واشنطن مستاءة من انفتاح لندن على حزب الله.. ومسؤول بريطاني يؤكد لـ«الشرق الأوسط»: قرارنا مستقل

الخارجية البريطانية تنفي تعيين مبعوث خاص وتعلن أنه جرى اتصال ببعض مسؤولي الحزب عبر سفارتها

مؤيدون لحزب الله يستمعون إلى خطاب للشيخ حسن نصر الله من خلال شاشة كبيرة بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في جنوب لبنان أمس (أ.ب)
TT

بعد أسبوع من إعلان بريطانيا، أنها ستبدأ محادثات على مستوى غير رفيع مع الجناح السياسي لحزب الله في لبنان، بدأت واشنطن تبدي استياءها من القرار البريطاني، على الرغم من تحفظها على انتقاده في البداية. وقال مسؤول أميركي في واشنطن أول أمس، في لقاء مع مجموعة من الصحافيين، أن الولايات المتحدة «محتارة» من قرار بريطانيا، بدء محادثات مع حزب الله، وأنها غير مرتاحة لهذا القرار، وأضاف أن لندن لم تبلغ الإدارة الأميركية الحالية بالأمر، بل كانت قد بلغت الإدارة السابقة بنيتها.

كما أبدى المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه، تعجبه من تمييز بريطانيا بين الجناح العسكري لحزب الله وجناحه السياسي، ودعاها إلى توضيح الفارق بينهما، وقال: «نحن لا نرى فرقا في القيادة الموحدة التي يرونها هم». وقال مسؤول في الخارجية الأميركية، في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»، إن بريطانيا والولايات المتحدة «كلاهما يعرفان المشكلة التي يتسبب بها حزب الله للبنان والمنطقة، ولكن بريطانيا قررت أن تعتمد مقاربة مختلفة». وأكد أن موقف واشنطن من أن حزب الله منظمة إرهابية لا يزال هو نفسه، وقال: «لن نتواصل مع أي عضو في أي جناح من حزب الله، إلا عندما يسلم الحزب سلاحه وينبذ العنف». وأضاف: «الولايات المتحدة لا تميز بين جناح عسكري وثقافي وسياسي لحزب الله، وقرارنا، بتفادي هذا التمييز، مبني على مراجعة دقيقة لكل المعلومات المتاحة، التي تشير إلى أن مختلف الأجنحة ومتفرعات الحزب تتشارك تمويلا موحدا، وأفرادا موحدين، وقيادة موحدة، وكلها تدعم أعمال الحزب العنيفة».

ويعترف البريطانيون بوجود «اختلاف في وجهات النظر» مع الأميركيين، في مقاربة ملف حزب الله، وقال باري ماتسون، الناطق باسم الخارجية البريطانية لـ«الشرق الأوسط»: إن «اعتماد مواقف مختلفة هو أمر طبيعي»، وأضاف: «نحن لدينا استقلالية فيما يتعلق باتخاذ القرارات». ويؤكد ماتسون، أن قرار الحكومة البريطانية لم يأت فجأة، ولا ردا على انفتاح واشنطن على سورية، وأن لندن أبلغت واشنطن به عندما تم اتخاذه، وقال: «ناقشنا قرارنا مع الأميركيين في مرحلة مبكرة عندما اتخذ هذا القرار، وهو أيضا أمر ناقشناه خلال الأسابيع القليلة الماضية». وبدا ماتسون واثقا من أن هذا الاختلاف في التعاطي مع الملف اللبناني، لن يتسبب بأزمة بين الحكومتين البريطانية والأميركية، وقال: «المسؤولون الأميركيون أبلغونا أنهم يتفهمون الأسباب التي تدفعنا لفعل ما نفعله». ونفى أن تكون إدارة الرئيس السابق بوش أقرب إلى الحكومة البريطانية، وقال: «بدأنا بداية جيدة جدا مع أوباما، و(رئيس الوزراء البريطاني، غوردن براون)، كان من أوائل القادة الذين زاروا واشنطن، وقضى وقتا لا بأس به بمناقشة وجهات نظرنا المشتركة حول هذه الأمور مع الرئيس أوباما».

وشدد ماتسون، أكثر من مرة على أن هذه الخطوة لا تشكل تغييرا كبيرا في السياسة البريطانية تجاه حزب الله، لأنها ستتم على «مستوى نواب من الحزب وممثلين له مرتبطين بالجناح السياسي والثقافي لحزب الله، وليس لديهم ارتباطات معروفة بالنشاطات العسكرية».

وعلى الرغم من أنه لم يعط إجابة واضحة على التوضيح، الذي طلبه المسؤول الأميركي حول الفارق بين الجناح العسكري والثقافي والسياسي لدى الحزب، إلا أنه شدد على أن بريطانيا ملتزمة بعدم الحوار مع العسكريين في حزب الله، وأنها ستبدأ بمحادثاتها، لكي ترى إذا ما كانت ستثمر، وقال: «قرارنا بحظر الجناح العسكري لحزب الله منذ عدة أشهر، كان مبنيا بشكل أساسي على نشاطات حزب الله خارج الحدود اللبنانية، وتحديدا في جنوب العراق، عبر دعم بعض الميليشيات العراقية، الذين كانوا مرتبطين بتنفيذ اعتداءات على جيوش بريطانية أو عراقية». وأضاف: «نحن نحظر الجناح العسكري لحزب الله، ولكن الجناح السياسي لم يتم حظره بشكل واضح، وهذا ما يمكننا من الحوار معهم».

وأشار إلى أن لدى الأميركيين «رؤيتهم الخاصة»، ولكن «ما يهمنا هو أن نتأكد من أن ما نفعله يفهم تماما، ولا يؤخذ خارج سياقه». ويذكر بأنه لغاية عام 2005، «كانت الحكومة البريطانية تتحدث بشكل رسمي مع حزب الله، ولكن الاتصالات توقفت، لأننا لم نر أنها أثمرت بشكل إيجابي»، ولكنه أضاف أن «الأوضاع تغيرت اليوم بشكل إيجابي، ولذلك نحن نعيد النظر في الأمر مجددا». ويشرح أن القرار بإعادة بدء حوار مع الحزب «تم بناء على ضوء عدد من التغيرات الإيجابية، التي حصلت داخل لبنان، على ضوء اتفاق الدوحة، وتأليف حكومة وحدة وطنية، والتقدم في مسألة المحكمة الدولية». وأشار إلى أن أولويات بريطانيا «هي التأكد من أن هذه التطورات الإيجابية تستمر، وسنستعمل علاقاتنا بالأطراف الأساسية لتأمين ذلك». وأعلن ماتسون، أن الاتصال بحزب الله يتم عبر السفارة البريطانية في بيروت، ونفى أن تكون بريطانيا قد عينت مبعوثا خاصا للحوار مع حزب الله، وقال: «المحادثات الآن تجري عبر سفارتنا في بيروت، ليس لدي مبعوث خاص، فهذا ليس تغييرا كبيرا، إنها مجرد محادثات، وهذا النوع من المحادثات تجري عادة عبر السفارات». وأعلن أيضا أنه «حصل اتصال أو اثنان مع مسؤولين في حزب الله على مستوى مسؤولين غير بارزين». وأضاف ردا على سؤال حول ما إذا كانت بريطانيا تخطط للقاء الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، أو نائبه نعيم قاسم، أو أي من قادته الدينيين: «ليست هناك خطوات محددة في هذا الاتجاه، ليس هناك برنامج أو جدول زمني لهذه اللقاءات. أكثر من أي شيء، الأمر يتعلق بالظهور في المناسبات نفسها معا».

أما عن المسؤول عن التواصل مع بريطانيا من جانب حزب الله، فقد قال الناطق باسم الحزب إبراهيم الموسوي، لـ«الشرق الأوسط»، إن الملف مع مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب نواف الموسوي. وقد تعذر الاتصال بالموسوي أمس. ما تريد بريطانيا تحقيقه من خلال هذا الانفتاح، يقول ماتسون، «هو إرسال رسالة واضحة لحزب الله لما نأمل أن نراه في لبنان، وتحديدا خطوات باتجاه الاندماج بالعملية السياسية، والابتعاد عن اعتماد السلاح كحل داخلي أو خارجي، ودعم الحكومة من خلال العمل ضمن مؤسسات الدولة». وأشار إلى أن الأمر يتعلق «بدعم عملية بدأت أصلا، وهي الابتعاد عن الانقسام السياسي في لبنان، الذي شهدناه في السنوات الماضية، باتجاه المصالحة الوطنية البناءة والحوار حول الموضوعات المشتركة».

واعتبر ماتسون أيضا أن خطوة واشنطن الانفتاح على سورية، هي خطوة ايجابية، وذكر بأن وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند، زار دمشق منذ 6 أشهر «كجزء من عملية تمتين علاقتنا مع الحكومة السورية، لأننا شعرنا أن هناك مجالا أكثر للتوصل إلى تفاهم مشترك حول نظرتنا للشرق الأوسط، خصوصا من خلال المحادثات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل حول السلام، واتخاذ سورية موقفا إيجابيا من عملية السلام في العراق ودعم الاستقرار، وأهمية الدعم السوري لديمقراطية لبنان».

وعلى الرغم من إصرار بريطانيا على حصول تغيرات في السياسة الداخلية اللبنانية، هي التي دفعتها لتغيير موقفها من حزب الله، إلا أن واشنطن لا تفرق بين الجناحين العسكري والسياسي لحزب الله، وقد اشترطت قبل أيام أن يعترف حزب الله، وحماس، بإسرائيل لبدء حوار معهما. ولكن حزب الله علق على الأمر، وقال الموسوي لـ«الشرق الأوسط»: «إن يقبلوا أو لا يقبلوا بالحوار معنا فهذا شأنهم، نحن لا نطالبهم بالحوار معنا، السؤال المطروح من قبلنا ليس الاعتراف بإسرائيل لكي تبدأ واشنطن حوارا معنا، فليعترفوا هم بأن هناك شعبا فلسطينيا له حقوق مغتصبة، وأن هناك أرضا محتلة، ولعشبها الحق في تحريرها وإعادة اللاجئين، هناك أمور كثيرة في المنطقة يجب الحديث عنها قبل ذلك». ولكن الموسوي، لا يبدو مرحبا جدا بأحد الأهداف التي وضعتها بريطانيا لنفسها من خلال الحوار، وهو التأكد من أن حزب الله لن يستعمل سلاحه في الداخل أو الخارج، خارج سلطة الدولة. وقال: «موضوع المنظومة الدفاعية هو أمر داخلي يدرسه اللبنانيون، وهم يناقشونه على طاولة الحوار الوطني». وعلى الرغم من أن حزب الله يعتبر قرار بريطانيا «خطوة بالاتجاه الصحيح»، ويؤكد أنه يرحب بأي خطوة تصب في هذا الاتجاه، إلا أنه ينظر إليها بحذر. وفي حين تقول بريطانيا إنها خطوة لجس النبض، وأنها تريد أن ترى ما إذا كانت ستثمر، فإن حزب الله يقول: «لننتظر ونرى كيف ستترجم عمليا».