كرواتيا تتقرب من صربيا عدوتها القديمة.. من أجل أموال سائحيها

السياحة تشكل محور الاقتصاد وانخفاض عدد الزائرين يتسبب بنشر الذعر في البلاد

TT

في إشارة تدل على وصول الأزمة المالية العالمية إلى البحر الأدريادتيكي، بدأت كرواتيا تتقرب من أعدائها السابقين، ولأول مرة منذ أن حاصرت قوات صربيا والجبل الأسود هذه المدينة الساحلية التاريخية في عام 1991، يناشد رجال الأعمال هنا علنا السياح الصرب لمساعدتهم على إنقاذ الاقتصاد.

عندما أرسل مسؤولو السياحة من منطقتين كرواتيتين، إستريا ودالماتيا، وفدا إلى معرض تجاري مقام في صربيا في الشهر الماضي أشار كلا الجانبين، في تهكم، إلى أن حالة الركود الاقتصادي تجبر الكروات على اللجوء إلى الصرب لمساعدتهم. ويتذكر الكثيرون هنا في مرارة الحرب التي وقعت ما بين عامي 1991-1995، التي اندلعت بعد أن أعلنت كرواتيا استقلالها عن يوغسلافيا، وقتل فيها ما يزيد على 10 آلاف كرواتي وصربي وفر مئات الآلاف من منازلهم.

لكن يقول غوران ستروك، مالك سلسلة فنادق فخمة في دوبروفنيك، إن الوقت قد حان لتنحية الصراعات القديمة جانبا. وقال: «ما فعله ميلوسيفيتش والسياسيون الصرب لا يغتفر ويجب تذكره»، مشيرا إلى سلوبودان ميلوسيفيتش، الزعيم الصربي السابق، الذي أشعلت نزعته القومية الصربية حرب البلقان التي استمرت لمدة حوالي عقد. وأضاف ستروك: «ولكن الحرب انتهت، ولا يمكننا أن نغير جيراننا. كما أن الشعب الصربي طيب، وقد حان الوقت للتواصل معهم. وأريد أن أرى سياحا من الصرب في دوبروفنيك».

ويعتبر العديد من الدول في غرب البلقان، صربيا والبوسنة ومقدونيا والجبل الأسود، من بين أفقر الدول الأوروبية وأقلها استقرارا. وبينما تعد كرواتيا أكثر ثراء من الدول الأخرى، وهي أولى الدول المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، إلا أن المنطقة ككل تظل أضعف المناطق في أوروبا. ويخشى العديد من المحللين من أن الأزمة الاقتصادية قد تنهي عقدا من التقدم السياسي والاقتصادي في المنطقة، حيث تتضاءل الصادرات والاستثمارات الخارجية. وبالفعل، تحولت صربيا إلى صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على خطة لإنقاذ، وقد يتبعها جيرانها قريبا.

وتشكل مشاكل المنطقة تحديا أمام الاتحاد الأوروبي، حيث يصارع من أجل تجنب الشقاق بين الدول الأغنى التي تتحمل التراجع الاقتصادي حتى الآن، وهؤلاء الأعضاء والمرشحون للعضوية الذين يواجهون ضغوطا حادة على قطاعاتهم المصرفية وعملاتهم. وفي كرواتيا، تقول الحكومة إن الاقتصاد سينكمش بنسبة 2 في المائة في العام الحالي، وإن نسبة البطالة ارتفعت إلى 14.5 في المائة في نهاية شهر يناير (كانون الثاني). ويجب على كرواتيا أن تسدد حوالي 6.1 مليار يورو، أو ما يعادل 8 مليارات دولار تقريبا، من الديون الخارجية خلال الفترة المتبقية من عام 2009، وقد بدأت الاستثمارات الأجنبية والائتمان في التراجع. ويزداد الذعر من أن السياحة، وهي محور الاقتصاد، حيث تحقق 20 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، قد تضعف الاقتصاد وتسبب انهياره. وعلى الرغم من أن بعض رجال الأعمال يقولون إن السياحة ستصمد أمام هذا التراجع الاقتصادي، لأنها تحت حماية القيود الموضوعة على الاستثمار الأجنبي، إلا أن آخرين يعتقدون أنها أكثر عرضة للخطر، لأن المصرف المركزي الكرواتي، الذي يعاني من ارتفاع مفرط في معدل التضخم بسبب أعوام الحرب، ربط سعر العملة المحلية، الكونا، باليورو، في الوقت الذي انخفضت فيه أسعار عملات أخرى في المنطقة. وقد قللت عملة الكونا القوية من القوة الشرائية للزوار القادمين من جمهورية التشيك والمجر وبريطانيا وروسيا.

وهنا في دوبروفنيك، المدينة الجميلة المحاطة بسور وتعود إلى القرون الوسطى، وهي مهد صناعة السياحة في البلاد، يقول كبار رجال الأعمال إنهم يشعرون بالألم بالفعل. وهم يحاولون جذب السياح الصرب بشدة، حتى على الرغم من استمرار توتر العلاقات السياسية بين كرواتيا وصربيا. وما زال لا توجد رحلات طيران مباشرة ما بين عاصمتي الدولتين، ويقول السياح الصرب الذين يسافرون إلى كرواتيا بالسيارات التي تحمل لوحات معدنية ذات ترخيص من صربيا، إنهم غالبا ما يقودون في الليل حتى لا يرصدهم أحد. وأعلنت الشرطة أيضا عن وقوع حوادث عشوائية من مضايقات يتعرض لها الصرب في البلاد. لكن يقول مسؤولو السياحة والمحللون السياسيون، إن اتجاه صربيا الأخير نحو الغرب، بعد انتخابات العام الماضي التي فازت فيها حكومة تحاول التقرب من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، يذيب الجليد.

وبعد الحرب، هرب الآلاف من اللاجئين الصرب من كرواتيا، وباع كثير منهم منازلهم، لكن يقول مسؤولو السياحة، إن الصرب الذين كانوا يقضون إجازاتهم في جماعات على الساحل الكرواتي عندما كانت المنطقة ما زالت جزءا من يوغوسلافيا، بدأوا في العودة ببطء. وفي العام الماضي، جاء 90 ألف سائح صربي إلى كرواتيا.

وقال توميسلاف بوبوفيتش، مسؤول السياحة الكرواتي من شبه جزيرة إستريا في الشمال، الذي ذهب إلى معرض السياحة في الشهر الماضي في بلغراد العاصمة الصربية، إنه متفائل من أن تزيد فرصة قضاء إجازة ساحلية مريحة من أعداد السياح الصرب في الصيف الحالي بنسبة أكبر من 50 في المائة. وأضاف: «يريد الصرب أن يأتوا إلى هنا لأننا قريبون من البحر، ولدينا لغة مشتركة، كما أنها رحلة غير مكلفة بالسيارة». وعلى الرغم من الزيادة المرجوة في أعداد السياح الصرب، إلا أن الأعمال تشهد تراجعا. وقال ستروك، الذي تستثمر شركته «جي إس» للفنادق والمنتجعات، 160 مليون يورو، أو 210 ملايين دولار، في إقامة فنادق فاخرة في كرواتيا، إن المجموعة خفضت رواتب الإدارة بنسبة تصل إلى 25 في المائة. ومن أجل جذب عملاء ينفقون كثيرا، يقدم الفندق الذي يملكه ويحمل خمسة نجوم في دوبروفنيك، عروضا تشجيعية مثل إيصالات بقيمة 100 يورو في أرقى المحلات في المدينة ووجبات مخفضة في مطعم السوشي في الفندق.

وتأمل المجموعة في أن يتخلى السياح الأثرياء من الدول القريبة مثل، إيطاليا والنمسا وألمانيا، وهي الدول التي كانت على علاقات اقتصادية قوية مع كرواتيا، عن قضاء إجازات خارجية في أماكن باهظة الثمن، واختيار كرواتيا بدلا عنها. وقال ستروك: «بلا شك، سيكون هذا عاما سيئا، حيث إن الضربة الكبرى لأزمة الائتمان لم تصبنا بعد».

لكن يتوقع العديد من رجال الأعمال والاقتصاديين أن تتحمل كرواتيا الأزمة، قائلين إن تاريخها القريب من الحرب جعل شعبها يتميز بالمرونة. وبينما تقدم الأنظمة الاقتصادية في جميع أنحاء العالم خططا تحفيزية للتشجيع على الإنفاق، يقول الاقتصاديون إن شعوب دول البلقان تحتاج إلى قليل من التشجيع، وذلك لأن لديهم عقلية حياة اليوم، حيث ينفق الناس أموالهم حتى آخر بنس، وحتى لا يكون هناك بنزين في سيارتهم.

وقال لويس فرانكوبان، مدير زغريباكي نيبودر، شركة العقارات التي تمتلك أطول مبنى في العاصمة الكرواتية، إن عقلية البلاد تجمع بين لغة المتفائلين مع لغة المصرفيين. وأضاف: «سيكون الرب معنا بكل تأكيد، لأن الدولة ليست مثقلة بالأوراق المالية الخطيرة، ولا تملك مصارفها أصولا سامة».

* خدمة «نيويورك تايمز»