المغرب يطلب من مندوب المخابرات الإسبانية في الناضور مغادرة البلاد

تزامناً مع قطع العلاقات مع إيران.. ويؤشر إلى أن الأزمة ذات خيوط ممتدة في 3 قارات

TT

أفادت مصادر إعلامية إسبانية أمس، بأن الإدارة العامة للدراسات والمستندات المغربية (الاستخبارات الخارجية)، طلبت من مندوب نظيرتها الإسبانية في مدينة الناضور المجاورة لمدينة مليلية (شمال البلاد)، مغادرة المدينة في أقرب وقت ممكن، ما جعل المصالح التي يعمل لفائدتها في بلاده تطلب منه الكف عن ممارسة أي نشاط وعدم إرسال أي تقارير إلى حين مغادرته تراب الجارة الجنوبية لإسبانيا.

وذكرت جريدة «الباييس» أمس في موقعها الالكتروني، على لسان مراسلها المتجول في المغرب، إغناثيو سامبريرو، أن السلطات الإسبانية لم تشرح لعميل استخباراتها الأسباب التي جعلت المغرب يتخذ هذا القرار غير المسبوق في تاريخ العلاقات بين البلدين، الذي اعتبرته الجريدة الإسبانية الواسعة الانتشار والمقربة من الحكومة الاشتراكية، بمثابة إجراء طرد للعميل، الذي ينتمي في الأصل إلى القوات المسلحة الإسبانية، وله تجربة عمل سابقة في إقليم «الباسك» الإسباني، الذي تنشط به منظمة «إيتا الانفصالية»، التي تشن، بين الفينة والأخرى، هجمات على الأشخاص والمؤسسات في إسبانيا، دعما لمطالبها في الاستقلال عن الحكومة المركزية.

وأضاف المصدر الصحافي الإسباني أن عميل الاستخبارات، الذي يمارس نشاطه في مدينة الناضور، تحت غطاء دبلوماسي في القنصلية الإسبانية بذات المدينة، طلب أن يبقى في مكانه ثلاثة أشهر أخرى ريثما يتمكن أبناؤه من إنهاء الموسم الدراسي، غير أن تلك الرغبة اصطدمت بإلحاح السلطات المغربية على مغادرته. ومن جهتها، امتنعت إدارة الاستخبارات الخارجية الإسبانية عن إعطاء أي تفسير لقرار نظيرتها المغربية مثلما فعلت هذه الأخيرة، ما يعني حرص الطرفين على تجنب التصعيد، ومعالجة القضية في أبعادها المحدودة.

ويسود الاعتقاد أن هذا التطور المثير في العلاقات بين الاستخبارات المغربية والإسبانية، اللتين تنسقان العمل فيما بينهما بشأن الملفات الأمنية الدقيقة مثل الإرهاب، مرتبط بتفاعلات الحملة التي قامت بها السلطات المغربية في المدة الأخيرة لمحاربة نشاط المتاجرة بالمخدرات في شمال المغرب، ما أسفر عن اعتقال 109 متهمين بينهم عناصر من الأمن والدرك والقوات المسلحة، يشتبه بضلوعهم في نسج علاقات مع المهربين الكبار الذين اتخذوا منذ مدة بعض مدن الشمال الشاطئية، موانئ صغيرة متحركة لإرسال البضاعة الممنوعة عبر البحر بواسطة مراكب متطورة فائقة السرعة لدرجة ساد الاعتقاد معها أن أباطرة المخدرات يتوفرون على تجهيزات ومعدات أكثر تطورا مما تملكه القوات المغربية الموكل إليها حراسة الشواطئ وتتبع المهربين.

وبينما كانت السلطات المغربية تتباهى بالعمل الذي أنجزته في مجال محاربة المخدرات، لحد التضحية بسمعة المؤسسة الأمنية وهيبة القوات المسلحة، خرج شكيب الخياري، الناشط الحقوقي المعروف في مدينة الناضور، وشن حملة تشكيك فيما قامت به سلطات بلاده، إذ العملية، من وجهة نظره، يقصد بها ذر الرماد في العيون كما أن التضحية باعتقال أمنيين وعسكريين وعناصر الدرك، إنما هو التغطية على مسؤولين ورؤوس كبيرة مشبوهة.

وأمام تلك الاتهامات التي اعتبرتها السلطات المغربية خطيرة وغير مستندة على أي أساس، سارعت إلى اعتقال الخياري، وإحالته على العدالة، حيث ما زال رهن التحقيق بمدينة الدار البيضاء، يواجه تهمة الإساءة إلى المؤسسات التي تحارب المخدرات. ويلاحظ أن طرد العميل الإسباني من المغرب، تقرر بعد اعتقال الخياري، والتحقيق معه. ومما يؤكد هذا الربط أن صحفا مغربية تداولت اسمه في الأيام الأخيرة وتحدثت عن صلته باستخبارات دولة أجنبية يتقاضى منها عمولات لتغطية نفقات نشاطه المعادي للدولة المغربية.

ويبدو أن الأمور لا تقف عند المخدرات، خاصة أن الخياري، هو في نفس الوقت رئيس «جمعية الريف لحقوق الإنسان» ما يحمل على الاعتقاد أن رائحة السياسة امتزجت برائحة المخدرات، مع الإشارة إلى أن الاستخبارات الخارجية الإسبانية تنفي نفيا قاطعا أن تكون قد أمدت الناشط الحقوقي بمساعدات مالية.

وبصرف النظر عن التطورات المحتملة لهذا الملف فإنه يشير إلى بوادر أزمة ثقة عميقة بين المغرب وجارته الشمالية، لا سيما وقد امتد الشك المتبادل إلى الأجهزة السرية التي يوكل إليها احتواء الأزمات العميقة التي تحدث بين بلد وآخر، كما يجوز أن يكون الحادث مؤشرا على عدم احترافية عنصر الاستخبارات الإسبانية، الذي ربما تجاوز الحدود المسموح له بها.

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن محمد ياسين المنصوري، مدير الاستخبارات الخارجية المغربية المعروفة اختصارا باسم «دجيد»، ليس مرتاحا أو بالأحرى لا يجد سببا لما تقوم به إسبانيا من نشاط استخباراتي مزعج للمغرب. وحسب مصادر إعلامية فإن المنصوري، وجه ملاحظات بهذا الصدد إلى نظيره الإسباني، ألبيرتو ساييث، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2007، حينما سأله عن الدوافع التي تجعل سلطات بلاده تشجع في سبتة، جمعية «التبليغ» ذات الأصول الهندية، والارتباط العلني بالجهات الدينية المتطرفة، والمناوئة للمغاربة المعتنقين للمذهب المالكي، القاطنين بالمدينة، ما يتسبب في حدوث أزمات في صفوف الجالية المسلمة. ويقول مغاربة سبتة إن السلطات المحلية بالمدينة تقدم المساعدات السخية لجماعة «التبليغ»، التي يمتد نشاطها خارج سبتة. وتتزامن كل هذه التفاعلات مع القرار المغربي الأخير القاضي بقطع العلاقات مع إيران، ما يحمل على الظن أن الأزمة ذات خيوط ممتدة في ثلاث قارات.