها بعض بصمات السلطة، فيما كان السؤال المحوري لدى الشعب السوداني لـ10 ساعات قبل صدور القرار: هل صدر القرار في حق البشير؟

وعلى مدى 4 ساعات ومن داخل مبنى مجلس الوزراء، وفي مشهد نادر، ردد المتظاهرون الذين يتقدمهم ناشطون من حزب المؤتمر الوطني، هتافات ترفض قرار المحكمة وتعلن مقاومتها. وقدرت السلطات عدد المشاركين في المظاهرة بالآلاف، ونصب في قمة مبنى مجلس الوزراء منصة اعتلاها مسؤولون في الحكومة وبعض القوى السياسية السودانية فضلا عن الناشطين في حزب المؤتمر الوطني والطلاب.

وعبر مكبرات صوت كثيرة تم توزيعها بعناية في المكان، ارتفع خطاب عدد من المسؤولين في الحكومة المظاهرة الغاضبة، وظل المتظاهرون يقاطعون المتحدثين بالهتافات التي تطالب بمقاومة القرار بكل الوسائل الممكنة، على شاكلة: «قادمون قادمون نحن المسلمون»، «أوكامبو يا مجنون نقطع راسك زي غردون»، في إشارة إلى القائد الإنجليزي الشهير، الذي حكم السودان عن الدولة العثمانية الذي قُطع رأسه من قِبل المجاهدين السودانيين في مقر إقامته. وحمل المتظاهرون صورا لمدعي المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو في شكل كلب. ولاحظ المراقبون أن الهتافات أعادت إلى الأذهان أجواء السنوات الأولى لحكومة البشير، والتي تحرض على الجهاد والمواجهة مع القوى المناهضة لحكم البشير.

ودعا متظاهرون إلى مقاطعة كل الدول التي تساند المحكمة في قرارها. وكان لافتا مشاركة الدكتور نافع علي نافع مساعد الرئيس السوداني ونائب رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم، والدكتور إبراهيم أحمد عمر وزير العلوم والتقانة والقيادي في الحزب الحاكم في فعاليات المسيرة من أعلى المنصة. وتم تزويد المكان بكميات من مياه الشرب، وظلت الشرطة تراقب المظاهرة من مسافات بعيدة، دون أن تدخل في احتكاك مع المتظاهرين. واعتبر الدكتور نافع وهو يخاطب المتظاهرين قرار المحكمة الجنائية بتوقيف البشير بأنه «تذكرة لأوكامبو يصرف بالدولار لتمويل حياته الرذيلة»، وقال: «إن القرار يعبّر عن انحطاط إرادة الغرب وشهادة نفاق على المجتمع الدولي»، وجدد رفضهم للقرار، وقال: «لا يعنينا في شيء»، ووصف المحكمة الجنائية بأنها: «محكمة ظلم»، فيما وصف من يساندونها بأنهم «خنازير»، وتعهد نافع بمقاومة القرار بقوة، وقال: «نحن شعب أقوياء قادرون على منازلة الغرب وواثقون من النصر»، وحرض الدكتور إبراهيم أحمد عمر الحشود على الاستعداد لمواصلة المسيرة، على حد قوله، وقال: «البشير في قلوبنا، وسيظل». وجابت المظاهرة بعد أن تفرقت إلى مجموعات شوارع الخرطوم، وتوقفت كثيرا أمام سفارات الدول التي تساند قرار المحكمة، خصوصا السفارة الأميركية، دون أن تحدث أي صدامات مع قوات الشرطة التي كثفت من وجودها في تلك المواقع. وفي سياق حالة الترقب والحذر التي سادت المواطنين قبل صدور القرار ولحظة صدوره، لوحظ أن محالّ تجارية كثيرة في أسواق العاصمة ظلت مغلقة منذ الصباح الباكر، فيما أغلقت أغلب المحال قبل نحو ساعة على الأقل من صدور القرار، وقلت حركة سيارات النقل العامة، وبدت بعض الشوارع الرئيسية في الأحياء شبه خالية نظرا إلى بقاء السكان في منازلهم لساعات لمتابعة القرار.

ولم تتوقف منذ الصباح حتى أول من أمس طائرات المراقبة من تحليقها حول مدن العاصمة، وشهدت الشوارع التي تحتضن المواقع الحكومية الحساسة حراسات مشددة، وحسب تصريحات متطابقة للمسؤولين الأمنيين في الخرطوم فإن الأجهزة كافة رفعت درجة الاستعداد إلى الحالة القصوى. أكد عدد من السكان تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنهم التزموا بالبقاء في منازلهم طوال اليوم، ولم يسمحوا لأبنائهم بالخروج من المنازل إلا عند الضرورة، ومنع آخرون أبناءهم من الذهاب إلى المدارس ورياض الأطفال خوفا من وقوع حوادث تنعدم معها وسائل النقل العامّ.

وانتظمت ردود الفعل مدن السودان الأخرى، وخرجت مظاهرة عُرفت بمظاهرة الغضب في مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور، وفي مدنية جوبا عاصمة جنوب السودان، ووضعت شرطة حكومة الجنوب خطة أمنية لتلافي أي أعمال شغب يمكن أن تقع جراء الانفعالات بقرار الجنائية.