اليهودية طالي فحيما تختار السكن في قرية عربية.. تجنبا لاعتداءات أبناء بلدتها

سجنت بسبب مناصرتها للفلسطينيين.. ووضع نفسها كدرع بشري ضد ممارسات قمعهم

TT

«هنا فقط شعرت بالأمان في السنوات الأخيرة»، هذا ما تقوله الشابة اليهودية طالي فحيما، التي تعيش اليوم في قرية عرعرة العربية في اسرائيل (فلسطينيي 48)، بعد ان لم تعد حياتها تطاق في مسقط رأسها في بلدة «قريات جت» في الجنوب.

وقالت فحيما ان أبناء شعبها من اليهود يضايقونها يوميا بالشتائم والاهانات فينادونها: يا خائنة ويا داعرة. و«اذهبي الى عشيقك المخرب زكريا زبيدي»، ويعتدون عليها في بعض الأحيان ويضايقون والدتها وشقيقتها، ولذلك قررت ترك البلدة والسكنى في بلدة تعرف كيف تحترم الآخر. ووجدت هذا الاحترام في بلدة عرعرة العربية. وفحيما هي شابة من عائلة يهودية شرقية. ولدت سنة 1979 في بلدة «قريات ملآخي» الواقعة على طريق بئر السبع في الجنوب. خدمت في الجيش الإسرائيلي. ومثل غالبية اليهود الشرقيين كانت من أنصار حزب الليكود اليميني المتطرف، الذي يرأسه اليوم بنيامين نتنياهو، وتشبعت بالأفكار العنصرية العدائية للعرب. ولكن قبل خمس سنوات، حصل انقلاب في تفكيرها السياسي – «لم يكن ذلك انقلابا بين يوم وليلة، بل مسار انقلابي دام عدة شهور. فأنا انسانة متمردة بطبيعتي ولا أقبل الأمور كما هي. وقع نظري ذات مرة على مقال للكاتب الصحافي جدعون ليفي (وهو متخصص في نقل معاناة الفلسطينيين الى قراء اللغة العبرية، ويكتب بنقد لاذع عن سياسة الاحتلال الاسرائيلي ضد الفلسطينيين وعن السياسة الاسرائيلية التي يعتبرها غبية عادة)، فزعزعتني أقواله. وصرت أقرأ له دائما وأقرأ للصحافي علي واكد (مراسل الشؤون الفلسطينية في الموقع الإلكتروني «واي ـ نت» التابع لصحيفة «يديعوت أحرونوت»)، وأصبح الغضب يتراكم في داخلي ضد سياسة حكومتي التي تمثل شعبي. ولم أدر كيف أتصرف. فالغالبية الساحقة من الناس لا تعرف شيئا عما تفعله الحكومة الاسرائيلية باسمنا. وعندما استمعت الى تقرير عن ممارساتنا في جنين خلال فترة الحصار، قررت أن اسافر الى هناك وأضع نفسي درعا بشريا ضد ممارسات القمع للفلسطينيين».

وسافرت الى جنين فعلا، واستقبلها الفلسطينيون هناك بالترحاب، وفي مقدمتهم زكريا زبيدي، قائد كتائب شهداء الأقصى في المدينة التابعة لحركة «فتح»، والذي حاولت قوات الاحتلال اغتياله عدة مرات وأصابته في إحداها اصابة متوسطة. وأعلنت انها ستكون درعا واقيا له إذا ألقي القبض عليه. وأثار تصرفها ردود فعل شديدة في اسرائيل وأعلنت المخابرات أنها «مطلوبة بتهمة تقديم العون للعدو». وفي فلسطين ساد التلبك في الموقف، وخشي البعض من أن تكون مبعوثة من المخابرات للايقاع بهم. ولكن زبيدي رفض هذه الشكوك وقال انه يثق بها ويعتبرها واحدة من أنصار الحق والحرية والسلام في المجتمع الاسرائيلي.

ومع تصاعد الضجة الاسرائيلية حولها، قررت تسليم نفسها للسلطات الاسرائيلية. فاعتقلت. وخلال التحقيق معها وجهت لها تهمة الانتماء الى تنظيم ارهابي معاد والمشاركة في اعداد عمليات ارهاب ضد اسرائيل والخيانة وتقديم المساعدات للعدو. ولكن التحقيق لم يسفر عن شيء، واعتقلت بأمر اعتقال اداري مثل القادة الفلسطينيين ووضعت في سجن انفرادي طيلة 6 شهور. ثم حكم عليها بالسجن ثلاث سنوات. وأطلق سراحها بعد سنتين في 2007، مع شروط تحد من تنقلها وتمنعها من السفر الى الخارج.

وخرجت طالي فحيما من السجن أقوى من السابق، تحمل أفكارا أكثر تصلبا ضد آلة الحكم الاسرائيلية وتعادي الصهيونية وتؤمن بالتسوية على أساس اقامة دولة علمانية يعيش فيها الفلسطينيون واليهود معا بديمقراطية ومساواة. وأخذت على عاتقها مهمة مناصرة الأسرى الفلسطينيين واللبنانيين في السجون الاسرائيلية. فزادت المضايقات لها في الشارع اليهودي. فانتقلت الى عرعرة. وهي تعيش اليوم من بيع الملابس في كشك داخل سوق شعبي في النهار وتدريس اللغة العبرية للتلاميذ في القرية.