السودان: انتعاش سوق الصحف.. ارتفاع المبيعات 40%.. والإعلان 36% بسبب «الجنائية»

الخط العام تغطية الحملة المؤيدة للرئيس البشير وتتخذ الطابع العدائي لمحكمة لاهاي

TT

انتعشت سوق الصحافة السودانية بشكل لافت، على خلفية صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس عمر البشير، وما صاحب ذلك من تعبئة إعلامية محلية انتظمت كل وسائل الإعلام بما فيها الصحف، ترصد وتتابع تداعيات صدور القرار وردود فعله، والحراك الشعبي والرسمي الذي انخرط في تأييد الرئيس السوداني، مقابل توجيه غضبها على المحكمة الجنائية الدولية والدول الغربية وبخاصة الولايات المتحدة. ولاحظ خبراء الاتصال أن التغطية قامت بتكسير الكثير من السياقات الراتبة للتغطية المعتادة.

وكشف موزعو الصحف أن نسبة التوزيع ارتفعت خلال الأسابيع التي سبقت صدور القرار، ومنذ صدور القرار، وحتى الآن إلى 40%، عن آخر نسبة مرصودة في السابق، كما ارتفعت نسبة الإعلان بنسبة 46% لأغلب الصحف. وخصصت الصحف، خصوصا السياسية، أكثر من 90% من عدد صفحاتها، حسب تقدير أحد رؤساء التحرير، لتغطية الأزمة بين السودان والمحكمة الجنائية، شملت الأشكال التحريرية كافة، فيما لم يخرج تناول الصحف للأزمة عن سياق الحملة المؤيدة للرئيس البشير، التي تتخذ الطابع العدائي للمحكمة الجنائية الدولية.

على هذا النحو، ظلت الصحف تردد وبشكل أقرب إلى اليومي موقف الحكومة الرافض لقرار المحكمة الجنائية الدولية، وترصد في السباق بيانات تصدرها الأجهزة الحكومية والمنظمات والشركات، وحتى مواطنون، تعكس تأييدها القاطع للبشير وتكيل الهجوم والاتهامات للمحكمة الجنائية، وتعرض بشكل واسع أقرب إلى «النصوص الكاملة» كلمات الرئيس عمر البشير سواء أمام المظاهرات أو للقاءات الجماهيرية أو مع الفئات المختلفة، ويقول مسؤولون في عدد من صحف الخرطوم تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» إنهم يرصدون أغلب كلمات الرئيس هذه الأيام، وكل ما يدور في المظاهرات، خصوصا تلك التي جرت لأيام في العاصمة السودانية، قبل أن تنتقل إلى الولايات منذ يومين على الأقل.

وقال عادل ألباز رئيس تحرير صحيفة «الأحداث» إن التغطية الصحافية خلال الأيام الماضية عكست نبض الشارع السوداني حيال القرار، ولاحظ ألباز في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إنه لم تعد هناك تغطية «نشار»، حسب تعبيره، وعلى غرار ألباز، لاحظ نقيب الصحافيين السودانيين الدكتور محيي الدين تيتاوي، أن الصحف أجمعت على تأييد الموقف الرسمي من توقيف البشير، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه لمس الاتجاه الداعم للرئيس البشير في الصحف السودانية، وأضاف: «إنها رفضت بإجماع قرارَ توقيف الرئيس، ولكن ربما هناك تباين في زوايا التناول للموضوع»، وفي رأيه أن ذلك أمر طبيعي. توقع تيتاوي أن تستمر التغطية الصحافية للأوضاع في السودان على هذا المنوال طوال الفترة المقبلة، وقال مسؤول في إحدى الصحف: «تداعيات القرار ستظل الأجندة الأولى لصحف الخرطوم لوقت طويل على ما يبدو».

وكشف عوض الكريم (عراقي خبير توزيع سوداني) أن نسبة توزيع الصحف السودانية ارتفعت خلال تصاعد الأزمة بين السودان والمحكمة قبل صدور قرارها في حق الرئيس وبعده، وقدر ذلك بنسبة «40%» عن السابق، وعلق أن هذا رقم كبير قياسا بنسبة التوزيع المعتادة، ووصف تلك الزيادة بأنها «ممتازة». وعزا عراقي ذلك إلى أن أغلب الناس تراهم أمام المكتبات يسألون عن الجديد في الأزمة، قبل أن «ينكبُّوا على شراء الصحف»، حسب تعبير عراقي. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الأيام رفع الناس عدد الصحف التي يشترونها يوميا»، وأضاف: «من كان يشتري صحيفة أصبح يشتري اثنتين»، وقال إنه لاحظ أن نسبة الإقبال على الصحف السياسية زادت عن الصحف المتخصصة في المجالات الأخرى. وعلق مدير توزيع في إحدى الصحف على الظاهرة بقوله إن السودانيين «في الأصل يحبون السياسة، ووجدوا في الأزمة الأخيرة ضالتهم في متابعة الشأن السياسي».

وفي السياق، كشف بابكر سيد أحمد خبير الإعلان السوداني أن نسبة الإعلان ارتفعت خلال الأزمة بصورة كبيرة في غالب الصحف، وقدر ذلك بنحو «46%»، وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إحدى الصحف الكبرى في الخرطوم تضطر هذه الأيام إلى الاعتذار لأصحاب الإعلانات عن النشر في ذات اليوم، وتشترط عليهم برمجة للنشر قد تستغرق يومين على الأقل، وأوضح أن أغلب الإعلانات عبارة عن نصوص بيانات لجهات ترغب في إبراز رأيها كاملا في دعم الرئيس البشير، وقال إن هناك أشخاصا قاموا بنشر إعلانات صفحات كاملة مؤيدة للرئيس. ويقول آخر التقارير المتداولة في الخرطوم إن عدد الصحف السودانية الصادرة الآن في السودان 53 صحيفة من بينها 33 صحيفة سياسية شاملة، و4 بالإنجليزية، و10 صحف رياضية، و6 اجتماعية. وتصدر الصحف في السودان عبر شركات خاصة، وتتراوح في أدائها الراتب بين صحف موالية للحكومة وأخرى تؤيد المعارضة.

وحسب قانون الصحافة فإنه يتوجب على من يرغب في إصدار صحيفة وضع مبلغ تأمين قدره 500 ألف جنيه سوداني 25 ألف دولار، كشرط لمنح الترخيص بإصدار الصحيفة عبر شركة. ويناقش شريكا الحكم في البلاد: حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان، مسوَّدةً لقانون صحافة جديد يتفق مع الدستور الجديد في البلاد الذي جاء بعد اتفاق السلام الموقع بين الطرفين، الذي أنهى حرب الجنوب، وإذا ما تم هذا التعديل يكون هو الرابع من نوعه منذ قدوم الرئيس عمر البشير إلى الحكم عام 1989.