محكمة الحريري: بان كي مون يؤخر إعلان أسماء القضاة لمخاوف أمنية.. والسلطات اللبنانية لا يمكنها التدخل

مسؤول أمني لـ«الشرق الأوسط» : فرقة معززة وخاصة من 300 عنصر جاهزة لتأمين الحماية للقضاة وعائلاتهم

TT

تحولت مسألة الحماية الأمنية المفترض تأمينها للقضاة اللبنانيين الأربعة المشاركين في المحكمة الخاصة بلبنان، إلى سبب أساسي للتكتم على إعلان أسماء هؤلاء القضاة، وإعلان أي خطوات إضافية اتخذتها المحكمة منذ افتتاحها قبل 18 يوما في مدينة لايدشندام بضواحي لاهاي. ويعود قرار الكشف عن أسماء القضاة الـ11 المشاركين في المحكمة، إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي لم يعط موافقته بعد على إعلان نشر أسمائهم «لأسباب أمنية»، بحسب ما قال الناطق باسم الأمين العام فرحان حق لـ«الشرق الأوسط». وأكد وزير العدل اللبناني إبراهيم نجار أن قرار الإعلان عن أسماء القضاة «يعود قطعا وحصرا إلى الأمين العام للأمم المتحدة». وأضاف النجار في حديث لـ «الشرق الأوسط» أن اعتبارات بان كي مون التي تمنعه من نشر أسمائهم، «قد تكون أمنية وقد تكون احترازية لأسباب متعددة». وأكد أن مكتب الأمين العام للأمم المتحدة لم يبلغ السلطات اللبنانية بالأسباب التي تمنعه من إعلان أسماء القضاة، وكرر النجار «أن تأليف المحكمة متروك لتقدير الأمين العام بموجب قرارات مجلس الأمن». وإذا كان الهاجس الأمني هو الذي يمنع بان كي مون من إعطاء الإذن بإطلاق أسماء القضاة اللبنانيين، رغم أن أسماء هؤلاء القضاة باتت معروفة، فإن القوى الأمنية اللبنانية المكلفة بحماية هؤلاء القضاة الأربعة، ومساعد المدعي العام الذي لم يعين بعد، قد أصبحت جاهزة لبدء مهامها في أي لحظة، بحسب ما أكد مسؤول أمني رفيع لـ«الشرق الأوسط». وقد صوت مجلس الوزراء بالإجماع في جلسته الأخيرة الأسبوع الماضي، على الموافقة على الاتفاق الذي كان طلبه منسق المحكمة الدولية روبن فنسمت حول حماية القضاة اللبنانيين. وقال المسؤول الأمني الذي رفض الكشف عن اسمه لأنه غير مصرح له بالحديث، إنه تم تشكيل فرقة أمنية معززة وخاصة تابعة لقوى الأمن الداخلي، بتكليف من مجلس الوزراء، لتأمين حماية للقضاة. وأضاف المسؤول: «أعطينا الأمر بتشكيل المجموعة، وعناصرها يخضعون لتدريب خاص جدا، وعندما نزود بأسماء القضاة الخمسة، سنباشر بحمايتهم وحماية بيوتهم وعائلاتهم». وكشف المسؤول عن أن هذه الفرقة هي شبيهة كثيرا بفرقة أخرى خاصة تابعة لقوى الأمن الداخلي، وهي فرقة «الفهود» المعروفة بتجهيزاتها العالية وقدراتها الفنية. وفرقة «الفهود» هي التي تكلف عموما بتأمين حماية للشخصيات الرفيعة التي تزور لبنان، مثل رؤساء الدول والبعثات الخاصة، وكانت مسؤولة عن تأمين حماية المحقق الدولي دانيال بلمار وفريقه عندما كان لا يزال في لبنان. وقد تمت الاستعانة بعناصر «الفهود» في صيف عام 2007، لتنفيذ مداهمات في مدينة طرابلس، شمالي لبنان، ضد متطرفين من «فتح الإسلام» كانوا يتحصنون داخل شقق سكنية في المدينة ومزودين بأسلحة وعتاد متطور. وكانت فرقة «الفهود» الوحيدة بين الفرق التابعة لقوى الأمن الداخلي، المؤهلة لتنفيذ هكذا مداهمات بسبب التدريبات العالية المستوى التي تخضع لها. وقال المسؤول إن الفرقة التي تم تشكليها لحماية القضاة الخمسة، مؤلفة من 300 عنصر تقريبا، ومستواها سيكون بمستوى الفهود. وأشار إلى أن هذه الوحدة كانت موجودة من ضمن وحدة مكافحة الشغب، وأضاف: «لقد اقتطعنا جزءا منها وسنخضع عناصرها لتدريب شبيه بتدريب الفهود»، وأشار إلى أن مدربين تدربوا في الخارج هم الذين يدربون الفرقة في لبنان. ولغاية الآن، لا تزال هذه الفرقة الخاصة هي الوحيدة المكلفة بتأمين الحماية للقضاة اللبنانيين في لبنان الذين لن ينتقلوا بشكل دائم إلى هولندا إلا بعد الانتهاء من مرحلة ما قبل المحاكمة، وبدء الغرفة الابتدائية عملها، وهو أمر قد يستغرق أشهرا. وقال المسؤول الأمني إن هذه الفرقة كافية في الوقت الحالي لتأمين الحماية اللازمة للقضاة، وبدا واثقا من «الخبرة» التي اكتسبتها القوى الأمنية في لبنان «بتأمين الحماية لشخصيات سياسية مهددة»، ولكنه أضاف انه إذا «اضطر الأمر في وقت لاحق لتحديات أكبر، فسنستعين بخبرات للتدريب والتجهيز». وتنسق قيادة قوى الأمن الداخلي في لبنان «بصورة دائمة» مع الأمم المتحدة في خصوص الترتيبات الأمنية، كون المنظمة الدولية هي التي وضعت معايير الحماية المطلوبة من القوى الأمنية، كما أكد المسؤول الأمني. وأضاف: «لقد تحدثنا بكل التفاصيل... وننتظر تعليمات الأمم المتحدة لكي تبدأ الفرقة عملها... وهي جاهزة بأي لحظة لأن تباشر مهامها». وعلى الرغم من تأكيد المسؤول الأمني جهوزية الفرقة واستعدادها لمباشرة عملها بأي لحظة، فإن الأمين العام للأمم المتحدة يبدو انه لا يزال غير واثق من الإجراءات المتخذة. إلا أن فرحان حق، الناطق باسمه، أكد لـ«الشرق الأوسط» أن الأمم المتحدة «تثق بالسلطات الأمنية اللبنانية، ولكن نظرا لطبيعة القضية وحساسيتها... نحن نقيّم المتطلبات الأمنية للقضاة، وعندما نتوصل إلى استنتاج بأن الوقت ملائم لإعلان أسمائهم، فسنفعل ذلك». ورفض حق الإفصاح عما إذا كانت الأمم المتحدة تزود السلطات الأمنية اللبنانية بمساعدة معينة في المجال الأمني، واكتفى بالقول: «لا يمكننا إعطاء تفاصيل عن التدابير الأمنية، بسبب طبيعة الإجراءات، ولأننا نريدها أن تكون فعالة». وبانتظار أن يتوصل بان كي مون إلى أن الإجراءات الأمنية باتت كافية في لبنان لتأمين حماية القضاة، تتحضر القوى الأمنية اللبنانية لمهمة ثانية سيكون عليها تنفيذها خلال الأسابيع المقبلة، عندما تطلب المحكمة في لاهاي إلى السلطات القضائية اللبنانية نقل الملف إليها. والمهمة هي نقل الضباط الأربعة المحتجزين في لبنان في قضية اغتيال الحريري. وقد أكد النجار أن مسؤولية نقل الضباط الأربعة إلى لاهاي، في حال كانوا لا يزالون قيد الاحتجاز، وفي حال طلبت المحكمة نقلهم، تقع على القوى الأمنية اللبنانية. وينص نظام المحكمة الخاصة بلبنان على أنه بعد أن يتسلم المدعي العام منصبه في المحكمة، وهو ما حصل في الأول من الشهر الجاري، يتوجب على المحكمة أن تطلب من السلطات اللبنانية في مهلة لا تتعدى الشهرين، نقل ملف الحريري إليها، ويشمل ذلك المعتقلين على خلفية الجريمة.