«السيد لا».. مسؤول عن تطبيق القواعد الأخلاقية في البيت الأبيض

يصدر توصيات في الموظفين وينصح بتعيين أشخاص ويشرح سبب ضرورة رفض آخرين

نورم ايزن خلال أحد اجتماعاته بمجموعة من موظفي البيت الأبيض (ريكي كاريوتي ـ واشنطن بوست)
TT

كان نورم إيسن قد عاد للتو من زيارته المستعجلة الرابعة للبيت الأبيض في الساعات الثلاث الماضية، عندما علا صوت جهاز البلاكبيري الخاص به مرة أخرى. فتح بريده الإلكتروني بانزعاج، ووجد على رأس القائمة ما كان يتوقعه: رسالة أخرى من أحد المستشارين البارزين للرئيس الأميركي باراك أوباما، مكتوبة باللون الأحمر، وفيها الكثير من علامات التعجب مثل «بحاجة إلى مساعدتك! هل باستطاعتك الحضور... بسرعة؟» قال إيسن وهو يجذب معطفه: «هذا هو عملي. ظرف طارئ تلو الآخر». يعمل إيسن كمستشار أخلاقي للبيت الأبيض، أي أنه المسؤول عن المحافظة على نزاهة أوباما. ويتم استدعاؤه عندما يكون لدى الإدارة الجديدة سؤال بشأن قواعد وتشريعات الأخلاقيات الحكومية التي توجد في أكثر من ألف صفحة. ماذا تفعل إذا أردت أن توظف أحد الأعضاء السابقين في جماعة ضغط (لوبي)؟ من الأفضل الاتصال بنورم. وماذا تفعل إذا رغبت بإطلاع أعضاء المجلس الوزراء على السياسات الأخلاقية لأوباما؟ اتصل بنورم. وماذا تفعل إذا ما رغبت بقبول هدية عيد ميلاد من عميل سابق؟ اتصل بنورم.

ولأن الإدارة الجديدة تمتلئ بموظفين جدد ويحدوهم التوتر، يتم الاستعانة بإيسن من مكتبه الكائن في مبني إيزنهاور التنفيذي، ما بين 15 إلى 20 مرة في اليوم. وغالبا ما يقوم بتقديم أخبار غير سارة إلى بعض الأفراد الأكثر أهمية في البيت الأبيض، وعلى الرغم من أن منصبه الرسمي، مستشار خاص في الأخلاقيات والإصلاح الحكومي، إلا أنه يعرف بين زملائه بلقب «السيد لا» أو «العديم المرح». ويقول الخبراء والمؤرخون، إن إيسن الذي كان زميلا لأوباما في كلية هارفارد للقانون، ساعده في واحدة من أولى مهمات عمله في صياغة أمر تنفيذ وضع أبرز الإصلاحات الأخلاقية الحكومية خلال عقود. لكن الجزء الصعب بالنسبة لإيسن كان على وشك البدء، فقد كان عليه التأكد من أن الإدارة تلتزم بمعاييرها الخاصة وقوانينها. منذ أواخر يناير (كانون الثاني)، عندما تم توظيف عدد قليل من كبار المسؤولين على الرغم المشاكل الضريبية التي يواجهونها أو علاقاتهم بجماعات الضغط، بات إيسن أكثر محورية في عملية فحص الذين سيشغلون مناصب في الإدارة. وكان يصدر توصيات حول الشخص الأجدر ومن يجب تعيينه ومن لا يجب، ليذكر إدارة أوباما بأن سمعتها دائما على المحك.

ويقول إيسن: «في بعض الأوقات تقتضي إخافة الجميع، هذا جزء من عملي وهذا ما أفعله».

ويقول الخبراء إن أوباما منح إيسن حرية العمل أكثر من أي شخص شغل منصبا مماثلا خلال عقود، برهانا على علاقتهم وتركيز الإدارة على الإصلاح الحكومي. ويعتبر إيسن جميع موظفي البيت الأبيض يعملون لديه، وأن كل شيء بالتالي يقع ضمن نطاق سلطاته، فهو يتعقب العاملين للتأكد من أنهم وقعوا على تعهداتهم الأخلاقية، ويساعد على صياغة القواعد الخاصة بإصلاح الرقابة الاقتصادية وفي صياغة السياسة وفي فحص الموظفين المرشحين لشغل مناصب في البيت الأبيض. وعادة ما يقوم إيسن بالتجوال في أروقة البيت الأبيض حاملا حقيبة تغص بأوراق العمل، وقليل من الكتب تحت ذراعه. يتميز إيسن بطوله وهزله. يرتدي نظارة سميكة وله شعر أسود مجعد. ويقول زملاؤه عنه إنه موسوعة في الأخلاق تمشي على الأرض. ويقول غريغوري كريغ، كبير مستشاري البيت الأبيض: «إنه خبير في الأخلاقيات. الجميع يحبون نورم، وأنا لا أذهب إلى أي مكان من دونه، كما أنني لا أغادر المنزل من دون الاتصال بنورم بشأن إحدى تلك القضايا».

نادرا ما يغادر إيسن مكتبه من دون عدد من اللوائح الخاصة بالأخلاقية ونسخة مهترئة من قانون التشريعات الفيدرالي. إنها مجموعة من التشريعات المعقدة. يتناول أحد فصول حظر الحصول على هدايا، ويتبعه ملحق حول الاستثناءات، التي تتبع بعدد من الاستثناءات الخاصة من هذه الاستثناءات، فهدايا جماعات الضغط غير مسموح بها ما لم تكن أقل من 20 دولارا. بعد قبوله تلك الوظيفة الأخلاقية «أحس إيسن بالراحة» لوجود قانون التشريعات الفيدرالية وهو ما يعني أنه مزق غلاف الكتاب وقطع الصفحات التي تطبق على البيت الأبيض وأبقى على الفصول التي يرغب بها، كما استخدم قلم الرصاص لوضع علامات على القوانين التي يرغب بتغييرها. لم يعد يستطيع العاملون في البيت الأبيض تلقي هدايا صغيرة أو درجات فخرية أو جوائز من جماعات الضغط. «محال، فبعض هذه الأشياء مجرد حيل». غالبية القواعد لا تشكل صعوبة في الفهم بالنسبة لإيسن فيقول: «إنك تعايشها كل يوم، وما تلبث أن تتخلل إلى حمضك النووي، لكن الآخرين في البيت الأبيض يرون التفاصيل شاملة، وقد أضاف الأمر التنفيذي الذي أصدره أوباما ثماني صفحات من التشريع إلى المكتبة السياسية الأخلاقية المعقدة التي تطبق في الدوائر الحكومية من خلال من 6.000 مسؤول أخلاقي.

بعد الانتخابات بقليل، قدم إيسن سلسلة من محاضرات باور بوينت لشرح القواعد الجديدة: محادثة استغرقت 90 دقيقة مع الرئيس، ولقاء مع السيدة الأولى، وزيارة لجميع أعضاء المجلس الوزاري، بالإضافة إلى عقد جلسات بصورة منتظمة لنحو 200 شخص، من بينهم المساعدون الكبار. ويجب على كل موظف جديد الحصول على دورة في التدريب الأخلاقي خلال التسعين يوما الأولى من عمله، ومرة واحدة على الأقل كل عام بعد ذلك. يقول إيسن: «لن تفهم القواعد كلها مرة واحدة، إنها معقدة للغاية، ومن ثم فإنك تستخدم إحساسك. كيف سيبدو ذلك على الصفحة الأولى من واشنطن بوست؟ هناك الكثير من الأفراد غير المستعدين للقول «إنني سأكسر القواعد» وهو يفضلون التدرج في المعرفة ثم يبدأون بعد التعمق فيها، ثم يدركون أنهم ربما يكونون قد أخطأوا، ولا يخبرون أحدا بذلك ومن ثم يفاجأون بأنهم في مشكلة خطيرة».

تجمع عروض إيسن مزيجا من التحذير والكوميديا، ويعتبره العاملون في البيت الأبيض ممثلا كوميديا محبطا. وقد قضى في إحدى المرات خمس دقائق خلال عرض جماعي يناقش فيها الاختلاف بين سلة مملوءة بالقريدس الضخم الحجم أو سلة من القريدس صغير الحجم، لكن أيسن ينهي كل عروضه بمناشدة جميع العاملين الاتصال به لسؤاله حتى وإن كانوا لا يحبون إجابته. ولكي يشغل إيسن هذا المنصب، فقد تخلى عن شراكته في مؤسسة زوكرمان سبيدر في واشنطن وعن جزء كبير من راتبه، لكي يعمل 16 ساعة يوميا جعلته منشغلا طوال الوقت ولا يملك الكثير من الوقت لزوجته وابنته. يقول: «أشعر في بعض الأحيان أن قرار الانضمام إلى الحكومة كان عملا مجنونا». يعد إيسن واحدا من الجيل الأول الذي ولد في أعقاب الحرب العالمية الثانية. نجا أبوه من الهولوكوست وكان يعمل كجزار دواجن. تزوج الأب وهاجر إلى ساوث سنترال لوس أنجليس لإدارة محل هامبورغر. يقول: «لدي شعور قوي بالالتزام والولاء للدولة التي ربما تكون عتيقة الطراز».

في بعض الأحيان، يضطر إيسن وأعضاء فريقه التسعة إلى تنفيذ تلك القوانين وأن يشرحوا لكبار المستشارين والوزراء لماذا لا يستطيعون تعيين أفراد معينين. كما أن عليه أن يشرح لهؤلاء الأفراد المرشحين السبب وراء منعهم من العمل في الإدارة. يقول إيسن: «يكون لدى الجميع تساؤل حول جدارة أحد أفراد جماعات الضغط على وجه التحديد بالثناء، وفي الواقع الكثير منهم جدير بالثناء. إن تلك محادثات شاقة جدا، لكن علينا الالتزام بالقواعد».

عندما اتهمت الإدارة بالتساهل في يناير (كانون الثاني)، وقدمت تنازلا لمناصر رايثيون السابق، والمرشح لمنصب نائب وزير الدفاع بيل لين، وشرحت المصاعب الضرائبية التي واجهها السيناتوران توماس داستشيل وتيموثي غيتنر، قال أعضاء في مجلس الشيوخ ومنظمات رقابية حكومية، إن أوباما فشل في تطبيق معاييره الخاصة. وقد تم رفض داستشيل بعد ذلك كمرشح، فيما تم إقرار تعيين لين وغيتنر من قبل مجلس الشيوخ بعد تقديم اعتذار علني. وقال إيسن: «لقد كانت لحظة وعي بالحقيقة». ولا تزال الإدارة ماضية في تقديم بعض التنازلات لأعضاء جماعات الضغط السابقين إذا ما كانت قدراتهم لا نظير لها، ومن بينهم سيسيليا مونوز، مديرة البيت الأبيض للعلاقات الحكومية، وجوسلين فراي، مدير السياسة للسيدة الأولى. ويقول إيسن: «بعد ذلك الأسبوع من يناير بدأنا في تجنب تقديم التنازلات قدر الإمكان». وتقول كاساندرا باتس، إحدى كبار المستشارين بالنسبة لأوباما: «لم يكن كافيا بالنسبة لنا العمل من خلال القواعد فقط، فقد كان علينا ضمان أننا نعايش روح تلك القواعد. وقد تلقى الشعب تلك الرسالة وطبقناها في صميم الإدارة ونحن نسعى إلى مضاعفة جهودنا. الأمر الذي يعني أن إيسن سيقول «لا» أكثر وأكثر.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»