سليمان: لا أحد في لبنان يملك وكالة حصرية بالوطنية

رفض دعوة فرنسا لمفاوضات مع إسرائيل ورحب بمؤتمر سلام وقال إن بيروت ستتسلم اسم أول سفير لسورية الاسبوع المقبل

الرئيس اللبناني، ميشال سليمان، يستمع إلى شروحات رئيس اللجنة الاقتصادية والاجتماعية في باريس، جاك درمان، لدى زيارته أمس لمقر اللجنة في باريس (رويترز)
TT

كشف الرئيس اللبناني ميشال سليمان أن سورية ستسلم السلطات اللبنانية اسم أول سفير لها في لبنان الأسبوع القادم (في أقصى تقدير). واعتبر أن التأخير الحاصل في تعيين السفير الموعود يعود إلى أسباب إدارية سورية محضة.

وأعلن سليمان خلال مؤتمر صحافي عقده في السفارة اللبنانية، في اليوم الثالث والأخير من زيارته إلى فرنسا، أنه رفض دعوة الرئيس ساركوزي للبدء بمحادثات مع إسرائيل، مباشرة أو غير مباشرة، معتبرا أن الملفات العالقة مع إسرائيل محكومة بالقرارين الدوليين 425 و1701. وفي المقابل، أبدى سليمان استعداد لبنان للمشاركة في مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط تسعى فرنسا لعقده في الأشهر القليلة المقبلة.

وتنطلق الدعوة الفرنسية، وفق المصادر الرسمية، من اعتبار أنه «يتعين على لبنان أن ينضم إلى هذه المحادثات في وقت ما للدفاع عن مصالحه، وأن لا تهمل هذه المصالح أو تضيع بسبب إصراره على البقاء بمنأى عن محادثات مباشرة أو غير مباشرة مع إسرائيل، فيما الأخيرة فاوضت أو تفاوض الفلسطينيين والسوريين». وخلال الأيام الثلاثة التي قضاها في باريس، عاد الرئيس أكثر من مرة إلى العلاقات اللبنانية ـ السورية، مشددا كل مرة على أنها «في الطريق الصحيح، وبما يخدم مصلحة البلدين». وأمس قلل من أهمية عدم تعيين سفير سوري في بيروت حتى الآن فيما عين لبنان، منذ أسابيع، سفيره في دمشق، ميشال خوري. وقال سليمان إن «المهم في العلاقات الدبلوماسية هو مرسوم إنشاء هذه العلاقات»، ورفع كل بلد علمه في البلد الآخر. وبعد أن قال في كلمة له للجالية اللبنانية عصر أول من أمس إنه «خلال شهر سيقيم السفير اللبناني في سورية والسفير السوري في السفارة السورية في بيروت»، أكد أمس أن لبنان سيتسلم اسم السفير الجديد الأسبوع المقبل، ما سيشكل المرحلة قبل الأخيرة لوصوله إلى بيروت، باعتبار أنه يتعين أن توافق الحكومة اللبنانية على اسم السفير المقترح وفق ما تقضيه الأعراف الدبلوماسية.

وحرص سليمان أمس على طمأنة اللبنانيين وتحصينهم نفسيا إزاء الاستحقاقات الرئيسية القادمة وأولها الانتخابات النيابية في شهر يونيو (حزيران) المقبل، حيث أكد أنها ستجرى في موعدها وفي يوم واحد وفي مناخ من «الديمقراطية والشفافية والهدوء». والأهم من ذلك أنه أبدى ثقة كبيرة في تصرف الأطراف اللبنانية في مرحلة ما بعد الانتخاب إذ قال إن يوم 8 يونيو (حزيران) «سيكون يوما جيدا للبنانيين الذين سيتأكدون مجددا أنهم يتمتعون بديمقراطية فريدة وسباقة في الشرق الأوسط». وأضاف سليمان: «كل التهويل الذي دار حول الانتخابات بدأ بالزوال» وهي ستجرى في أجواء ديمقراطية سليمة» وما دامت الأكثرية أو الأقلية اللتان ستخرجان من الانتخابات لبنانيون متمسكون بلبنانيتهم» فلا خوف من أي طارئ».

واستبق سليمان الانتخابات ليوجه إلى كل الأطراف رسالتين متلازمتين: الأولى تأكيده أنه يريد، بعد الانتخابات، حكومة توافقية تعكس «روح الدستور اللبناني الميثاقي» الذي يعطي المكان لكل الأطراف ولمكونات الشعب اللبناني، ما يعني أنه يستبعد حكومة من لون واحد في مرحلة ما بعد الانتخابات. وأكد سليمان أن دوره هو «السهر على الدستور وتطبيق روحية الدستور في أي حكومة مقبلة»، ما يعيدنا إلى حكومة الوفاق والمشاركة، أي بعيدا عن لعبة الأكثرية أو الأقلية العددية». أما رسالة سليمان الثانية فهي اعتماده اللعبة الديمقراطية في موضوع اعتبار البعض أنه يريد قيام كتلة وسطية أو ثالثة. وقال سليمان إن «الديمقراطية تتسع للجميع»، وإن رأيه بالكتلة الوسطية هو كرأيه في الكتل الأخرى، مضيفا أنه «يحق للجميع الترشح وطرح الخطط التي تناسب خطتهم وبرامج عملهم السياسية». ومع ذلك، أعطى سليمان شعورا أنه يريد البقاء فوق الأحزاب والمماحكات السياسية، وهو ما أبلغه للرئيس ساركوزي وفق ما نقلته مصادر القصر الرئاسي.

وفي كلمته إلى اللبنانيين، ندد سليمان بمن يسعى «لإثارة المخاوف الأمنية» لدى الناس من غير أن يشير إلى جهة معينة، مؤكدا في المقابل أن «الوضع الأمني سيكون ممسوكا بامتياز». ورفض الرئيس اللبناني استئثار البعض بشعار الوطنية التي «لا يملك أحد وكالة حصرية بها» لأنها ملك كل الشعب اللبناني، داعيا اللبنانيين إلى الخروج من «الاصطفاف السياسي والمذهبي»، وجاعلا من «تصحيح اختلال التوازن في البلد» إحدى مهمات رئيس الجمهورية.

وفي سياق طمأنة اللبنانيين، قلل الرئيس اللبناني من شأن الخلافات بشأن مذكرة التفاهم المفترض توقيعها بين لبنان والمحكمة الدولية، والتي يدور جدل واسع بشأنها، وشكلت لأجلها لجنة وزارية تقوم بدراسة مسودة المذكرة التي أعدتها وزارة العدل. وبحسب الرئيس اللبناني، فإن إنشاء المكتب الخاص للمحكمة في لبنان منصوص عليه في البند الثامن من القرار الدولي الذي أنشأ المحكمة، وبالتالي فإن البحث فيه منصبّ على «الترتيبات» العملية والإجرائية، كاشفا عن وجود دراسة قانونية لبنانية للتوصل إلى «صيغة جيدة» تتناسب مع القرار الدولي.

وأبدى الرئيس اللبناني في موضوع سلاح حزب الله كثيرا من الحذر، ملتزما مواقف متفهمة لطروحات الأخير، فهو، من جهة، رفض الحديث عن «نزع» سلاح حزب الله، مقترحا مكانها كلمة «تسليم» السلاح، «لأن المقاومة في لبنان لبنانية وقامت بدور كبير لحماية لبنان في فترة غياب الدولة عن الجنوب إثر الحرب الأهلية في لبنان. ومن جهة أخرى، ذكر بأن الموضوع مطروح في إطار طاولة الحوار الوطني اللبناني وفي «صلب استراتيجية وطنية تدافع عن لبنان». غير أن سليمان ربط تسوية وضع هذا السلاح بتنفيذ القرارات الدولية أي القرارين 425 و1701 اللذين «لم تباشر إسرائيل في تنفيذهما»، وكذلك بـ«تنفيذ المبادرة العربية للسلام»، من غير أن يفسر المقصود بهذا الربط.

وعصرا غادر سليمان باريس عائدا إلى بيروت. وقال في إطار تقديمه لمحصلة إجمالية لإقامته الباريسية إنه دعا الرئيس ساركوزي للقيام بزيارة دولة إلى لبنان مع قرينته، وأن الأخير قبل الدعوة. وحث سليمان الدول الخليجية على الاستثمار في الاقتصاد اللبناني وإبقاء العاملين اللبنانيين في أشغالهم بعد أن تسارع ترك هؤلاء المؤسسات التي يعملون فيها بسبب الأزمة.