المغرب قلق من النشاط الدعوي الشيعي والفهري يندد بـ «قلة الاحترام» الإيرانية

النيابة ترخص مصادرة الكتب والأقراص المبشرة بالمذهب الشيعي وباحث يقلل من وجود تغلغل

العاهل المغربي محمد السادس عند استقباله العاهل الاردني عبد الله الثاني عقب وصوله الى المغرب في زيارة رسمية أمس (أ.ب)
TT

اعرب المغرب أمس عن قلقه ازاء تنامي النشاط الشيعي على اراضيه وندد بـ «قلة احترام» ايران التي حملها وزير الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري المسؤولية الكاملة عن قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ورخصت النيابة العامة المغربية للسلطات بمختلف الأقاليم، إجراء بحث حول الكتب والأقراص المدمجة، التي تبشر بالمذهب الشيعي، ومصادرتها في اطار حملة انطلقت الايام الماضية.

وندد الوزير المغربي بالنشاطات الدعوية لبعض الجمعيات المغربية الساعية لنشر المذهب الشيعي في المغرب بدعم من ايران. وقال الفهري في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، «ان المغرب لا يمكنه ان يقبل القيام بمثل هذه النشاطات (على اراضيه) وذلك بشكل مباشر او غير مباشر عبر ما يسمى بمنظمات غير حكومية». وانتقد «المساس بأسس» المملكة الشريفية المغربية وبالـ «الرابط» المالكي وهو المذهب الاسلامي السني المعتدل السائد في المغرب. واضاف الوزير ان «المغرب ليس الوحيد الذي يشهد هذا النشاط الشيعي الذي اكتشف وجوده ايضا في افريقيا جنوب الصحراء وفي بلدان اسلامية اخرى» وحتى في اوروبا. وكان خالد الناصري المتحدث باسم الحكومة قال في الآونة الاخيرة ان قسما من الجالية المغربية في بلجيكا كان تعرض «لممارسات» ايرانية من النوع ذاته.

وجاءت تصريحات الفاسي الفهري اثر بيان شديد اللهجة لوزارته اعقب قطع العلاقات مع ايران في 6 مارس (آذار) الحالي. ونددت الخارجية المغربية في بيانها بـ «نشاطات ثابتة للسلطات الايرانية وبخاصة من طرف البعثة الدبلوماسية بالرباط تستهدف الاساءة للمقومات الدينية الجوهرية للمملكة والمس بالهوية الراسخة للشعب المغربي ووحدة عقيدته ومذهبه السني المالكي» مضيفة ان «هذه الاعمال تعد تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية للمملكة وتعارض قواعد واخلاقيات العمل الدبلوماسي». غير ان الوزير المغربي رفض ربط قطع العلاقات الدبلوماسية مع ايران بأنشطة الدعوة الشيعية المنسوبة لإيران. واوضح ان «الامور كانت قابلة للتحكم مع الابقاء على النشاط الدبلوماسي والعلاقات التجارية (بين البلدين) مع درجة معينة من اليقظة». ورسميا فإن قرار قطع العلاقات الدبلوماسية اتى اثر انتقادات اعتبرت «غير مناسبة» وجهتها ايران للدعم المغربي للبحرين.

الى ذلك قالت مصادر متطابقة لـ«الشرق الأوسط» إن الحكومة المغربية شكلت لجنة فنية، ضمت ممثلين عن وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية، ووزارة الاتصال (الاعلام)، وزارة الثقافة، وممثلين عن السلطات المحلية، قصد إجراء تفتيش شامل في كبريات المكتبات الخاصة، والخزانات العمومية الموجودة بالبلديات، والاتصال بمزوديها الرئيسيين بالجهات (المناطق)، سواء الذين يستوردون الكتب أو الاقراص المدمجة.

وأوضحت المصادر أن رجال الأمن والدرك، لم يصادروا أي كتاب من المكتبات التي أجروا فيها مسحا شاملا من خلال الاطلاع على البيانات المقدمة لهم من قبل مالكيها، لأن مهمة المصالح الأمنية، لا تكمن في مصادرة الكتب، بل في تقديم معلومات للجنة الحكومية المختصة، بعد انهاء البحث الجاري.

ولم تؤكد المصادر أو تنفي مصادرة كتب دينية شيعية، والتي دخلت الى المغرب عبر بوابة المعرض الدولي السنوي للكتاب، الذي أقيم بالدار البيضاء، في فبراير (شباط) الماضي، حيث شاركت دور نشر مختصة في الترويج للمذهب الشيعي، كما أحجمت المصادر عن تفسير مسألة بيع أنواع من تلك الكتب منذ أعوام، أمام أبواب المساجد من قبل باعة لا يفقهون في الدين، ولا يفهمون في التفسير، وهي كتب تطعن في آل البيت، وتسيء للصحابة، من قبيل كتاب «الصنمين» الذي يسيء للصحابيين، أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب. ومن جهته، قلل إدريس هاني، الباحث المغربي في علم الأديان، من وجود تغلل للمذهب الشيعي بالمغرب، مؤكدا وجود حالات فردية لا تؤثر على الأمن الروحي للمغاربة، خلافا لبعض الدول التي اضحى فيها التشيع ظاهرة تستحق الدراسة، في زمن العولمة والانفتاح الثقافي. وقال هاني لـ«الشرق الأوسط» إن القيام بإجراءات من قبيل مصادرة كتب شيعية، حق مكفول للدولة المغربية للحفاظ على الأمن الروحي كما هو الامر بالنسبة للأمن الغذائي والثقافي، وهو شيء ممكن إن كان يشكل خطرا. ونفى هاني أن يكون عرابا للمذهب الشيعي بالمغرب. وأكد هاني أن تبني المغرب لمبدأ حوار الحضارات والثقافات، يتسامى عن مثل هذه التدابير الضيقة، لأن سياسة مواصلة إصلاح الشأن الديني بالمغرب، فيما يخص المذهب المالكي، يعد عرضا مغريا لاستقطاب الاخرين من مذاهب أخرى.

الى ذلك، نوه الشيخ الداعية، عبد الباري الزمزمي (عضو مجلس النواب باسم حزب النهضة والفضيلة، المعارض، ذي المرجعية الإسلامية)، بالخطوة التي أقدم عليها المغرب والمتمثلة فيما أسماه «استئصال» الداء من خلال مصادرة الكتب والمنشورات التي تروم نشر المذهب الشيعي بين أفراد المجتمع، مضيفا أنها جاءت عقب الخطوة التي كان يتعين عليه القيام بها منذ مدة، وهي قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران.

وقال الزمزمي أمس لـ«الشرق الأوسط» إنه من غريب المفارقات أن النظام الإيراني الذي يعقد في مثل هذه الأيام من كل عام، بمناسبة ذكرى المولد النبوي مؤتمرا تحت شعار وحدة الأمة، هو النظام الوحيد الذي يسعى إلى زرع الشقاق بين الشعوب الإسلامية من خلال زرع مذهب التشيع فيها، وذلك باعتبار أن هذا الفعل يؤدي تلقائيا إلى شق صفوف الشعب الواحد، لأن اختلاف المذاهب يفضي بالضرورة إلى الشقاق والتنازع، كما هو حاصل الآن في بعض البلاد العربية.

ودعا الزمزمي الذي يعتبر من أول الداعين في المغرب إلى التصدي للمذهب الشيعي في البلاد، إلى الإقدام على مبادرة أخرى وهي الدعوة إلى الحوار مع الأفراد المغاربة الذين عرف عنهم تأثرهم بالمذهب الشيعي، من أجل تعميق وعيهم بخطورته. وفي هذا السياق، قال مصطفى بنحمزة، عضو المجلس العلمي بوجدة (شرق)، إن الكتب الرائجة عن المذهب الشيعي هي كتب دعائية واستقطابية، ولا يمكن لقارئها أن يدرك حقيقة المذهب الشيعي، لأنها لا تبرزه على نحو ما هو عليه، وإنما تركز على المظاهر التي تراها قادرة على الجذب والاستقطاب، مضيفا أن مصادرة المغرب للكتب المحملة بالفكر الشيعي تدخل في باب ضمان حماية الأمن الروحي للمواطنين.