الرباط تقطع العلاقات مع طهران بعد عدم تلقيها توضيحات عن تصرفاتها غير الودية

بيان للخارجية المغربية يشير إلى موقف مرفوض لإيران بعد التضامن مع البحرين.. وتصرفات لبعثتها تمس المقومات الدينية ومذهب الشعب المغربي

TT

قطع المغرب أمس علاقاته الدبلوماسية مع إيران، وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية المغربية إن الرباط قامت يوم 25 فبراير (شباط) الماضي باستدعاء القائم بالأعمال بالنيابة بسفارتها في طهران للتشاور مدة أسبوع. وأضاف البيان ذاته أن المغرب طلب كذلك توضيحات من السلطات الإيرانية التي «سمحت لنفسها التعامل بطريقة متفردة وغير ودية، ونشر بيان تضمن تعبيرات غير مقبولة في حق المغرب، إثر تضامنه مع مملكة البحرين، على غرار العديد من الدول، بشأن رفض المساس بسيادة هذا البلد ووحدة ترابه».

وأشار البيان إلى أنه «بعد انقضاء أجل أسبوع لم تتوصل الرباط إلى أي تفسير عن هذه التصرفات». وقال بيان وزارة الخارجية المغربية إن «هذا الموقف المرفوض والموجه حصرا ضد المغرب، إضافة إلى نشاطات ثابتة لسلطات طهران، وبخاصة من طرف البعثة الدبلوماسية الإيرانية بالرباط، تستهدف الإساءة للمقومات الدينية الجوهرية للمملكة المغربية، والمس بالهوية الراسخة للشعب المغربي ووحدة عقيدته ومذهبه السني المالكي، الذي يحميه جلالة الملك محمد السادس، أمير المؤمنين»، وذلك في إشارة إلى الأنشطة التي تروم نشر المذهب الشيعي في المغرب.

وأكد البيان أن «هذه الأعمال المدعمة تعد تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية للمملكة المغربية، وتعارض قواعد وأخلاقيات العمل الدبلوماسي». وأوضح البيان أنه «لجميع هذه الاعتبارات فإن المملكة المغربية قررت قطع علاقاتها الدبلوماسية، ابتداء من اليوم (أمس) مع جمهورية إيران الإسلامية».

وكان الطيب الفاسي الفهري، وزير الخارجية والتعاون المغربي، قد استدعى في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي وحيد أحمدي، سفير إيران بالرباط، وعبر للسفير الإيراني عن استغراب حكومة الملك محمد السادس الشديد «للاستدعاء الغريب، يوم الجمعة 20 فبراير (شباط) لوزارة الخارجية الإيرانية للقائم بالأعمال بالنيابة للمملكة المغربية بطهران، وعن رفضها القوي لبعض التعبيرات غير المناسبة التي تضمنها البيان الذي نشرته في هذا الصدد وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)». كما أبلغ الفاسي الفهري السفير الإيراني أن الموقف الذي عبر عنه المغرب بخصوص التصريحات الأخيرة لبعض الدوائر الإيرانية التي تمس سيادة ووحدة أراضي مملكة البحرين، ينطلق من تشبث المملكة بالشرعية الدولية.

ولم تكتفِ الرباط بذلك، بل أرسلت وزير خارجيتها نهاية الشهر الماضي إلى المنامة لتسليم رسالة تضامن من العاهل المغربي مع الملك حمد بن عيسى آل خليفة.

يذكر أن المغرب وإيران عاشا مرحلة القطيعة بعد قيام الثورة في طهران وسقوط نظام الشاه، حيث منحت الرباط حق اللجوء السياسي للإمبراطور المخلوع محمد رضا بهلوي، كما وقف المغرب إلى جانب بغداد إبان الحرب العراقية - الإيرانية. ولم تفتح السفارة الإيرانية في الرباط، ونظيرتها المغربية في طهران، أبوابهما إلا سنة 1991، وهي السنة التي عرفت فيها العلاقة بين البلدين انفتاحا سياسيا عقب حركية دبلوماسية مكثفة جرت بين مغرب الحسن الثاني، وإيران «آية الله»، لكن ثمة مسألة ظلت عالقة بين البلدين، هي موضوع اعتراف إيران بـ«الجمهورية الصحراوية»، التي أعلنتها جبهة البوليساريو عام 1976 من جانب واحد، وبدعم من الجزائر.

وكان عبد الرحمن اليوسفي قد زار طهران زيارة رسمية عام 2002، وأبلغ آنذاك رسميا أن إيران ستغلق مكتب ممثلية جبهة البوليساريو في طهران، بيد أن «الجمهورية الإسلامية» لم تسحب أو تجمد اعترافها ب«الجمهورية الصحراوية». وقايضت إيران سحب الاعتراف بـ«جمهورية البوليساريو» بإعلان المغرب موقفا مساندا لها بشأن قضية الجزر الإماراتية. وأبلغت الرباط طهران أنه لا يمكن وضع نزاع الصحراء ومسألة الجزر في كفة واحدة، ففي نزاع الصحراء يتعلق بمسألة الاعتراف بـ«دولة جديدة» تقتطع من التراب المغربي، بينما موضوع الجزر نزاع على السيادة ولا يتعلق بقيام دولة جديدة فيها. وراهنت الرباط وطهران على الزمن للتخلص من هذا الموضوع العالق في خصر علاقتهما التي شابها دائما طابع الحيطة والحذر منذ سقوط نظام الشاه، وزادت الشكوك في علاقات البلدين حينما أعلنت الرباط منتصف فبراير (شباط) الماضي عن تفكيك شبكة وصفتها بـ«الإرهابية»، وهي شبكة عرفت فيما بعد باسم «شبكة بلعيرج»، نسبة إلى اسم مهاجر مغربي يعيش في بلجيكا، اتهم بإدخال أسلحة إلى المغرب وتجنيد أشخاص من داخل المغرب وخارجه. هذه الشبكة أيضا تم ربطها بشبكات سبقتها.

وأصاب الإعلان عن تفكيك شبكة بلعيرج الكثيرين بالدهشة، نظرا لأن أعضاء في هذه الشبكة لم يكونوا سوى شخصيات حزبية بارزة، من بينهم قياديون من حزب «البديل الحضاري»، المعروف بمواقفه الوسطية، بل أيضا بميول بعضهم نحو اليسار، إضافة إلى وجود أسماء أثارت الكثير من التساؤلات، مثل مراسل قناة «المنار» اللبنانية، التابعة لحزب الله، في الرباط.

ودفع الكشف عن هذه الشبكة الحكومة المغربية إلى سحب رخصة «البديل الحضاري»، التي حصل عليها قبل وقت قصير فقط، أي في سنة 2006. وقبل الكشف عن شبكة بلعيرج، التي وصفها محللون بأنها ذات ميول شيعية، كان المغاربة على موعد مع الكشف عن شبكة أخرى هي شبكة «أنصار المهدي»، التي يحيل اسمها أيضا إلى إمكانية وجود ميول شيعية لدى أعضائها، حتى إن كانت طبيعتها لا تشي بميل نحو التشيع، إن لم يكن العكس تماما.

وكان قائد هذه الجماعة واسمه حسن الخطاب، المحكوم حاليا بالسجن مدة ثلاثين سنة، سبقت إدانته من قبل بالسجن مدة سنتين في قضية الشبكة التي نفذت أول التفجيرات في المغرب سنة 2003، وحين خرج من السجن بعد قضاء فترة العقوبة عمل على تشكيل شبكة أخرى مختلفة في طبيعتها وأهدافها. وحسب تقارير الأمن المغربي فإن شبكة «أنصار المهدي» استطاعت أن تخترق، ولو بشكل محدود، صفوف الجيش والشرطة، كما أنها استطاعت استقطاب أفراد من مستويات اجتماعية جيدة، على عكس الخلايا السابقة التي كانت تضم في الغالب أشخاصا مما يعرفون باسم «قاع المجتمع»، أو من العاطلين أو ذوي الوظائف والمهن المتواضعة.

يذكر أن شكيب بن موسى وزير داخلية المغرب، نفى عقب الإعلان عن شبكة بلعيرج وجود أي ارتباط للشبكة بـ«حزب الله» اللبناني، أو حركة تشيع تابعة لإيران، وقال إن اعتقال الصحافي عبد الحفيظ السريتي مراسل قناة «المنار» التابعة لـ«حزب الله»، تم ليس باعتباره مراسلا لهذه القناة التلفزيونية، بل لمشاركته أو علمه بما كان يحضر من عمليات إرهابية، نظرا لأنه ينتمي إلى جمعية «الحركة من أجل الأمة» التي يتزعمها محمد المرواني. وأوضح بن موسى أن التحريات الأولية أثبتت وجود محاولات من قبل الشبكة المفككة لتنظيم دورات تدريبية عسكرية في مراكز «حزب الله» في لبنان عام 2002. وكشف وزير الداخلية أيضا أن الشبكة، التي يتزعمها عبد القادر بلعيرج، الملقب بـ«إلياس» و«عبد الكريم»، المهاجر المغربي في بلجيكا، عملت على نسج علاقات مع مجموعات وتنظيمات إرهابية دولية، ضمنها تنظيم القاعدة، والجماعة الإسلامية المقاتلة المغربية، والجماعة السلفية للدعوة والقتال.