سجال حول دعوة العاهل الأردني لتطبيق اللامركزية في الأقاليم

الحركة الإسلامية تعتبره «ملهاة» للقفز على الإصلاح السياسي

TT

شكل حديث العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عن اللامركزية بالمملكة بتقسيم البلاد إلى ثلاثة أقاليم إدارية بحيث ينتخب كل إقليم مجلسه المحلي، يدير شؤونه الخاصة بعيدا عن سطوة الإدارة المركزية، سجالا جديدا بين الفعاليات السياسية والحزبية في الأردن، خاصة انه يأتي بعد أحداث غزة وإدارة أميركية جديدة.

واعتبرت الحركة الإسلامية الحديث عن مشروع الأقاليم «غير المتبلور» كوسيلة للقفز على الإصلاح السياسي واستنزاف جهود القوى الوطنية في «ملهاة» جديدة هدفها «الإشغال وكسب الوقت». فقد جدد الملك في مجلس الوزراء أمس تأكيده على مشروع اللامركزية، وطالب بالتعاون بين الجهات المعنية على بلورته من أجل إشراك المواطنين بشكل أكبر في صناعة القرار وتحقيق الإدارة الفضلى للموارد. وشدد على أن «مشروع الإصلاح والتطوير والتنمية السياسية هو مشروعنا، وبناء الديمقراطية هو خيارنا». وقال إنه يريد أن يرى برنامجا لبلورة وتنفيذ إستراتيجية الإصلاح الأردني، مؤكدا أنه لا يوجد إصلاح اقتصادي من دون إصلاح سياسي. ويرى المحلل السياسي عريب الرنتاوي أن فكرة «الأقاليم» تحمل في أحشائها، بذور مشروع إصلاحي كبير، يمكن أن يؤسس لانطلاقة نحو إصلاح سياسي وإداري شامل.

وقال الرنتاوي لـ «الشرق الأوسط» إن أكثر ما يدعو للقلق، أن ينظر البعض، لهذا المشروع كما لو كان بديلا عن الإصلاح السياسي والإداري الشامل نفسه، لا بوصفه حلقة في سلسلة متعددة الحلقات، تشتمل على إعادة صياغة قانون جديد، عادل وتمثيلي للانتخابات البرلمانية، ومن ضمن مسعى لإعادة النظر في قوانين العمل السياسي العام، وبصورة تفتح أفقا للتحول الديمقراطي الذي هو حاجة أردنية ضاغطة، قبل أن يكون مطلبا دوليا، ملحا أو غير مستعجل لا فرق.

وأضاف: ننظر للأقاليم بوصفها خطوة في أطر «اللامركزية الإدارية»، بوصفها مشروعا تنمويا وأداة لتمكين المواطنين من إدارة شؤون الحكم المحلي بأنفسهم وبطريقة ديمقراطية. وننظر للأقاليم بوصفها مشروعا لتحرير البرلمان من تبعات نيابة الخدمات وذيول الصوت الواحد وانعكاسات ضعف وجود السياسة والأحزاب تحت القبة، وهي لم تكن يوما مشروعا قائما بذاته أو مبادرة معزولة عن منظومة المبادرات المتممة التي تكسبها معنى وقيمة، وتجعل منها نقطة انطلاق جديدة وحقيقية على طريق الإصلاح».

وكانت الحكومة الأردنية قد أعلنت بعد إجراء التعديل الوزاري في أواخر فبراير(شباط) الماضي أنها معنية في ملف الإصلاح السياسي وهو على سلم أولوياتها. وعبر عن ذلك وزير التنمية السياسية الجديد موسى المعايطة عن حماسه لهذا الملف. ورغم تفهمه لتحفظات مستمعيه وحذرهم في التفاؤل من «التزام الحكومة» بتطبيق وعودها الأخيرة بفتح باب الحوار الوطني لتعديل القوانين الناظمة للحياة السياسية، بعد تجارب مديدة من وعود الحكومات التي لم تتمخض على أرض الواقع. إلا أن المعايطة يبدو «مندفعا وواثقا» وهو يروج للتوجهات «الجدية» للحكومة في الدخول إلى هذا الملف.

ويستند المعايطة، في اندفاعه في التبشير بالتوجهات القادمة في مجال الإصلاح السياسي، إلى تأكيده أن «الجديد هو التزام رئيس الوزراء نادر الذهبي في أول اجتماع للحكومة بعد التعديل، بإعادة النظر في قوانين العمل السياسي، وبما يهدف إلى تعزيز التنمية السياسية في البلاد والمضي قدما في برامج الإصلاح السياسي من خلال خلق حراك سياسي وطني جدي، يعبر عن توجه الحكومة لتحقيقها» كما قال الذهبي.

وأوضح «لن نذهب لفتح حوارات ونقاشات جديدة مع الفاعليات السياسية والمجتمعية والأحزاب حول هذا القانون الحيوي، فقد أشبع بحثا ومقترحات وتوصيات، سواء من خلال لقاءات حكومية سابقة مع الأحزاب والفاعليات، أو من خلال توصيات لجان الأردن أولا والأجندة الوطنية وكلنا الأردن».

ويتصدر مطالب الإصلاح السياسي، الذي تجمع عليه المعارضة وأوساط سياسية عديدة، تعديل قانون الانتخاب الذي اعتمد منذ انتخابات عام 1993 نظام الصوت الواحد. وتكاد تجمع هذه القوى على ضرورة تجاوز نظام الصوت الواحد في الانتخابات النيابية. وأيدت لجنة «الأجندة الوطنية» نهاية عام 2005، ولجنة «كلنا الأردن» لاحقا مطالب إلغاء مبدأ الصوت الواحد، واعتماد نظام الانتخاب المختلط الذي يجمع بين التصويت لمرشح من الدائرة وبين صوت آخر للقائمة النسبية على مستوى الوطن أو المحافظة.

ومن جانبه حذر الناطق الإعلامي باسم جماعة الإخوان المسلمين جميل أبو بكر من استخدام مشروع الأقاليم «غير المتبلور» كوسيلة للقفز على الإصلاح السياسي واستنزاف جهود القوى الوطنية في «ملهاة» جديدة هدفها «الإشغال وكسب الوقت».

وقال لـ «الشرق الأوسط» إن المشروع المشار إليه «مبهم». وتابع «حتى يستحق المشروع النقاش التفصيلي المعمق بين مختلف الجهات والأطراف». وشدد على أن التجارب السابقة فيما يخص الإصلاح «غير مشجعة»، وتؤكد «غياب إرادة جادة للإصلاح»، لافتاً إلى أنها «لم تتمخض عن شيء يذكر على أرض الواقع، بل على العكس فالممارسة تشير إلى تقهقر». وأضاف «قدمت مشاريع ورفعت شعارات تتعلق بإصلاح قانون الانتخاب والأحزاب والاجتماعات العامة ولكن الأمر زاد سوءا». وأشار إلى انه دائماً توضع «عوائق تحمل أحيانا أسماء كبيرة وهواجس كثيرة ولكنها موهومة وغير واقعية، الهدف منها تأخير أو وأد أي تطلع لإصلاح سياسي جاد يشكل مفتاحاً لإصلاح شامل». وأوضح أبو بكر أن تعليق الإصلاح السياسي على أي مبادرة ومن بينها مشروع الأقاليم الذي «لن يكون واقعا إلا بعد زمن وقد لا يكون. هو شبيه بتعليق الإصلاح في الأردن على حل القضية الفلسطينية».