تعثر مفاوضات المصالحة بين النظام الليبي والتيار الإسلامي

«إخوان ليبيا» رفضوا الحكومة الجديدة.. و«الجماعة المقاتلة» تتمسك بمطالبها

TT

قالت مصادر ليبية مطلعة، إن مفاوضات للمصالحة و«طي صفحة الماضي» بين النظام الليبي والتيار الإسلامي (بجناحيه المسلح والسلمي) في البلاد، كان مقرراً أن يتوسط فيها الإسلامي الليبي المعتدل الدكتور علي الصلابي، القريب من جماعة الإخوان الليبية، بدأت تتعثر بشكل مفاجئ، بعد تشكيل الحكومة الجديدة، بسبب ضم وزراء جدد لها يتهمهم إسلاميون ومعارضون آخرون بارتكاب فظائع ضد ناشطين سياسيين في تسعينات القرن الماضي، أشهرها قضية سجن أبو سليم الذي تقول عنه المعارضة إنه يضم 1200 سجين في أوضاع سيئة منذ تسعينات القرن الماضي.

ويطالب التيار الإسلامي (معظمهم من قيادات من الجماعة المقاتلة بالسجون) بمحاكمة من يثبت من المسؤولين تورطه في التعذيب، وأن يكشف عن مصير الناشطين المعتقلين منذ تسعينات القرن الماضي، وكذلك أن تلتزم السلطات بإصدار شهادات وفاة رسمية لمن توفوا داخل السجون، وأن تثبت فيها تاريخ الوفاة وأسبابها.

ومع أن جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا أعربت أمس في بيان باسمها عن استيائها من تشكيل الحكومة الليبية الجديدة، فإن المصادر قالت إن الجماعة التي بدأت، في العامين الأخيرين، اتصالات غير مباشرة مع النظام الليبي، بتشجيع من نجل القذافي سيف الإسلام، لم تعد تمثل نفسها فقط في تلك المفاوضات، بعد أن أُوكل إليها محاولة التفاوض مع باقي التيارات الإسلامية المتشددة ممن حملت السلاح ضد الدولة، في تسعينات القرن الماضي، ويقبع غالبيتهم في السجون، إضافة إلى محاولات أخرى انخرط فيها ممثلون للإخوان لاسترضاء مئات الأسر التي تطالب بكشف مصير أبنائها، وتهدد بمؤازرة دعوى تسعى المعارضة لرفعها أمام المحاكم الأوروبية ضد مسؤولين ليبيين.

وأفادت المصادر أن المفاوضات التي كانت تسير بخطى وئيدة، والتي كان يفترض أن يتم إنجازها بشكل شامل عن طريق وساطة من الدكتور الصلابي، بدأت تتعثر، وقد تصل إلى طريق مسدود بعد أن اعترض التيار الإسلامي، وفي القلب منه الجماعة الليبية المقاتلة وتيار التحرير وجماعة الإخوان المسلمين، على تشكيل الحكومة الليبية الجديدة، وعلى طريقة النظام في التفاوض حول الملف الذي يطلق عليه التيار الإسلامي، وجماعات معارضة أخرى، «قتلى سجن سليم» في ليبيا. وقال مصدر من الناشطين الإسلاميين الليبيين لـ«الشرق الأوسط» إن «التيار الإسلامي صُدم بالتغييرات الحكومية الأخيرة». وأَضاف: «بعد أن تم الإفراج عن بعض الناس (من السجون) جاءوا بأشخاص لا يمكن التفاوض معهم حول أي شيء. لم نتفاوض مع أي منهم في السابق، لأنهم السبب في ما حدث في الماضي». وتابع «كان ممثلون من التيار الإسلامي (من الجانب الإخواني) بدأوا الحديث والتفاوض مع سيف الإسلام، ووعدهم بالإصلاح، وسيف الإسلام نفسه يقول إن التغييرات لم ترضه. أعتقد أن كل هذا يأتي في إطار لعبة يقومون بها ضد الإصلاح.. هم يريدون إنهاء ملف قتلى سجن أبو سليم بأي ثمن، حتى لا يصل إلى المحاكم الأوروبية».

من جانبه قال مسؤول الدائرة السياسية وعضو الهيئة التنفيذية للتحالف الوطني الليبي، إبراهيم عميش، «إن المفاوضات كانت تجري بالفعل بين التيار الإسلامي والنظام الليبي، والتيار كان يأمل أن تتخذ بشأنهم إجراءات تؤكد اتجاه النظام إلى الإصلاح، لكن أنا أرى أن عدم قيام النظام بذلك، من خلال تشكيل الحكومة الجديدة، كان أمرا متوقعا». واعتبرت جماعة الإخوان المسلمين تغيير وزراء بالحكومة الليبية الأسبوع الماضي، بناء على قرارات مؤتمر الشعب العام (البرلمان)، تغييرات شكلية لا تحقق طموحات الليبيين، واصفة الحكومة بأنها «حكومة ليبية قديمة في حلة جديدة»، وقال البيان الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إن المؤتمر كان ينبغي أن يتطرق إلى جوهرية ومصيرية في منظومة الدولة تتمثل في الحاجة الماسة والملحة لوضع دستور للدولة بدلا من حالة التيه التي أفرزها غياب المرجعية القانونية العليا». وأضاف البيان «أن ما يجري داخل أروقة الحكم في بلادنا وما يشكله الواقع الدولي من معطيات مستجدة، لا يمكن لحريص على وطنه تجاهلها وغض الطرف عنها»، مطالبا النظام الليبي بتحمل المسؤولية في التغيير، والعمل لما فيه الإنهاء لحالة الركود والتردد والجمود السياسي والاقتصادي التي لن تكون في مصلحة الوطن والمواطن راهنا، ولا في صالح أجيالنا القادمة وأمن وسلامة بلادنا مستقبلا».

وبحسب مصادر ليبية، تزايد، منذ أواخر التسعينات، أنصار جماعة الإخوان المسلمين في البلاد، وبدأ ذلك بالتزامن مع ضربات عنيفة تلقتها الجماعة الليبية السلفية والجماعة الليبية المقاتلة، التي كان معظم قادتها من العائدين من حرب المجاهدين الأفغان ضد الاتحاد السوفياتي، مشيرة إلى أن «الإخوان الذين برزوا للتحاور مع السلطة، يتحاورون على أساس كل التيار الإسلامي، وليس باعتبار أن هناك جماعة تحرير أو جماعة إخوان أو الجماعة المقاتلة، لكن باعتبار أن النظام يريد أن يفتح مع التيار الإسلامي كله طريقا، وأن يعترف (التيار الإسلامي) بالنظام».

وأضاف المصدر أن تشكيل الحكومة الجديدة في ليبيا يحمل توجها رافضا لمعظم مطالب التيار الإسلامي، وهي «محاكمة من يثبت من المسؤولين تورطه في التعذيب أو القتل، وأن تعترف السلطة بأنها ارتكبت أخطاء في تعاملها مع ملف النشطاء المعتقلين»، و«أن تكشف عن مصير الناشطين المعتقلين منذ تسعينات القرن الماضي»، و«أن تلتزم السلطات بإصدار شهادات وفاة رسمية لمن توفوا داخل السجون، وأن تثبت فيها تاريخ الوفاة وأسبابها»، و«أن تصرف تعويضات لذوي الضحايا».