أبو قتادة في رسالة من خلف القضبان: السجن نعمة تخلصت فيه من الشحوم وداء السكري

إنتاج غزير من الكتب والأشعار .. أبرزها «فن القراءة» و«في سجن بلمارش كانت لنا أيام»

ابو قتادة
TT

تلقت «الشرق الأوسط» رسالة من الاسلامي الفلسطيني، عمر بن محمود أبو عمر «أبو قتادة» المحتجز في سجن «لونج لارتن» بشمال بريطانيا المعروف بسفير بن لادن والمرشد الروحي لتنظيم «القاعدة» في أوروبا، عبر «المرصد الإسلامي» بلندن، وهو هيئة حقوقية تهتم بأخبار الأصوليين، تحدث فيها عن السنوات الثلاث التي قضاها خلف القضبان قبل اطلاق سراحه في يونيو (حزيران) الماضي، ثم إعادة اعتقاله مرة أخرى بعد ذلك بشهور وصدور قرار مجلس اللوردات بترحيله في فبراير (شباط) الماضي إلى الأردن باعتباره خطرًا على الأمن القومي في بريطانيا.

وقال أبو قتادة في رسالته:«لقد أكرمني الله بكرامات وعطايا لا أستطيع لها عداً، ولا أقدر على حمدها وأداء شكرها، كان أعظمها ما نلته في سبيله من السجن والقيد والإيذاء، ثم قد أعطيت في هذه السنوات الست من منح وهبات ما لو قضيت عمري كله في خارج السجن لم أنلها، فكانت كرامة السجن».

وأضاف:«في السنوت الثلاث الأولى أتممت حفظ كتاب الله مع تأملات طويلة فيه أعانتني على كتابة عدة كتب كان من أجملها عندي هو كتاب (فن القراءة)، وهو كتاب أردت فيه أن أنقل تجربتي في هذا الفعل العظيم القراءة، ليصل الإنسان من خلاله إلى ما سميته (القراءة الجدلية)، بثثت فيه الكثير من الرؤى والنصائح والاستنتاجات ، وقد أردت أن أجعل القراءة الدينية قراءة علمية، كما أردت أن أجعل القراءة (أي قراءة) هي قراءة دينية بمعناها الصحيح، أي أن تحقق العبودية لله». وأوضح أبو قتادة كذلك «أنهيت كتاب (لماذا انتصرنا؟) بيّنتُ في هذا الكتاب معنى النصر من خلال الله تعالى، وقرأت واقع العمل الجهادي، خصوصاً آثاره على العالم عموماً، ووصلت فيه إلى نتيجة جازمة أننا نعيش في نصر، لأن الخط البياني لأمة الإسلام في صعود، وخط الكفر في نزول وهبوط، وهذا الكتاب فيه الكثير من المناظرات».

وأفاد:«منذ اليوم الأول لسجني الأول (ثلاث سنوات) وأنا أسجل خواطري ورؤاي، وكذلك ما أراه بصرا وأذكره من مواقف على صورة (صيد الخاطر) سميته (شذرات من الفكر والحياة) ملأت في ذلك ثلاثة دفاتر». وقال:«إننا بفضل الله نرى آيات في هذه السجون، فقد رأيت في هذا الدين كيف يسلم شباب، فيتحولون إلى طلبة علم يتعلمون العربية والشريعة في شهور قليلة، مع فهم لحقيقة التوحيد يجهله من عاش مسلماً في بلاد المسلمين». وأوضح لقد تربى أولادي بعيداً عني لمدة ست سنوات لا أراهم إلا ساعة في شهر أو شهرين ومع ذلك نشأوا خيراً مما أنا بينهم في كل أبواب الحياة، فقد حفظ الكبار كتاب الله، وبعضهم أغلبه، وهم من المتفوقين في دراستهم، مع أدب وخلق متميّز يشهد بهذا أقرانهم».

وتطرق أبو قتادة إلى مفهوم «العقل»، وقال إنها من المسائل التي لها خصوصية قرآنية، حيث لم يذكر في القرآن ككائن مستقل، بل ذكر ككلمة فعل «يعقلون» فكتبت بحثاً سميته الفرق بين «العقل الشعري والعقل الجهادي»، وذلك اهتداء بما قاله تعالى في سورة الشعراء (والشعراء يتبعهم الغاوون). وسجلت في تلك الأيام ذكريات لم أتمها سميتها «وفي بلمارش كانت لنا أيام»، وكان آخر ما كتبته هناك «الأربعون الجياد لأهل التوحيد والجهاد» وهو الوحيد الذي قدّر الله تعالى له أن يصدر إلى الأخوة.

كانت الحالة التي عشتها في سجني الأول هي التي ساعدتني على هذا الإنتاج، إذ كتبت مع هذه الكتب عشرات القصائد، منها قصيدتان في رثاء الشيخ أحمد ياسين، وقصيدة في الشوق لفلسطين، وأخرى تربوية وكثير منها تعبيرية نفسية، والأخرى أسررت بها للمقصود منها وهي زوجتي، وفاءً لها على صبرها وثباتها، وكذلك تعليمها لي الكثير مما أحتاجه في محنتي. وتحدث عن مرحلة الحبس الانفرادي فقال:«كنا في تلك المرحلة مع إخواني في زنازين انفرادية نمكث فيها أكثر من ثلاث وعشرين ساعة في الليل والنهار، حيث لا يرى المرء أحداً، بل يكون خالياً متفرداً، وكان هذا السجن ثلاث سنوات بلا تهمة ولا محاكمة ولا يجوز لك كذلك أن تطلع على الأدلة التي تزعم الحكومة أنك مسجون بسببها، فقد أقر «برلمانهم» قانوناً يجيز للدولة أن تسجن أي غريب أجنبي لا يملك الجنسية البريطانية إلى أمد غير محدود بأدلة سرية». وقال سجن معي تحت هذا القانون ما يقارب عشرة إسلاميين، وكل واحد من الأخوة استغل سجنه في باب من الأبواب، وأنا مع هذه الكتب والأبحاث استطعت بفضل الله أن أتخلى عن شحوم زائدة، إذ استطعت وعن طريق الرياضة والحمية إنزال أكثر من خمسة وعشرين كيلوغراما، وقد بدت لمن لم يكن يراني وأنا أمارس الرياضة أن هذا بسبب مرضي، لكن لم تكن كذلك، بل تخلصت من مرض السكري كلياً وإلى الآن، وكذا من آلام الظهر الشديدة التي كانت تأتيني بسبب المشي، حيث صرت أركض ساعة كاملة ولمسافة أحد عشر كيلومترا». وتحدث أبو قتادة عما تدعيه الصحافة البريطانية من تأثيره على المساجين فقال «مع أني والله أقل الناس في هذا الباب، فهناك أخوة عجب من العجاب في هذا» وفي جلسة مع مسؤول السجن الأول هنا في لونغ لارتن، رد أحد الإخوان عليه بأن أبو قتادة لا يحسن الإنجليزية فكيف يؤثر عليهم؟ فرد المسؤول «هو بشكله وهيئته يملك تأثيراً على الآخرين». وأضاف:«لقد أفلت الزمام منهم، واشتد غضبهم على المسلمين، ولذلك أطلقت يد المسؤولين في السجون لوضع الإسلاميين في سجون خاصة داخل كل سجن وفي أقسام العقوبة التي امتلأت بالمسلمين، فأنت لا ترى في أماكن العقوبة في السجون شديدة الحراسة إلا وأكثرها من المسلمين». وقال «لقد وضعتُ خاصةً في درجة أمنية عالية، حيث لا أستطيع أن أتصل بعائلتي إلا إذا حجزت هذا الاتصال قبل أسبوع، وأنقّل كل شهر من مكان لآخر، وأفتش كل شهر مرتين تفتيشاً خاصاً ومن وحدة خاصة في السجن، وهناك محنٌ شديدة حيث التفتيش الشديد والتعرية الكاملة».

ويختم أبو قتادة رسالته بقوله:«كنت أتمنى أن أفصِّل أحوال إخوانكم في السجون واحداً واحداً، لكن الحال والوقت لا يتسع، ولكن اعلموا أن الأمر أكبر من الوصف، وأن المعاني أوسع من أن تحيطها الكلمات، كنت أتمنى أن أفصّل لكم عن أسماء شباب كيف أسلموا وباعوا أنفسهم لله من أجل الشهادة والجهاد، كنت أتمنى أن أفصّل لكم عن شباب عاشوا جاهلية طويلة فلما جاء الجهاد في سبيل الله صاروا عباداً وقوّام ليل وحفظة لكتاب الله وتعلم العربية، كنت أتمنى أن أخبركم عن قلق واضطراب وحيرة المسؤولين البريطانيين مع هذه الظواهر الغريبة عليهم، حيث لا يدرون ما يفعلون بهذا الدفق الإيماني».