يان برونك: البشير لن يأتي إلى لاهاي لأنه لا يحب السفر.. ويخشى الانقلابات

المبعوث الأممي السابق إلى السودان هاجم «الجنائية» وقال إن أوكامبو أخطأ.. والمدنيون هم من يدفع الثمن

TT

انتقد الهولندي يان برونك، مبعوث الأمم المتحدة السابق إلى السودان، قرار توقيف الرئيس السوداني عمر حسن البشير، الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية، الأربعاء الماضي، مركزا انتقاداته على المدعي العام للمحكمة لويس أوكامبو، قائلا إن استراتيجيته حول دارفور خاطئة.. وإن المدنيين هناك هم الآن من يدفع الثمن.

وقال برونك، في تصريحات للإعلام الهولندي أمس، إن استصدار قرار بتوقيف الرئيس البشير، جاء بنتائج عكس ما كان يصبو إليه أوكامبو، وأصبحت الحالة الآن أسوأ في دارفور من قبل. وأشار إلى أن رد فعل البشير الأولي، كان طرد منظمات ناشطة في مجال تقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين في دارفور، مما يعرض هؤلاء إلى الخطر.

وقال برونك، «كان المأمول من المحكمة، أن تحمي المدنيين من جرائم حرب جديدة. الآن أصبح هناك أعداد كبيرة من المدنيين بلا مساعدات إنسانية، ويواجهون بمفردهم مصيرا مجهولا، بدون منظمات الإغاثة ولا مساعدات إنسانية».

وردا على سؤال يتضمن الإشارة إلى أن تبعات قرار المحكمة لا يمكن أن تتحملها المحكمة؛ لأنها تؤدي دورا قانونيا فقط، وأن حكومة الخرطوم هي التي اتخذت قرارها، بوقف عمل المنظمات الإنسانية، قال برونك، «حقيقي أن ما وصلت إليه الأمور، تتحمل مسؤوليته الحكومة في الخرطوم، ومن حق المحكمة أن تقول إنها تؤدي عملها القانوني، ولكن لا يجب أن ننسى أن تقديم شكوى ضدر رئيس دولة، ليس عملا عاديا ولا سهلا، ولهذا فأنا أعتقد أن أوكامبو، اتخذ استراتيجية خاطئة».

وأشار برونك إلى أنه في عام 2004، وبناء على تكليف من الأمم المتحدة، قام أنطونيو كاسيس، بإجراء تحقيق حول مدى صحة ما تردد، بشأن وقوع جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وعمليات إبادة للمدنيين في دارفور، ووجد كاسيس بالفعل أدلة، على وجود جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، ولا يوجد جرائم إبادة، وقدم للأمم المتحدة قائمة، تضم 51 من المشتبه في تورطهم بتلك الجرائم، وبعد أشهر قامت الأمم المتحدة بإحالة ملف دارفور إلى الجنائية الدولية، فماذا فعل أوكامبو؟ تقدم في يوليو (تموز) الماضي، بطلب للمحكمة لاستصدار مذكرة توقيف للرئيس السوداني، على أساس وجود جرائم إبادة، ولديه أدلة، على أن البشير أعطى الأوامر، لارتكاب تلك الجرائم. ويقول برونك «أشك في أن البشير كرئيس دولة، يكون مسؤولا رسميا ومباشرا، عن وقوع الجرائم التي شهدتها دارفور».

وأشار برونك إلى أن أوكامبو، لم يقم بتحقيق في السودان حول الوقائع المختلفة؛ لأنه لم يحصل على مساعدة في هذا الصدد، وإنما توجه إلى تشاد، وتحدث مع أعداد من الفارين من الأحداث في دارفور. واختتم بالقول إنه لا يتوقع استمرار النظر في القضية بالمحكمة؛ لأن البشير لن يحضر إلى لاهاي، لأنه آمن في بلده، ولا يسافر كثيرا، فهو بطبعه لا يحب السفر، كما أنه يخشى من وجود مؤامرات انقلابية، قد تحدث في حال سفره باستمرار، بالإضافة إلى ذلك، فإن البشير لا يخاف في أفريقيا؛ لأن الاتحاد الأفريقي يسانده.

ونفى برونك أن يكون هناك تغيير في مواقفه من الملف، ولكن يرى برونك أن أوكامبو أخطأ، عندما بدأ بطلب محاكمة البشير، وكان من الأفضل له أن يطلب محاكمة الأشخاص، الذين تضمنتهم القائمة التي تضم 51 شخصا، وخطوة خطوة كان يمكن بعدها أن يصل إلى طلب محاكمة الشخصيات الأعلى، ومنها البشير. وكانت الحكومة السودانية قد طلبت من الأمم المتحدة في أكتوبر (تشرين الأول) 2006، إنهاء مهمة يان برونك، وأمهلته 72 ساعة لمغادرة البلاد، بعد أن اعتبرته شخصا غير مرغوب فيه، على خلفية تصريحات له مفادها بأن الروح المعنوية للجيش السوداني منخفضة، بعد معاناته من هزيمتين كبيرتين في منطقة دارفور. وبعث وزير الخارجية السوداني الدكتور لام اكول بمذكرة للأمين العام للأمم المتحدة في ذلك الوقت كوفي أنان، اتهم فيها برونك بـ«التورط في أنشطة لا تتسق مع مهامه، وتعريض اتفاق دارفور للسلام للخطر، ونشر معلومات مغلوطة في موقعه الخاص على الإنترنت حول القوات المسلحة». وكان برونك قد ذكر في موقعه على الإنترنت، أن الجيش السوداني مني بخسائر فادحة خلال معاركة الأخيرة مع متمردي دارفور، وأن العديد من الجنود والضباط فروا إلى تشاد، وأن الروح المعنوية لأفراد القوات المسلحة السودانية تدنت للغاية، مما أثار غضب الجيش، وأصدر الناطق الرسمي باسمه بيانا وصف فيه برونك بأنه شخص غير مرغوب فيه.

وقال برونك إن قرار إبعاده ناتج عن «خلاف عميق في وجهات النظر بينه والحكومة السودانية». وعين أنان، يان برونك، 66 عاما، هولندي الجنسية، مبعوثا خاصا له إلى السودان في 18 يناير (كانون الثاني) 2005 بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1590) عقب توقيع اتفاقية السلام الشامل بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان في التاسع من ذات الشهر. وسبق أن شغل عددا من المناصب في المنظمة الدولية، منها أنة كان مبعوثا خاصا في جنوب أفريقيا للتنمية المستدامة، ونائبا للأمين العام لمؤتمر التجارة والتنمية، كما تولى مناصب في حكومة بلاده. وكانت تلك المرة الثانية التي تُبعد فيها الخرطوم ممثلا للأمم المتحدة خلال عامين، إذ سبق أن أبعدت منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في السودان موكاشي كابيلا في أعقاب تصريحات أدلى بها في نيروبي أوائل عام 2004 وصف فيها الحرب الأهلية في دارفور بأنها إبادة جماعية، تشبه ما وقع في رواندا عام 1998، وطالب المجتمع الدولي بالتدخل السريع مما اعتبرته الحكومة السودانية تمريرا لأجندة خفية وطالبت باستبعاده.