زيارة فيلتمان لدمشق في الميزان اللبناني: تصويب لمسار العلاقة أم إملاء شروط؟

قراءات متضاربة وتساؤلات حول موقف إدارة أوباما من المعارضة

TT

تنوعت القراءات السياسية لجولة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية بالوكالة جيفري فيلتمان، بين بيروت ودمشق، لا سيما أن زياراته اللبنانية اقتصرت على رئيسي الجمهورية والوزراء وقوى سياسية من فريق 14 آذار، على أن تستكمل بعد عودته إلى لبنان بلقاء البطريرك الماروني نصر الله صفير، ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى المفتي عبد الأمير قبلان. طبيعة الجولة طرحت أسئلة عن تأثير التحول الأميركي في سياسة واشنطن الجديدة تجاه دمشق على لبنان، وعما إذا كان سعي وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إلى «زيادة الشركاء والإقلال من عدد الأعداء» سينسحب على لبنان معارضة وموالاة، أم أن إدارة باراك أوباما ستتجاهل المعارضة اللبنانية، كما كانت الحال مع إدارة جورج بوش، التي مثلها فيلتمان سفيرا في بيروت خلال الفترة السابقة.

في انتظار عودة فيلتمان والوفد المرافق من العاصمة السورية، تبقى السجالات بشأن أهداف جولته مفتوحة بين فريقي «14 آذار» و«8 آذار». ففريق «14 آذار»، «يسرّب» أن فيلتمان حرص على زيارة لبنان قبل سورية ليحمل إلى السوريين هواجس اللبنانيين المتعلقة بالتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، لا سيما في الانتخابات النيابية، وبدعم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات والتلكؤ في ترسيم الحدود بين البلدين، وكذلك في تعيين سفير سوري لدى لبنان. أما فريق «8 آذار» فيؤكد أن هدف المسؤول الأميركي هو طمأنة قوى الأكثرية بأن المساعي الأخيرة لتحسين العلاقات السورية ـ الأميركية لن تكون على حساب لبنان. النائب في تكتل «التغيير والإصلاح» نبيل نقولا، يذهب أبعد من ذلك، فيقول لـ«الشرق الأوسط» إن «زيارة فيلتمان إلى لبنان هي لتبليغ من كانوا شركاءه بوجوب العودة إلى الحوار مع سورية. ذلك أنه كان رأس حربة لقوى 14 آذار. وكان الموجه الأساسي لهذه القوى. وبعد انتخاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، والتغيير في السياسية الأميركية، أعيد فيلتمان إلى الملف، الذي كان يحمله أصلا، وأرسل إلى لبنان ليلزم قوى 14 آذار بالحوار وطلب الغفران من السوريين عن الاتهامات التي وجهوها اليهم. كذلك ذهب إلى سورية ليعتذر». وأضاف: «الاميركيون لا يعتبرون اللبنانيين شركاء، كما هي الحال مع سورية. فجحا لا يقدر إلا على أهل بيته».

ويبرر نقولا، عدم زيارة فيلتمان لرئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، بأنه لا لزوم لمثل هذه المقابلة. ويقول: «ماذا يريد إبلاغنا؟ إن إدارته غيرت علاقاتها مع سورية؟ الأمر لا يهمنا كقوى معارضة». لكن عون كان يستقبل فيلتمان كما يستقبل الآن السفيرة الأميركية لدى لبنان ميشيل سيسون؟ لماذا لم تكن زيارته على جدول أي أميركي يزور لبنان؟ يجيب نقولا: «فيلتمان كان يأتي ليقنعنا بمخاصمة سورية. واليوم لماذا يزورنا؟ انتهت مشاكلنا مع سورية بعد خروج الجيش السوري من لبنان. ولدينا الآن علاقات جيدة وطبيعية مع النظام السوري. كما أننا لا نرحب بحضوره. وأيضا لا نلزم سورية بمواقفنا، كما أنها لا تلزمنا بمواقفها النابعة من مصالحها، التي تقتضي ربما فتح صفحة جديدة مع الأميركيين». منسق الأمانة العامة لـ«14 آذار»، النائب السابق فارس سعيد، وهو من الذين اجتمعوا بفيلتمان، يقرأ في كتاب مناقض لما طرحه نقولا، ويجد أن استثناء قوى «8 آذار» من برنامج زيارات فيلتمان، يقول إن المسؤول الأميركي حمل إلى السوريين دفتر شروط يتعلق بموضوع العلاقات اللبنانية السورية، والسجناء والمفقودين في سورية، والسلاح الفلسطيني، وترسيم الحدود، وما إلى ذلك.

ويعتبر سعيد، أن الانفتاح السوري ـ الأميركي لا بد أن ينعكس بإيجابية على لبنان، لأنه يخضع لنقطة مهمة وهي فك الارتباط السوري بكل ما تعتبره الولايات المتحدة إرهابا. ويقول: «لو سلمنا جدلا بأن هدف الدبلوماسية الأميركية هو إرغامنا على الحوار مع سورية، لكان يكفي اتصال هاتفي. أما أن يأتي فيلتمان إلينا ومن ثم يتوجه إلى سورية برفقة دانيال شابيرو، وهو أحد صقور السياسة الأميركية وواضع قانون محاسبة سورية، فهذا الأمر سوف يؤدي إلى نسختين من «8 آذار»، الأولى سورية والثانية إيرانية». ويذكر سعيد بأن العمل الدولي الذي بدأ في أنابوليس، ويستكمل حاليا، يهدف إلى فك ارتباط سورية مع إيران وملحقاتها. ويقول: «من هنا نلاحظ أن أي استقبال سوري للأميركيين يدفع حزب الله إلى الاستنفار الضمني. ونحن لا ننسى أن القائد العسكري للحزب الراحل عماد مغنية، استُهدف في دمشق وليس في أي منطقة من لبنان. ولا يمكن أن تتركب الأمور بعد كل هذا الانفتاح السوري - الأميركي على ما كانت عليه سابقا. ولا بد أن ينعكس هذا الأمر على حلفاء سورية في لبنان». النائب في كتلة «التنمية والتحرير»، التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، علي خريس، يعتبر أن «أي سياسة أميركية تنظر إلى لبنان بعين واحدة وتستثني قوى موجودة على الساحة ستمنى بإخفاقات شبيهة بسياسة الرئيس السابق جورج بوش، الذي جر بلاده إلى متاعب وويلات وحروب». ويضيف: «نتمنى أن تكون هناك سياسة أميركية جديدة حيال لبنان. ويمكن أن يكون هدف فيلتمان والوفد المرافق من جولته الحالية استطلاعيا، لمعرفة الأجواء الحقيقية في لبنان والمنطقة. كما يمكن أن تحمل رسالة أو نظرة جديدة من قبل الأميركيين من أجل تصويب سياستهم تجاه لبنان والمنطقة».

ويحذر من «رهان الأميركيين على فريق سقط، كما لمحوا هم في أكثر من تصريح وأكثر من موقف». وإذ اعتبر أن «إعادة افتتاح السفارة الأميركية في دمشق يعكس تقاربا إيجابيا، إلا أن الأميركيين إذا أرادوا أن يعيدوا الكرة ويعودوا إلى سياسة العين الواحدة فلن يحصدوا إلا الفشل».