وزير العدل السوداني لـ«الشرق الأوسط»: صلاحيات البشير الدستورية لن تنقص شعرة

سبدرات اتهم مدعى عام المحكمة الجنائية الدولية بالتواطؤ مع شركات نفط أميركية وغربية

سودانية ترفع صورة للرئيس السوداني أثناء مشاركتها في المظاهرة المؤيدة للبشير أمس (أ.ف.ب)
TT

أكد وزير العدل السوداني عبد الباسط سبدرات لـ«الشرق الأوسط» أن الرئيس السوداني عمر البشير سيواصل ممارسة مهامه الدستورية كرئيس للسودان على الرغم من المذكرة الصادرة بتوقيفه أول من أمس بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في إقليم دارفور بغرب السودان.

وقال سبدرات في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من العاصمة السودانية الخرطوم، إن الرئيس البشير سيمارس كافة صلاحياته في السياسة الداخلية والخارجية ولن ينتقص هذا القرار من الصلاحيات المنصوص عليها في المادة 58 من الدستور ولا شعرة، على حد تعبيره. وألمح سبدرات إلى أن السودان قد يعيد النظر في كافة الاتفاقيات الدولية التي هو طرف فيها، وأضاف «سنتعامل بحزم مع أي خرق لهذه المعاهدات والاتفاقيات طالما احترموها، ولن نسمح بأي خرق وسنقابل كل هذا بالشدة والحزم».

واتهم وزير العدل السوداني، المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو بالتواطؤ مع شركات نفط أميركية وغربية لمعاقبة السودان على حرمانه هذه الشركات من العمل في أراضيه لاستخراج وإنتاج النفط والتنقيب عنه.

وأكد أن قرار المحكمة الجنائية التي تتخذ من مدينة لاهاي الهولندية مقرا لها، يستهدف السودان للاقتصاص منه بهدف محاولة تشويه سمعته، بعدما فشلوا في ضربه بالصواريخ وحصاره الاقتصادي والدبلوماسي ووضعه في قائمة الدول التي ترعى الإرهاب. واعتبر أن كل هذا تم لأن السودان قام بفعل منكر وهو انه اتجه شرقا ليستخرج النفط بعد أن أبعد الشركات الأميركية التي كانت تملك حق التنقيب في السودان وبالتالي كان العقاب أن لا يكون السودان مدخلا لاستثمارات تخرج من نطاق أميركا وبريطانيا وفرنسا وتتجه إلى الصين وماليزيا.

وسئل: هل تقصد أن المدعى يستخدم من قبل شركات نفط أميركية وغربية؟ فقال: نعم، هذا بالضبط ما أريد أن أقوله، شيفرون وتكسيكو وتوتال وشل، هذه الشركات الأميركية والغربية كانت تطمع في بحيرة النفط التي تسبح فوقها السودان. وأضاف: «أريد أن أقول إننا أخرجنا الشركات الأميركية لتحل محلها الشركات الصينية والماليزية والهندية، والاتجاه شرقا كان حراما على السودان أو أي دولة، ومن قنطرة السودان بالمناسبة دخلت الصين إلى قلب القارة الأفريقية وأول البلاد التي كانت تحت هيمنة كاملة لفرنسا الصين دخلت هناك».

واتهم اوكامبو بأنه ناشط سياسي لديه قدر كبير جدا من الطموح ليكون إما رئيسا للأرجنتين أو أمينا عاما للأمم المتحدة أو مرشحا لجائزة نوبل للسلام، وبالتالي استخدم كأداة لإرساء أول سابقة في تاريخ الفقه الدستوري والقانون الدولي، في أن تسقط حصانة رئيس وهو مازال في سدة الحكم. ولاحظ أن العمل اليومي لأوكامبو هو في الفضائيات والمنتديات ولقاء رؤساء الدول، مشيرا إلى أنه وقبل أن يعلن القرار الخاص بتوقيف الرئيس السوداني يسلمه للشركات التي يعمل معها ومن هناك تخرج التسريبات بأن القرار سيصدر بعد يومين أو ثلاثة، وأن المحكمة ستصدر كذا وتفعل كذا.

وأضاف «أعتقد أن الرجل مدفوع لأن يقوم بهذا الدور»، لافتا إلى أن التقرير المرفوع من الأمم المتحدة برئاسة القاضي الايطالي ليس فيه تهمة الإبادة الجماعية التي نفاها سابقا وزير الخارجية الأميركي كولين باول.

وأوضح أن الدولة الوحيدة التي قالت بوجود هذه التهمة البشعة هي الولايات المتحدة. وهى لاحقا من أجبر أوكامبو على أن يعيد تقديم هذه التهمة تماما كما فعلت أميركا في العراق عندما زعمت أن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل.

وسئل: هل يتلقى اوكامبو إذن رشاوى وعمولات من شركات نفط لديها مصالح وأجندات خاصة في السودان؟ فرد قائلا «أقول إن الذي يحرك اوكامبو عدة أشياء؛ طموحه الشخصي ودوائر خفية وأخرى معلنة»، واعتبر أن المحكمة الجنائية الدولية ليست اسما على مسمى، مشيرا إلى أن المحكمة التي تأسست في العاصمة الإيطالية روما وتتخذ من مدينة لاهاي الهولندية مقرا لها، ساهم في إنشائها 24 دولة أوروبية.

وأشار إلى أن كل دول أفريقيا الناطقة بالفرنسية والإنجليزية أصبحت جزءا من هذه المحكمة بتأثير أوروبي وبفضل ضغوط القوى الأساسية العالمية والشركات التي لها مصلحة في السودان بهدف كسب استثمارات هناك. وأضاف «التقت هذه الطموحات لإخراج مسرحية شائهة كالتي خرجت بالأمس».

لكن وزير العدل السوداني عاد ليقول إن هذه هي بداية النهاية لهذه المحكمة، لافتا إلى أنه عندما تخرج منها 37 دولة أفريقية وثلاث دول عربية وليس فيها الصين بعدد سكانها الضخم فهذه المحكمة ليست دولية مطلقا.

وأضاف «حينما يتحدثون عن محكمة جنائية دولية فإنهم بالتأكيد يتحدثون بالكذب كما حصل في العراق».

إلى ذلك، أعلن الاتحاد الأفريقي أنه لا يعترف ولا يعتد بمذكرة توقيف البشير، لأنها غير مبررة ومخالفة لكافة قواعد القانون الدولي.

وأضاف الاتحاد الأفريقي في بيان أصدره اليوم بمقره في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا وتلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه أن هذه المذكرة صادرة عن جهة سبق الطعن في شرعيتها لأنها وجدت فقط لهدف تكريس سياسة الإرهاب على الدول الصغيرة والضعيفة للنيل من استقلالها وسيادتها وخياراتها السياسية.

وأكد الاتحاد الأفريقي أن ما أقدمت عليه هذه المحكمة يعد انتقائيا وتطبيقاً لسياسة المعايير المزدوجة، وتساءل «أين هذه المحكمة من المذابح الجماعية وقتل الملايين من الأبرياء في العراق وفلسطين وأفغانستان ويوغسلافيا» ولم يلاحق الذين ارتكبوها لتقديمهم للعدالة لما اقترفوه من جرائم إبادة جماعية ضد الجنس البشري.

وجدد الاتحاد تأكيده على ما أصدره من مقررات سابقة في قمة شرم الشيخ بمصر العام الماضي، وقمة أديس أبابا بإثيوبيا مطلع الشهر الماضي بشأن سوء استخدام مبدأ الولاية القضائية العالمية مشددا على أن تسييس هذا المبدأ يعد تطوراً خطيراً في السياسة الدولية لما ينطوي عليه من خرق سافر لسيادة الدول ووحدة أراضيها وتدخلا في شؤونها الداخلية، علاوة على أنه يعرض القانون الدولي والنظام والأمن الدوليين للخطر والعبث.

كما لفت إلى أن سوء استخدام نظام المحاكم الدولية ضد قادة أفارقة يهدد على وجه الخصوص الجهود التي تبذلها بلدان القارة لتسوية ما تواجهه من مشاكل ويؤثر سلبا على أمنها واستقرارها وعلى جهودها الهادفة إلى تنميتها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ويعرقل قدراتها في إدارة علاقاتها الدولية ويشل جهود هذه الدول أعضاء الاتحاد الأفريقي في مواجهة حل النزاعات الداخلية الأفريقية.

من جانبه رأى الرئيس السنغالي عبد الله واد أن مذكرة توقيف البشير جاءت «لتزيد الأمور تعقيدا»، واعتبر في تصريحات له اليوم أن «هذا ما أدى إلى تراجع المفاوضات بين تشاد والسودان» معربا عن استيائه، لأن المحكمة الجنائية الدولية تعطي انطباعا بأنها تمارس صلاحياتها فقط ضد مسؤولين أفارقة. وأكد واد أنه «بالنظر إلى الكيفية التي تعمل بها المحكمة الجنائية الدولية فإن الكثير من الأفارقة لديهم انطباع بأنها محكمة مسلطة فقط ضد الأفارقة» في إشارة إلى توقيف الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلر، فضلا عن الملفات العديدة التي تمتلكها هذه المؤسسة القضائية التابعة للأمم المتحدة لملاحقة مسؤولين أفارقة آخرين.

وكانت المحكمة الجنائية الدولية التي تتخذ من لاهاي بهولندا مقرا لها أصدرت أول من أمس مذكرة اعتقال ضد الرئيس البشير المتهم بارتكاب «جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب» في إقليم دارفور الواقع غرب السودان الذي يشهد حربا أهلية منذ 6 سنوات. وأكدت الحكومة السودانية في المقابل أن هذا القرار ليس له أية قيمة، واعتبرت الخطوة التي قامت بها المحكمة جائرة وتمس بسيادة السودان. يشار إلى أن مذكرة الاعتقال الصادرة في حق البشير هي الأولى من نوعها ضد قائد دولة يمارس السلطة منذ تأسيس هذه المحكمة بموجب اتفاقية روما سنة 2002.