المغرب: بوادر أزمة حكومية بطلاها «الاتحاد الاشتراكي» و«الاستقلال»

فجّرتها المطالبة بإصلاحات سياسية واقتطاع أجور المضربين.. وزادتها تصريحات الفاسي بِلة

TT

كشف بيان صادر أمس عن المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (مشارك في الحكومة) عن بوادر أزمة عميقة بينه وبين حزب الاستقلال متزعم الائتلاف الحكومي في المغرب، وذلك على خلفية تصريحات صحافية أدلى بها أخيرا عباس الفاسي، رئيس الوزراء، وهو ما ينذر بتصدّع محتمل للغالبية الحكومية الحالية. وظهرت معالم هذه الأزمة بجلاء من خلال الحملات الإعلامية العلنية المتبادلة بين الطرفين منذ مدة، وذلك بأسلوب لا يخلو من الحدّة والانتقاد اللاذع، لدرجة أنه يصعب استيعاب أن هذا الجدل يدور فعلا بين نواتين صلبتين في الحكومة، وشريكين أساسيين في تحالف الكتلة الديمقراطية، الذي يضم أيضا حزب «التقدم والاشتراكية»، المشارك بدوره في الحكومة بحقيبتين وزاريتين.

واندلعت الأزمة بين «الاستقلال» و«الاتحاد الاشتراكي»، بسبب مسألتين أساسيتين، هما مطالبة هذا الأخير بإصلاحات سياسية، ورفضه عملية الاقتطاع من رواتب الموظفين المضربين عن العمل. وعلمت «الشرق الأوسط» أن بيان المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي تأخر نشره في صحيفة الحزب، مدة يوم، بعدما كان منتظرا نشره أول من أمس، بسبب تجاذبات داخل المكتب السياسي للحزب، ووجود أمين عام الحزب، عبد الواحد الراضي، في مهمة رسمية خارج المغرب. بينما ترأس الاجتماع الأسبوعي للمكتب السياسي، فتح الله ولعلو، نائب الأمين العام للحزب. وجدّد بيان المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي موقفه من «مشروعية الإضراب»، مستهجنا ما أسماه «تسريبات» إعلامية سعت إلى إقحام أعلى سلطة في البلاد، في إشارة إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس «لدعم هذا الموقف الحكومي أو ذاك، أو لنشر البلبلة وخلط الأوراق الحزبية». واعتبر البيان أن السياق السياسي، بالإضافة إلى ما ينص عليه الدستور، يفرضان على الحكومة أن تراجع قرار الاقتطاع من الرواتب بما يقتضيه حيادها اليوم، بناء على متطلبات السنة الانتخابية الحالية. مشيرا إلى أن القرار الحكومي يضعف موقف أطراف اجتماعية على حساب أخرى، «وقد ينجم عنه مزيد من الارتياب حيال العمل المؤسساتي المنظم، من قبيل التصويت في الانتخابات المهنية، والزج بالتحالفات في منطق إضعاف بعض مكوناتها على حساب أخرى».

وتأسّف المكتب السياسي للحزب على تصريحات رئيس الوزراء بخصوص الإصلاحات السياسية وتوقيتها، «واللمز حول ذلك بـ«البطولة» أو غيرها»، وهو الأمر الذي زاد الطين بلة، في نظر المراقبين.

وذكر البيان أن الفاسي باعتباره رئيسا للغالبية «لم يكن مجبراً على اعتبار مواقف الاتحاد مرتبطة بـ«تيارات داخلية»، وهو بذلك يتجاوز واجب التحفظ الذي يفرضه عليه موقعه كزعيم للغالبية، إضافة إلى انه أجاب نيابة عن المؤسسات المخول لها الحديث في الموضوع». وشدّد المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي على «التذكير بأن النقاش اليوم حول أجندة الإصلاحات السياسية هو من صميم المنطق الإصلاحي الذي دشنه المغرب في العقد الأخير»، ملحا على «أن جيلا جديدا من الإصلاحات المؤسساتية، والنقاش حولها يعد انتقالا إلى مرحلة متقدمة في بناء الدولة الديمقراطية التي ينشدها المغرب، ملكا وقوى ديمقراطية».

وأثار انتباه المتتبعين لتطورات النفق الذي دخلت فيه العلاقة بين القطبين الحزبيين الكبيرين، الخاتمة التي انتهى بها بيان المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي، الداعية إلى «تغليب المنطق الوطني المشترك، والسلاسة الديمقراطية في مناقشة قضايا تهم مستقبل بلادنا، واحترام الاجتهادات، والقرار المستقل لكل مكونات الحقل الوطني، مع الحرص على ألا نسبّ المستقبل».

ولم يصدر أمس أي رد فعل من حزب الاستقلال حول بيان الاتحاد الاشتراكي. وقال مصدر مسؤول في «الاستقلال» لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إن اللجنة التنفيذية للحزب سوف تدرس هذا الموضوع في اجتماع لها يعقد الأسبوع المقبل.

وفي سياق ذلك، توقع المراقبون أن تكون لهذا الجدل تداعيات على التدبير الحكومي للبلاد. بينما قلل آخرون من ذلك، مشيرين إلى أن العلاقة التاريخية بين الحزبين قادرة على امتصاص مثل هذه الصدمات الناتجة عن خلافات قد تكون مرتبطة بظرفية معينة، في إشارة إلى السياق الانتخابي الذي بدأ يلقي بظلاله على المشهد السياسي في البلاد.