توقف البريد بين القاهرة والخرطوم.. يعطل مصالح السودانيين في مصر

أضاع على سليمان «حلاوة المولد» وعلى سانتو دواء والديه

TT

دخل السوداني مصطفى سليمان المقيم بالقاهرة منتشيا إلى هيئة البريد السريع بمنطقة العتبة بوسط العاصمة المصرية أمس حاملا علبة «حلاوة المولد» ليقوم بإرسالها كطرد إلى أهله في «جوبا» جنوب السودان بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وأرفقها بخطاب إلى زوجته وأبنائه الثلاثة الذين تركهم منذ أربع سنوات ليعمل «سواق ملاكي» في القاهرة. لكن، وعلى غرار المثل الشعبي «يا فرحة ما تمت»، فوجئ سليمان برفض موظف البريد تسلم الطرد منه، مؤكدا له أنه لا يستطيع حتى أن يرسل الخطاب عبر البريد العادي بسبب قرار الحكومة السودانية وقف البريد الدولي لإعادة ترتيبه.

احتقن وجه سليمان واشتاط غضبا عندما أبلغه الموظف الحكومي بالقرار، وأصر على أن يترك علبة «حلاوة المولد» حتى يتسنى لهيئة البريد إرسالها، فأكد له الموظف مرة أخرى أن الأمر ليس بيده إنما بأيدي حكومته. سليمان الذي بدد القرار المفاجئ فرحته بالمولد وحلاوته قال بغضب لـ«الشرق الأوسط»: «الحكومة السودانية حكومة غير شرعية لم تفعل بنا إلا المجازر والتشريد ولا تعمل إلا على قرارات تزيد الفرقة بيننا، وإنها إذا أرادت أن تقطع علاقتها مع أحد لا يكون على حساب علاقتنا بأولادنا وأهالينا».

وبالشكل المعتاد توجه سانتو وول (سوداني، 33 عاما، يعمل بالترجمة والفن التشكيلي بالقاهرة منذ 6 سنوات، من مدينة آبيي جنوب السودان) إلى هيئة البريد لإرسال بعض الأدوية، لكن الموظف فاجأه أيضا بالقرار. يقول سانتو لـ«الشرق الأوسط» إنه يستخدم البريد بانتظام لإرسال أدوية - وبخاصة الأنسولين - إلى أبيه وأمه المريضين بمرض السكر، وإن البريد بالنسبة إلى السوداني هام «لأن هناك سودانيين كثرًا يضطرون إلى الانقطاع عن أهاليهم في القاهرة لسنوات طويلة لأسباب عديدة، فتكون الطرود والهدايا هي وسيلة التعبير والتواصل». ويؤكد سانتو: «هذا القرار يحمل كثيرا من التعسف» لأنه سيضطر إلى البحث عن طريقة أخرى لإرسال الدواء قد تكون أكثر تكلفة بكثير بالإضافة إلى أنها لا تضمن وصول الطرد إلى العنوان كما يضمنه له البريد الحكومي. وتعود العلاقات بين هيئة البريد المصرية ونظيرتها السودانية إلى عام 1931، وتعد حركة الطرود بينهما من أنشط الحركات وبخاصة بعد تزايد أعداد الجالية السودانية في مصر خلال الفترة الماضية، بالإضافة إلى الاستثمارات المشتركة بين البلدين في مجالات عديدة.

أحمد عبد الله (سوداني يعمل تاجر قطع غيار، اعتاد أن يرسل طرودا عبر البريد)، أشار إلى أن هذا القرار لن يؤثر فيه بشكل كبير لأنه في أحيان كثيرة يستخدم شركات أهلية متخصصة في نقل البضائع ترسل البضائع عبر شلاتين مثل شركة «أوشيك»، بالإضافة إلى شركة «فيديكس» بشارع بور سعيد بالقاهرة، وشركة DHL. ويضيف أن البريد السريع الحكومي لا يقبل منه أكثر من 30 كيلوغراما عند الضرورة، ولكنه يتحايل على ذلك بإرسال أكثر من طرد لأن البريد الحكومي يرسل الطرود إلى البيوت والأماكن، بينما الشركات الأهلية غير مضمونة ولا ترسل الطرود إلى البيوت، ولكن إلى فرع الشركة هناك، كما أن الظروف الصعبة للبلاد تجعله يتخوف من ضياع الطرود، مع أن الشركات الخاصة أعلى في التكلفة.

أما صدّيق علي (سوداني يحمل بطاقة الأمم المتحدة للاجئين ويعمل بائع ساعات بالعتبة) فيقول إن هذا القرار لن يؤثر علية في شيء: «علاقتي انقطعت بأخواتي وأهلي من 7 سنوات، وحتى لو عرفت أنهم على قيد الحياة لا أستطيع إرسال شيء لأنني مفلس، لا أملك أي مال».

ومن جهته نفى المهندس أحمد قدري نائب رئيس الهيئة العامة للبريد المصري لشؤون التطوير وجود مشكلات بين الهيئة وهيئة البريد السوداني. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هيئة البريد السوداني هي التي طلبت وقف أي تحويلات إليها في الوقت الحالي، وذلك لإحلال وتحديث بعض البرامج الخاصة بعمليات تسلم الطرود».

واستبعد قدري أن يكون طلب وقف تسلم الطرود بناء على الظروف السياسية التي يمر بها السودان بعد صدور قرار حكم المحكمة الدولية بوقف الرئيس السوداني عمر البشير، وأضاف أن وقف التعامل بدأ منذ 27 فبراير (شباط) الماضي، أي قبل صدور قرار المحكمة، وأضاف أن الطرف السوداني لم يحدد مدى زمنيا لإنهاء هذا التوقف.

ويضيف محمود الصعيدي (عامل بهيئة البريد السريع بمكتب العتبة) لـ«الشرق الأوسط» أنهم تسلموا إخطارا قبل عدة أيام من هيئة البريد العالمي يفيد بأن أحمد التيجاني العالم مدير الهيئة العامة للبريد بالسودان يخطر هيئة البريد أن هيئته لا تستطيع معالجة أو تسلم طرود سريعة أو عادية، وأنهم سيخطرونهم عندما يتم استئناف الخدمة.

ويقول الصعيدي إنه يعاني من يومها مع السودانيين لأن معظمهم لا يعرف بالقرار، ويصرون على إرسال طرودهم، وأنه يأخذ وقتا طويلا لإقناعهم بأن حكومتهم ترفض أن تتسلم شيئا، مؤكدا أن هذا القرار سيؤثر بشكل كبير على السودانيين لأنه من خلال خبرته في هذا العمل يرى أن السودانيين الأكثر في إرسال كل مستلزمات المنزل إلى ذويهم، فهم يرسلون القماش والملابس وقطع الغيار ومنتجات خان الخليلي، ويصل الحال أحيانا إلى إرسال قدور الطعام إلى السودان، بالإضافة إلى أنهم في ظل ظروف بلادهم الصعبة أكثر ثقة بهيئة البريد الرسمية.