المعارضة تسابقت لبرهنة امتلاك العراق أسلحة الدمار.. وصدام استبعد وقوع الحرب

الجلبي لـ«الشرق الأوسط»: قانون تحرير العراق لم يكن يتحدث عن احتلال

أميركيتان تعاينان تمثالين للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في المنطقة الخضراء ببغداد أمس (أ.ب)
TT

ربما، كان الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، هو الوحيد الذي لم يكن على يقين بأن الحرب ستقع، وان القوات الأميركية ومعها قوات أكثر من ثلاثين دولة متحالفة معها ستدخل الأراضي العراقية.

هذا في الأقل ما كشفه لـ«الشرق الأوسط» الدكتور علاء بشير، الذي كان ضمن طاقم الأطباء الخاصين للرئيس العراقي آنذاك بل كان من أكثر الأطباء المقربين لصدام حسين، وكانت المرة الأخيرة التي قابله بها، اقل من شهر قبل بدء الحرب، حيث قال، «في المرة الأخيرة دخلت عليه وكان يشكو من ألم في قدمه، لم يحدد أي منها اليمنى أو اليسرى، وبعد الفحص أكدت له أن ما يشكو منه هو مسمار جلدي»، ويستطرد بشير قائلا، «كان يعكف على قراءة القرآن والكتب التاريخية، وفجأة سألني إن كنت اعتقد بأن القوات الأميركية ستشن الحرب وتدخل فعلا إلى العراق أم لا؟ فأجبته بما اعتقده بالفعل وهو أن القوات الأميركية ما جاءت إلى الحدود العراقية لتستعرض عضلاتها، فصمت فترة قصيرة يفكر ثم قال «دع إيمانك بالله كبير»، ليست هناك أي حرب، ولم يدخل أي جندي غير عراقي إلى الأراضي العراقية».

ما يعزز هذا الكلام هو أن لا الجيش العراقي، بكل تشكيلاته، حتى تلك التي كانت مقربة من صدام حسين والتي كان يطلق عليها قوات الحرس الجمهوري والأمن الخاص التي كانت بقيادة قصي النجل الأصغر لصدام حسين (قتل مع شقيقه عدي على أيدي القوات الأميركية والعراقية في مدينة الموصل في 25 يوليو(تموز) 2003، حيث كان يحتل الترتيب الثاني في قائمة المطلوبين للقوات الأميركية بعد والده)، ولا ميليشيا حزب البعث الذي كان حاكما له، والتي كانت تسمى بـ(الجيش الشعبي) والتي كانت بقيادة طه ياسين رمضان(اعدم العام الماضي بقرار من محكمة الجنائيات الخاصة بمحاكمة أركان النظام السابق)، ولا ميليشيا فدائيي صدام التي كانت بقيادة عدي النجل الأكبر لصدام حسين (احتل الترتيب الثالث في قائمة المطلوبين للقوات الأميركية بعد شقيقه قصي ووالده).

كل هذه التشكيلات القتالية لم تكن لديها أية خطة للدفاع عن العراق ولا عن المدن التي ستدخلها القوات الأميركية، وأية مقاومة كانت قد جرت فيما بعد للقوات الأميركية، كانت عشوائية وبتصرفات فردية وآنية، ذلك أن القوات الأميركية، وحسب اعترافات قادتها، كانت قد وضعت مدة ستة أشهر من المقاومة في حرب المدن، إذا ما فكرت أن تدخل إلى العاصمة بغداد، وبنت هذا الاحتمال استنادا إلى خبرة القوات العراقية في حرب المدن، خاصة في معارك مدينة المحمرة الإيرانية وغيرها من المدن الإيرانية، التي سقطت بأيدي القوات العراقية في الثمانينات، وعلى حجم القوات العراقية وقوات الجيش الشعبي وفدائيي صدام.

كما أن النظام السابق لم يضع حتى أية خطة إعلامية طارئة، مثل ماذا ستبث الإذاعة والتلفزيون العراقيان في حالة بدأت الحرب ودخلت القوات المشتركة الأراضي العراقية من تقارير أو أناشيد حماسية، بل ترك الموضوع على عاتق آخر وزير للإعلام في العراق وهو محمد سعيد الصحاف الذي كانت تصريحاته النارية غير المستندة إلى أية خطة أو معلومات تثير السخرية في نفوس المشاهدين وهو يشتم (العلوج).

في الحقيقة لم يكن احد في العراق يعرف فيما إذا كانت الحرب ستقع، أم لا، وان القوات المشتركة ستدخل الأراضي العراقية بقيادة الولايات المتحدة، ومن أية جهة سيدخلون.

كانت الحرب الفعلية قد بدأت قبل موعدها الحقيقي بكثير، وبالتحديد قبل خمس سنوات من الموعد الذي اشتعلت فيه، منذ أن وضع الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون توقيعه على قانون تحرير العراق عام 1998 بدفع من المعارضة العراقية، بل بدفع من أحمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي.

ويصف الكاتب الأميركي آرام روستون، الجلبي في كتابه،( الرجل الذي دفع أميركا إلى الحرب) الذي تساءل فيه «كيف استغل الجلبي قيمنا الأخلاقية، ومجتمعنا المفتوح، وثقتنا بأنفسنا؟»، مشيرا إلى أن الجلبي كان يعرف أن الأميركيين لا يكادون يتلذذون بشيء مثل حديث الأجانب عن حريتهم، ودعوتهم لنشرها في بلادهم. وعرف حب الأميركيين للأرقام والحقائق: «قدم لهم كل معلومة وكل رقم. وعرف كيف أن السياسيين لا يكادون يهضمون معلومة إلا ويريدون غيرها. وأن الصحافيين، حتى إذا اكتشفوا أخطاءهم، وأصلحوها، واعتذروا، لا يريدون العودة إلى الماضي».

لكن الجلبي يوضح قائلا لـ«الشرق الأوسط» قائلا، إن «قانون تحرير العراق لم يكن يتحدث عن احتلال أو تحرك جيوش أميركية وغيرها للدخول إلى الأراضي العراقية، بل القانون ينص على أن تقدم الإدارة الأميركية المساعدة والدعم للحركات والأحزاب العراقية التي كانت تعمل من اجل تحرير العراق من النظام الديكتاتوري».

لقد بني قانون تحرير العراق على أساس أن نظام صدام حسين يشكل خطرا على العراقيين وجيرانه، بسبب وجود أسلحة الدمار الشامل، وجاء في الفقرة 11، الأخيرة، من القسم الثاني من القانون «بتاريخ 14 أغسطس (آب) 1998 وقع الرئيس كلينتون القانون العام رقم 105-235 الذي يؤكد بأن العراق في وضع مخالف وغير مقبول لالتزاماته الدولية، وحث الرئيس على اتخاذ الإجراءات المناسبة ـ بموجب دستور الولايات المتحدة وقوانينها ذات العلاقة ـ لحمل العراق على تنفيذ التزاماته الدولية».

وورد في القسم الثالث من نص القانون أنه «على الولايات المتحدة أن تتبع سياسة مساعدة الساعين لإزالة النظام الذي يترأسه صدام حسين من السلطة في العراق، والتشجيع على ظهور حكومة ديمقراطية لتحل محل هذا النظام».

ويؤكد القسم السابع من القانون ( المساعدات للعراق لدى استبدال نظام صدام حسين)، ما يلي «يرتئي الكونغرس أنه لدى إزالة صدام حسين من السلطة في العراق ينبغي على الولايات المتحدة مساندة العراق إلى التحول إلى الديمقراطية، وذلك من خلال تقديم المساعدات الفورية الكبيرة إلى الشعب العراقي، ومن خلال تقديم المساعدات اللازمة للتحول إلى الديمقراطية إلى الأحزاب والحركات التي تتبنى الأهداف الديمقراطية، ومن خلال دعوة دائني العراق الأجانب إلى تدبير موقف متعدد الأطراف لمعالجة ديون العراق الخارجية التي تورط بها نظام صدام حسين».

وقد سعت بعض جهات المعارضة العراقية للتسابق والبرهنة للإدارة الأميركية أنها الجهة التي تمثل الشعب العراقي، وتستحق المساعدات التي اقرها القانون، لكن الإدارة الأميركية تفادت هذا المطب، وطلبت من المعارضة العراقية أن تتوحد كي تحصل بالتساوي على المساعدات، التي من شأنها أن تعمل على تغيير النظام العراقي أو تهيئ الشعب العراقي لهذا التغيير، فتشكلت مجموعة ما سميت وقت ذاك بـ(مجموعة السبع) والتي تألفت من: المؤتمر الوطني العراقي، حركة الوفاق الوطني، المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، الحزب الديمقراطي الكردستاني، الاتحاد الوطني الكردستاني، الحزب الشيوعي العراقي والحركة الملكية الدستورية، بالإضافة إلى بعض الشخصيات السياسية والإسلامية مثل محمد بحر العلوم ، وقد أطلق على هذا التجمع تسمية المؤتمر الوطني العراقي، على أن تكون رئاسته شهرية بالتناوب، وعقدوا اجتماعهم الأول في واشنطن برعاية وضيافة مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأميركية في عهد كلينتون.

كانت هناك أكثر من جهة عراقية معارضة تسعى لان تبرهن بأن نظام صدام حسين يمتلك بالفعل أسلحة الدمار الشامل، وهو الاحتمال، أو العذر المهم الذي تستطيع الإدارة الأميركية أن تبرهن خلاله أن نظام صدام حسين يشكل خطورة على شعبه وجيرانه والعالم.

في شتاء 2000 دعا المؤتمر الوطني العراقي الصحافيين ومراسلي الوكالات والمحطات التلفزيونية إلى مؤتمر صحافي، في مقر المؤتمر الذي كانت تقع مكاتبه في منطقة نايتس برج الراقية جدا وسط لندن، وكان الموضوع الذي شعر القائمون عليه بأنهم حققوا انجازا كبيرا، عبارة عن مؤتمر صحافي عبر دائرة تلفزيونية مع شخص في واشنطن، كان هذا الشخص عراقي لم يعرف الصحافيون اسمه أو عمره ولم يشاهدوا صورته، بل سمعوا صوته فحسب، وعرض تخطيطا بسيطا لشاحنة نقل(لوري) اعتيادية، وادعى بأنه كان مهندسا بالتصنيع العسكري وان نظام صدام خبأ بعض أسلحة الدمار الشامل في شاحنة تشبه تلك التي وضع تخطيطا لها وان هذا الشاحنة تدور في مناطق مختلفة من العراق، من غير أن يحدد نوع أو موديل أو رقم الشاحنة.

وفي الوقت الذي اعتبر فيه المؤتمر الوطني انه قدم فتح الفتوح للإعلام بهذه المعلومات السطحية غير الموثوق بها، تردد غالبية الصحافيين الذين حضروا المؤتمر الصحافي في تصديق، أو حتى إمكانية تصديق ما تم عرضه وسماعه.

بعد ذلك تبارت جهات معارضة أخرى في بث أنباء عن أن «صدام حسين خزن أسلحة الدمار الشامل في المدارس»، أو بين البيوت، أو في قاع نهر دجلة. وكان هناك متخصص في الفيزياء الذرية كان قد هرب من سجن أبو غريب قبل أن يشرع صدام حسين في بناء مفاعل تموز النووي، فراح يتحدث بإسهاب عن البرنامج النووي الذي ينجزه صدام حسين مع أن هذا المتخصص لم تكن له أية علاقة بهذا البرنامج، ولو كانت توجد له أية علاقة بهذا البرنامج وتمرد عليه، مثلما ادعى، لكان مصيره الموت على أيدي الأمن الخاص.