«خميس أسود» جديد يضرب فرنسا.. ورئيس الحكومة يستبعد اتخاذ تدابير لتهدئة الشارع

200 مسيرة شعبية ونقابية ومئات الآلاف يتظاهرون اعتراضا على السياسات الاقتصادية للسلطة

العاملون في شركة آرسال ميتال يتظاهرون في مرسيليا الفرنسية. وكانت المظاهرات اجتاحت العديد من المدن احتجاجا على السياسة الاقتصادية (إ.ب.أ)
TT

نزل الفرنسيون مجددا بمئات الآلاف إلى شوارع باريس والمدن الكبرى في أكثر من 200 مسيرة نقابية وشعبية، استكمالاً وتطويراً لمسيراتهم الاحتجاجية التي جرت في 29 يناير(كانون الثاني) الماضي. ومثل كل مرة، اندلعت حرب الأرقام بين النقابات والشرطة. وقدرت الشرطة عديد المتظاهرين بـ 1.2 مليون بينما قدرتها النقابات بـ 3 ملايين . وسار عشرات الآلاف من المتظاهرين، يتقدمهم القادة النقابيون، وسط غابات من الأعلام النقابية واليافطات المطلبية وموسيقى وأناشيد صاخبة من مركز التجمع في ساحة الجمهورية إلى ساحة التفرق (ساحة ناسيون ـ الأمة)، مرورا بساحة الباستيل وسط أجواء بعيدة عن التشنج. وجاءت المفاجأة من مرسيليا، المدينة الفرنسية الثانية، حيث قالت النقابات إن 325 ألف متظاهر ساروا في شوارعها. واعتبر أمين عام الكونفدرالية العامة للعمل برنار تيبو، القريبة من الحزب الشيوعي، أن مظاهرات أمس تفوقت على المظاهرات السابقة.

وأشار تيبو إلى أن النقابات العمالية الثمانية قدمت مطالب موحدة بخصوص العمل والدرة الشرائية والسياسات الحكومية ولذا يتعين على الحكومة أن تقبل الجلوس إلى طاولة الحوار. وندد تيبو بأرباب العمل الفرنسيين «أصحاب أعلى المرتبات في أوروبا» الذين يرفضون زيادة مرتبات العمال، مضيفا أنه«سيكون من المستحيل للحكومة أن تبقى متمسكة» بسياستها بعد الحشد الهائل من المتظاهرين.

والأبرز في الحركات الاجتماعية أمس، أنها أظهرت تعاطفا كبيرا من قبل المواطنين رغم الصعوبات العملية التي تنتج عنها. وأبرز استطلاع للرأي أن غالبية الفرنسيين يمينا ويسارا، تؤيد المضربين والمتظاهرين. واستبق رئيس الحكومة فرنسوا فيون المظاهرات بالإعلان أن الدولة « لن يكون بوسعها توفير تقديمات جديدة» غير التي سبق وأعلنت عنها في الأسابيع الماضية. ونددت المرشحة الرئاسية الاشتراكية السابقة سيغولين رويال بموقف فيون، وقالت إنها «أصيبت بالصدمة لأنه أعلن أن لا شيء سيتغير»، معتبرة انه إما «يحتقر» المتظاهرين تماما أوغير كفء أم «عنيد» أم «الثلاثة معا».

وطالت إضرابات أمس غالبية القطاعات الحكومية والخاصة وفي مقدمها قطاع التعليم بكافة مستوياته من التعليم الابتدائي وحتى الجامعي. ويطالب الأساتذة والطلاب بامتناع وزارة التعليم عن تطبيق خطتها القاضية بإلغاء 13500 وظيفة، لا بل توفيرالإمكانيات لمساعدة التلاميذ الذين يعانون من صعوبات مدرسية وإعادة النظر في خطط إصلاح البرامج. وفي المقابل، فإن القطاع الجامعي الحكومي المضرب منذ بداية فبراير (شباط) الماضي، ينادي بتأجيل إصلاح الدراسة الجامعية والشهادات، وكذلك تأجيل العمل بالخطة الجديدة لتأهيل الأساتذة الجامعيين التي يرى هؤلاء أنها لا تتناسب مع وضعهم وواقع المهنة التعليمية. وبالإضافة إلى التعليم، طالت الحركة الاحتجاجية الموظفين المحليين والبلديات وقطاعات الصحة العامة والخدمات الرديفة الطبية ـ الاجتماعية والقضاء، حيث يتركز الاحتجاج على مشاريع وزيرة العدل التي ترى فيها النقابات بابا لشد الخدمات القضائية إلى الأسفل. كما أصاب الإضراب قطاع النقل بمختلف أنواعه البري (الشركة الوطنية لسكك الحديد والنقل الجماعي ومتروالأنفاق)، والبحري والجوي بمستويات مختلفة. وتمت التعبئة حول موضوع تحسين ظروف العمل وإلغاء مئات الوظائف والارتقاء بنوعية الخدمات للمواطنين. غير أن قدرة الإزعاج لإضرابات قطاع النقل، تراجعت منذ أن دخل قانون الحد الأدنى من الخدمات حيز التطبيق، إذ يفرض على كل القطاعات، وفق مسماه، حدا أدنى من الخدمة في أوقات الذروة. ورغم ذلك، فقد حشدت محطات القطارت أفواجا متلاحقة من المسافرين الباحثين عن قطارهم، مقابل أزمات سيرعلى مداخل العاصمة وداخلها وخصوصا في محيط المسيرة الكبرى التي وفرت إدارة شرط وباريس مواكبة أمنية كبيرة لها. ولم تنج قطاعات الاتصالات والبريد والطاقة وشركتي الكهرباء والغاز الوطنيتين والوسائل الإعلامية الحكومية، من إذاعات وتلفزة، التي توقفت العديد من برامجها، إضافة إلى المسارح الحكومية ومكاتب خدمات التشغيل للعاطلين عن العمل، من الإضراب. ونزلت نسبة من العاملين فيها إلى الشوارع والساحات مع مطالب تختلف باختلاف القطاع المعني. وامتد الإضراب والتظاهر أيضا إلى القطاع الخاص، فتأثرت شركتا صناعة السيارات (رينو وبيج وسيتروين)، وشركة توتال النفطية وخصوصا قطاع التكرير فيها بعد أن قررت الشركة التي حققت أعلى نسبة أرباح بين كل الشركات الفرنسية العام الماضي (14 مليار يورو) تسريح 555 من موظفيها. كذلك تأثرت الصناعات المعدنية والصناعات الثقيلة (سان غوبان) واسمين من أقوى الأسماء العاملة في ميدان المخازن الكبرى وهما أوشان وكارفور. ولم تنج البنوك من هذه الحركة ولا شركات المعلوماتية مثل «أي بي أم»، ولا حتى العاملين في حقل الصحافة الخاصة. وتميز يوم أمس بوحدة الحركة النقابية إذ إن الإضراب والتظاهر جاء بناء على طلب مشترك من الأكثرية الساحقة للنقابات.