سفير السودان في فرنسا: نريد من باريس أن تستمر في دعم جهود السلام والاستقرار في دارفور

مصادر دبلوماسية عربية: الوضع ليس مقفلا تماما.. وثمة هامش للتحرك الدبلوماسي

TT

دعا سفير السودان في فرنسا سليمان محمد مصطفى باريس إلى الاستمرار في جهود السلام والاستقرار في دارفور، ودعم المبادرة القطرية التي أفضت قبل أيام إلى توقيع اتفاق بين الخرطوم وحركة «العدل والمساواة» المتمردة في دارفور. وطلب مصطفى تحديدا من باريس الضغط على رئيس حركة تحرير السودان، الذي يعيش في فرنسا من أجل توقيع مذكرة التفاهم المشار إليها، مشددا على استعداد بلاده للتفاوض مع حركة تحرير السودان في أي وقت وأي مكان.

وشدد السفير السوداني الذي كان يتحدث في مؤتمر صحافي في باريس بدعوة من نادي الصحافة العربية، على رفض بلاده التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية أو تبني جهود الوساطة التي يقوم بها أكثر من طرف، ومنهم تحديدا الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي، من أجل تفعيل المادة 16 من ميثاق تأسيس المحكمة، وتأجيل العمل بمذكرة توقيف الرئيس السوداني لمدة عام قابلة للتجديد.

وفيما أعلنت السفارة الأميركية في الخرطوم عن خفض عديد دبلوماسييها في السودان، حرص السفير السوداني على التأكيد على تمسك بلاده بحماية البعثات الدبلوماسية أيا كانت، تنفيذا لبروتوكول فيينا لعام 1961. وتناول السفير السوداني موضوع المنظمات غير الحكومية التي قررت سلطات الخرطوم طرد 13 منها بسبب اتهامات وجهت إليها بالتدخل في شؤون السودان الداخلية. وبحسب محمد مصطفى فإن مجموع المنظمات العاملة في إقليم دارفور وحده يصل إلى 146 منظمة، منها 81 منظمة أجنبية، و8 وكالات دولية، و55 منظمة وطنية سودانية. وتعود لبريطانيا 16 منظمة، وللولايات المتحدة 14 منظمة، ولفرنسا عشر منظمات. والمنظمات المطرودة منها 4 أميركية، واثنتان لكل من فرنسا وبريطانيا، وواحدة نرويجية.

وأورد السفير السوداني 5 أسباب حفزت سلطات الخرطوم على طرد هذه المنظمات، بعضها أمني، ولكن أهمها أن هذه المنظمات «نفذت مهمات لا علاقة لها بمهماتها الأصلية»، أو أنها «لم تحترم اتفاقاتها مع الحكومة»، أو أنها موجودة في السودان دون مهمة أو مشروع واضحين.

ونفى السفير أن تكون عملية الطرد «متسرعة» أو أن تكون «انتقاما» من هذه المنظمات بسبب قرار توقيف البشير، مؤكدا أن الحكومة السودانية «تملك ملفات موثقة» حول المخالفات التي ارتكبتها هذه المنظمات. وأحد الأمثلة التي أعطاها أن منظمة بريطانية حصلت على تأشيرة دخول لمن زعمت أنه أحد العاملين في برامجها، ولكن تبين لاحقا أن الشخص المعني مقدم برامج في أحد القنوات الإخبارية الأميركية المعروفة.

وأفاد السفير السوداني أن الاتصالات بين باريس والخرطوم «قائمة على كل المستويات»، وأن بلاده «مستمرة للتعاون مع فرنسا» التي دعمت المبادرة القطرية. وكان رئيس وزراء ووزير خارجية قطر قد زار باريس يوم الجمعة الماضي، والتقى وزير الخارجية برنار كوشنير حيث تركز البحث معه على موضوع دارفور والمخارج الممكنة من الأزمة التي تفاقمت مع مذكرة توقيف البشير.

وفي هذا السياق قالت مصادر فرنسية رسمية لـ«الشرق الأوسط» إن باريس «نبهت البشير أكثر من مرة، وعلى أعلى المستويات، إلى المخاطر التي يركبها في رفض الاستماع إلى النصائح» التي أعطيت له حول ضرورة التعاون مع الأسرة الدولية ومع المحكمة الجنائية الدولية في موضوع توقيف ومحاكمة علي هارون وزير الشؤون الإنسانية السابق، وعلي كوشيب المعتبر أحد قادة ميليشيات الجنجويد، وذلك قبل صدور قرار التوقيف. وتؤكد المصادر الفرنسية أن «وعودا» أعطيت لباريس ولكنها «بقيت كلاما ولم ينفذ منها شيء» رغم المهل الطويلة التي أعطيت للسودان.

وتقول المصادر الفرنسية إن الخطوة الأولى التي من الضروري أن تعمد إليها الخرطوم هي «تحاشي التصعيد الكلامي وغير الكلامي»، وتفادي الإجراءات التي «تضر بالسودان»، و«تقديم الضمانات الضرورية» حول استمرار عمل المنظمات الإنسانية الدولية والاستمرار في عملية السلام وفق اتفاق الدوحة، وبدء النظر في كيفية التعاون مع المحكمة الجنائية.

ويقوم الموقف الفرنسي الرسمي على مطالبة البشير بالاستجابة لقرار المحكمة الدولية من جهة، وعلى تأكيد أهمية استمرار التفاوض حول دارفور مع الحكومة السودانية من جهة أخرى. ورغم هذا الموقف المتشدد فإن مصادر دبلوماسية عربية في العاصمة الفرنسية قالت لـ«الشرق الأوسط» إن باريس «تعي» النتائج المترتبة على مذكرة التوقيف على استقرار السودان وعلى وضع دارفور والبيئة الإقليمية مثل تشاد وإفريقيا الوسطى، وغيرها من المناطق التي لفرنسا فيها مصالح مهمة.

وخلاصة المصدر الدبلوماسي العربي أن باريس «ليست منغلقة على حل»، ولكن المشكلة أن الحل المطروح هو تفعيل الفقرة 16، وهو ما يحتاج إلى قرار في مجلس الأمن. وتقول فرنسا إن الأكثرية متوافرة في مجلس الأمن للتصويت على هذا التفعيل، فضلا عن أن باريس تعي أن واشنطن ولندن ستستخدمان حق النقض «الفيتو» لإجهاض قرار كهذا، ولذا فإنه «لا حل سحريا في الوقت الحاضر» لموضوع مذكرة التوقيف.

وبالمقابل تقول المصادر العربية إن المجلس لن يستطيع إصدار قرار جديد يتضمن عقوبات اقتصادية على السودان، أو يقيم منطقة حظر جوي فوق دارفور، «لأن بكين وموسكو لن تسمحا بذلك». لذا فإن الوضع «مجمد من غير أن يعني غياب هامش التحرك الدبلوماسي»، وهو ما تسعى الجامعة العربية والدوحة والقاهرة لاستغلاله، ولذا فإن باريس وغيرها من العواصم تراقب تطور الوضع الداخلي والدولي على السواء، ولا تعرف من أين سيأتي الحل الذي «لن يكون قريبا بأي حال».