الأسد: النفوذ الإيراني ليس سلبيا إذا ارتكز على الاحترام المتبادل

مصدر مقرب من أولمرت: إيران استخدمت حماس لتخريب مفاوضاتنا مع سورية

أحد عناصر ميليشيا الباسيج الإيرانية يمر بالقرب من دبابة عراقية مدمرة من بقايا الحرب بين البلدين في منطقة خوزستان أمس (رويترز)
TT

اعتبر الرئيس السوري بشار الأسد أن استئناف المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل عبر الوساطة التركية «أمر ممكن من حيث المبدأ»، لكنه أشار إلى أن غاية تحقيق السلام ابتعدت عن الأفق، نظراً لتحول الناخب الإسرائيلي إلى اليمين. وعبر الأسد في حديث مع صحيفة «لاريبوبليكا» الإيطالية نشر يوم أمس عن قلقه من فوز اليمين الإسرائيلي في الانتخابات الأخيرة وقال «لا تقلقني أفكار (رئيس حزب الليكود اليميني بنيامين) نتنياهو، بل الانعطاف نحو اليمين للمجتمع الإسرائيلي». ورأى الأسد في ذلك «الحاجز الأكبر أمام السلام بعد أن كنا على بعد خطوة» من تحقيقه قبل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

وأوضح الأسد «نحن السوريون لا نراهن على نوع الحكومة في إسرائيل، فخطوط مرجعية السلام واضحة أمام الكل، فهناك مؤتمر مدريد، والقرارات الدولية انطلاقاً من القرار 242 وصيغة الأرض مقابل السلام، بمعنى آخر الاستعادة الكاملة للجولان». وعقدت سورية وإسرائيل محادثات سلام مباشرة عام 2000 استضافتها الولايات المتحدة لكنهما فشلا في التوصل إلى اتفاق بشأن مستقبل مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل والتي ترغب دمشق في استعادتها. ومنذ منتصف 2008 تجري الدولتان محادثات غير مباشرة بصورة متقطعة في تركيا توقفت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بعد بدء الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة والتي خلفت نحو 1500 قتيل ونحو 5 آلاف جريح. وفيما يتعلق بمبادرة السلام العربية، قال الأسد إن هذا الموضوع سوف يناقش في قمة الدوحة العربية المزمع عقدها في الـ30 من الشهر الحالي، مشيرا إلى «احتمال تعليق هذه القضية في انتظار ظهور شريك إسرائيلي في الحوار».

وحول دور الولايات المتحدة في عملية السلام، قال الأسد إن «الدور الضامن للولايات المتحدة أساسي كونها قوة عظمى»، فضلا عن أن «وحدها واشنطن القادرة على الضغط على إسرائيل». ورأى في أميركا «اليوم عملاقا عسكريا، لكنها هشة جدا من الناحية السياسية»، لافتا إلى أن الخطوات الأولى للرئيس الأميركي باراك أوباما على طريق استعادة مصداقية الولايات المتحدة «مشجعة». وقال إن الرئيس الأميركي أوباما «أظهر أنه رجل يفي بوعوده» وذلك من خلال تحديد موعد لانسحاب القوات الأميركية من العراق وإظهار الرغبة بالسلام وإغلاق معتقل غوانتانامو، إلا أنه ومع ذلك قال الأسد مازال «من المبكر قول إن هذا تحول تاريخي، الأمر الأكيد أنه بعد ليل إدارة بوش نعود إلى الأمل الآن». وأعرب الأسد عن أمله في لقاء الرئيس الأميركي أوباما، موضحا عند سؤاله عن مقابلة أوباما «نعم من حيث المبدأ. ستكون علامة إيجابية للغاية. لكني لا أتطلع إلى فرصة لالتقاط الصور.. أريد أن أراه كي نتحدث». ويجري أوباما مراجعة للسياسة الأميركية تجاه سورية ومن بين ذلك مسألة إعادة سفير إلى دمشق. وفي وقت سابق من الشهر الجاري أوفد مبعوثين لدمشق. وقال أحد المبعوثين إنه وجد «الكثير من العوامل المشتركة» فيما اعتبر تغييرا في النبرة الأميركية تجاه دمشق بعد سنوات من الخصومة. وأردف الأسد أن الولايات المتحدة في عهد أوباما يمكن أن تضطلع بدور مهم لإحلال السلام في المنطقة. وبرغم إبداء الثقة في الأدوار الدبلوماسية المتنامية لدول مثل تركيا وفرنسا في المنطقة قال «فقط واشنطن هي التي يمكنها الضغط على إسرائيل».

وبخصوص العلاقات السورية ـ الأميركية قال الأسد إن «كل بلد يتصرف تبعا لمصالحة الوطنية، وإن أردنا إجراء حساب للمصالح السورية والأميركية، يمكنني القول إنها تتوافق حتى 80%، وأترك هامش الـ20% للأمان». وتابع «إذا نظرنا إلى شعارات بوش التي كان يرددها من دون أن يؤمن بها كالاستقرار في العراق، والحرب ضد الإرهاب، ولبنان قوي ومستقل، وعن سلام شامل في الشرق الأوسط، فنحن أيضا نرغب بالشيء ذاته ويمكننا المساهمة في هذه الملفات، فنحن نمثل قوة إقليمية والولايات المتحدة قوة دولية».

كما أكد الرئيس السوري «استعداده للقيام بدور الوسيط مع إيران» شرط تسليمه «خطة واضحة وملموسة» ليطرحها على طهران. وقال الأسد في المقابلة التي أجريت معه في دمشق «إني مستعد للقيام بدور الوسيط مع إيران» لكن من دون أن يأتي على ذكر الملف النووي الذي يشكل الموضوع الخلافي الرئيسي مع الغربيين، وذلك وفقا لما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية أمس. واستطرد «إن تحدثنا عن النفوذ الإيراني في العراق ينبغي إجراء تمييز: إن النفوذ ليس سلبيا إن كان يرتكز على الاحترام المتبادل. أما التدخل فهو أمر آخر». وتابع «وعلى العكس إن تحدثنا عن تسهيل الحوار مع طهران ينبغي طرح اقتراح ملموس على هذه الحكومة. حتى اليوم لم أتلق أي دعوة للعب أي دور. إني موافق لكن ذلك لا يكفي: ينقص خطة وقواعد وآليات واضحة لطرحها على طهران». وأضاف «وحده الحوار يمكن أن يصلح الخلافات. أي محاولة لاحتواء بلد ينتهي بها الأمر إلى تقويته. إن إيران بلد مهم أكان ذلك يعجب (البعض) أم لا». إلى ذلك، نفى مصدر إسرائيلي رسمي أن تكون المفاوضات بين رئيس الوزراء، إيهود أولمرت والأسد، وصلت إلى طريق شبه مسدود، كما ألمح الأسد لصحيفة «لاربوبليكا» الإيطالية، واتهم المصدر المقرب من أولمرت إيران بأنها استخدمت حركة حماس لتخرب هذه المفاوضات.

وكانت «الشرق الأوسط» قد نشرت بعض تفاصيل هذه المفاوضات بين إسرائيل وسورية، والتي جرت بالهاتف بين أولمرت والأسد عبر رئيس الحكومة التركي، رجب طيب أردوغان في الثاني والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) 2008.

وقال ناطق إسرائيلي من مكتب أولمرت إن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يتعهد بالانسحاب الكامل، بل قال إنه يعرف ما تريد سورية، ورد بأنه يريد بالمقابل تعهدا من الأسد بالانسحاب من «محور الشر» في إشارة إلى سوية مع إيران وحزب الله وحماس. وكان الحديث في إطار التجاوب مع المطلب الإسرائيلي بضرورة البدء بمفاوضات مباشرة بين ممثلي إسرائيل وسورية، وليس مفاوضات غير مباشرة كما جرى حتى ذلك الوقت. وان سورية كانت تنوي إرسال وزير خارجيتها، وليد المعلم، إلى تركيا للقاء أولمرت.

وأضاف الناطق أنه في تلك الليلة صعدت حركة «حماس» إطلاق الصواريخ على البلدات الإسرائيلية الجنوبية بشكل كبير، فاضطر أولمرت إلى تأجيل اللقاء والعودة فورا إلى إسرائيل. وكان لابد من الرد على القصف بعملية واسعة. ولم يستبعد هذا الناطق أن يكون تصعيد القصف الصاروخي بمثابة عملية تخريب نفذتها حماس لصالح إيران لوقف المفاوضات بين إسرائيل وسورية.

وعلى صعيد آخر، دعا وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى إنهاء «الحصار الظالم» على قطاع غزة وإلى فتح المعابر حسب ما ذكرت وكالة الأنباء السورية (سانا). وقالت الوكالة إن المعلم أكد خلال لقائه لوفد برلماني أوروبي برئاسة يورجيوس اناستوبوليس عضو البرلمان اليوناني رئيس الفرع اليوناني من الحملة الأوروبية لإنهاء حصار غزة «ضرورة إنهاء الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة وفتح جميع المعابر بحيث يسمح بتدفق الاحتياجات الطبية والإنسانية إلى القطاع». وشدد المعلم على «ضرورة تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته السياسية والأخلاقية تجاه ما قامت وتقوم به إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، مثمنا الدور الذي يضطلع به أعضاء الوفد داخل برلماناتهم لتحقيق هذا الهدف».

من جهته أعلن اناستوبوليس أن «زيارته والوفد تهدف للاطلاع على حقيقة الوضع في المنطقة بهدف إيصال الصورة الصحيحة إلى الرأي العام الأوروبي». وشددت ممثلة إيطاليا في الوفد السيناتور بينيني مونيا على «ضرورة قيام الدول الأوروبية بدور فعال وقوي لرفع الحصار الظالم والمفروض على قطاع غزة». وكان وفد أوروبي آخر يتألف من 15 برلمانيا بريطانيا وأيرلنديا واسكتلنديا ويونانيا وإيطاليا التقى السبت الماضي برئاسة النائبة البريطانية العمالية كلير شورت رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل قبل أن يلتقي القادة السوريين وعلى رأسهم الرئيس السوري بشار الأسد.