توقيف البشير يعتمد على تعاون الدول.. والمحكمة قد تطلب من قطر تسليمه

الناطقة باسم المحكمة لـالشرق الأوسط»: الخطوة التالية إبلاغ السودان.. ومجلس الأمن قادر على تجميد القرار

الرئيس عمر البشير اثناء تخريج دفعة جديدة من ضباط الشرطة السودانية امس (إ.ب.أ)
TT

تبدأ المحكمة الجنائية الدولية اليوم التحضير للخطوات المقبلة لاعتقال الرئيس السوداني عمر البشير، بعد أن أصدر القضاة الثلاثة، أكوا كوانيهيا من غانا وأنيتا أوشياكا من لاتفيا وسيلفيا شتاينر من البرازيل، مذكرة توقيف بحقه، وهي أول مذكرة توقيف دولية تصدر بحق رئيس لا يزال في السلطة.

والخطوة الثانية التي ستبدأ المحكمة باتخاذها لتنفيذ قرارها، هو كتابة رسالة تعاون إلى السودان تطلب فيها تسليم البشير. وتعتبر المحكمة أن تعاون الدول أساسي لتوقيف البشير، كون المحكمة «لا تملك جيشاً ولا شرطة». وقالت لورانس بليرون، الناطقة الرسمية باسم المحكمة، لـ«الشرق الأوسط» إن مقررة المحكمة سيلفيا أربيا (إيطالية) «لن تضيّع وقتها في بدء الإجراءات العملية لتنفيذ قرار القضاة، وأنها ستبدأ بإعلام السودان رسمياً بالقرار ثم تبليغ الدول التي وقعت وصدقت على اتفاقية روما (الاتفاقية التي أسست المحكمة الجنائية الدولية)، ومن ثم الدول الأعضاء في مجلس الأمن من غير الأعضاء في اتفاقية روما، وأي دولة أخرى يرى مقرر المحكمة أن تعاونها مطلوب». ويمكن أيضاً للمحكمة، بحسب قرار القضاة، أن توجه مذكرة توقيف مبدئية تجاه أي دولة أخرى، إذا اقتضت الحاجة. وبعد صدور قرار التوقيف، أعلنت السودان رفضها للقرار، كما أكدت أن البشير سيشارك في القمة العربية الدورية التي ستعقد في العاصمة القطرية الدوحة في 30 مارس (آذار) الجاري. وقالت بليرون رداً على سؤال حول ما إذا كانت المقررة ستوجه رسالة إلى قطر لاعتقال البشير عندما يصل إلى الدوحة: «سنأخذ الإجراءات الضرورية، وكما قالت المقررة أنه لا وقت للإضاعة وأنه إذا اقتضى الأمر اتخاذ بعض التدابير لطلب تعاون دول معينة لتوقيف البشير وتسليمه للمحكمة، فإنها ستقوم بذلك». وهناك 108 دول أطراف في معاهدة روما، ومن بين هذه الدول الأردن ومعظم الدول الأوروبية وبلدان جنوب أميركا، إضافة إلى نصف البلدان الأفريقية من بينها تشاد. وأكدت بليرون أن الدول التي صدقت على اتفاقية روما، هي «مجبرة» بحسب قانون الاتفاقية، على التعاون مع قرارات المحكمة. وتنص الاتفاقية على أن الدول الأطراف في المعاهدة مجبرة على الامتناع عن أي «تصرفات من شأنها تعطيل موضوع وهدف» المعاهدة.

وتقول المحكمة إن تعاون الدول أساسي لتنفيذ مذكرة التوقيف، وبحسب القرار رقم 1593 الصادر عن مجلس الأمن والذي بموجبه تم تحويل قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، فإن مجلس الأمن قد حض «جميع الدول والمنظمات الدولية والمحلية المعنية للتعاون بشكل تام» مع المحكمة. وقال عبد الرحيم صابر الخبير في مكتب منظمة «هيومان رايتس ووتش» في واشنطن لـ«الشرق الأوسط»، إن «المحكمة الجنائية الدولية ليس لديها قوة شرطة خاصة بها، لذلك ستعتمد على السلطات الوطنية في التعاون من أجل إجراء عمليات التوقيف بالنيابة عنها. ويمكن للمحكمة أن تطلب من أي دولة يزورها المتهم (الرئيس عمر البشير) إيقافه وتسليمه».

وأكد صابر «إن قوات حفظ السلام في السودان سواء كانت في الجنوب أو دارفور أو في أي منطقة أخرى، لا يمكنها تنفيذ مذكرة التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية، لأن مهام هذه القوات لا تشمل إيقاف الأشخاص المطلوب مثولهم أمام المحكمة الجنائية الدولية».

ورداً على سؤال حول مدى تأثير رفض الدول العربية لتوقيف البشير على قرار المحكمة، علماً بأن مجلس جامعة الدول العربية أعرب عن «انزعاجه الشديد» من القرار، ووزراء الخارجية العرب أدانوا القرار، قالت بليرون لـ«الشرق الأوسط» إن «المحكمة لا تريد التكهن بمدى صعوبة توقيف البشير في ظل معارضة الدول العربية للقرار، ونحن نعتمد على تعاون كل الدول، وقرار القضاة يقول إنه إذا لم يحترم بلد التعاون مع المحكمة، مثل السودان، يمكن للغرفة أن تحيل ذلك إلى مجلس الأمن».

ويعتبر السودان أيضاً مجبراً على التعاون الكامل مع المحكمة، إذ ينص القرار 1593 الذي صدر عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أن على «الحكومة السودانية وباقي أطراف النزاع في دارفور، التعاون بشكل كامل وتأمين أي مساعدة ضرورية للمحكمة والمدعي العام»، وذلك على الرغم من أن السودان ليس من بين البلدان الموقعة على اتفاقية روما. إلا أنه كونه عضواً في الأمم المتحدة، فإن على السودان أن يستجيب للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وبموجب الفصل السابع، يمكن لمجلس الأمن اتخاذ أعمال عسكرية في حالات تهديد السلم والإخلال به.

وقد أشار القضاة في قرار مذكرة الاعتقال، إلى أن حكومة السودان ترفض التعاون معها بشكل منهجي منذ إصدار مذكرات التوقيف بحق وزير الدولة للشؤون الداخلية أحمد هارون، وزعيم الجنجويد علي كشيب في 2 مايو (أيار) في العام 2007. ونتيجة لذلك، قال القضاة إنه إذا استمر السودان برفض التعاون مع قرارات المحكمة، فإن الغرفة المختصة في المحكمة «قد تتخذ قراراً في هذا الشأن» وتقرر أن «تحيل المسألة إلى مجلس الأمن». إلا أن قرار المحكمة إحالة قضية توقيف البشير إلى مجلس الأمن، قد يأخذ منحى آخر، إذ يحق لمجلس الأمن أن يطلب تجميد القرار. وقد تحدث أمس السيناتور الأميركي الديمقراطي راسل فينغولد، رئيس اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، عن احتمال تعليق تنفيذ مذكرة التوقيف إذا تحسنت الأوضاع في دارفور. وقال في بيان: «إذا تم أخذ خطوات مهمة باتجاه إنهاء العنف على الأرض، يمكننا عندها بحث تعليق القرار». وأوضحت بليرون لـ«الشرق الأوسط» أن المحكمة لا يمكنها أن تعكس القرار، فالقرار بتوقيف البشير اتخذ ولا يمكن للقضاة التراجع عنه، إلا أنها أضافت أن «السيناتور الأميركي كان يشير إلى إمكانية أن يطلب مجلس الأمن توقيف التحقيقات والملاحقات»، ولكنها شددت على أن «هذا قرار يعود لمجلس الأمن وليس على المحكمة أن تعلَّق». وأضافت: «القرار الذي اتخذته المحكمة هو قضائي وفسره القضاة بطريقة قضائية استناداً إلى البراهين».