رحيل مفاجئ لرئيس الوزراء المغربي الأسبق عبد اللطيف الفيلالي

السياسيون أشادوا بحياده الحزبي وانتقدوا صمته الطويل

عبد اللطيف الفيلالي
TT

توفي صباح أمس بأحد المستشفيات بضاحية العاصمة الفرنسية، عبد اللطيف الفيلالي، رئيس الوزراء المغربي الأسبق، عن عمر ناهز 81 سنة، إذ هو من مواليد يوم 26 يناير (كانون الثاني) عام 1928 بمدينة فاس.

ونزل خبر رحيل الفيلالي، بشكل مفاجئ على الطبقة السياسية المغربية، إذ لم يعلن قبل وفاته عن اعتلال شديد طرأ على صحته استوجب نقله على عجل إلى المستشفى، على الرغم من أن الراحل كان يبدو في المدة الأخيرة منهكا إلى حد ما، من دون أن يخطر ببال أحد أنه كان يعاني من داء مزمن، باستثناء ما كان متداولا بين المغاربة أن وهنه راجع إلى انعكاسات الحادث المروري الذي تعرض له في العاصمة المغربية في عقد التسعينات من القرن الماضي، أصبح الفيلالي بعده يتحرك بمشقة بل إنه التجأ خلال فترة نقاهته إلى الاستعانة على المشي بعكاز.

وبوفاة الفيلالي، الذي آثر اعتزال السياسة والابتعاد عن أجوائها في بلده، مؤثرا العيش في العاصمة الفرنسية رفقة زوجته الإيطالية التي أنجب منها ابنين هما: ياسمينة وفؤاد، رجل الأعمال المغربي الذي اقترن بالأميرة للا مريم كريمة العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني وشقيقة الملك محمد السادس، حيث أنجب الزوجان طفلين هما مولا إدريس والأميرة للا سكينة، الأثيرة إلى قلب الملك الحسن الثاني والتي تستعد هذه الأيام لعقد قرانها على شاب مغربي يشتغل بدوره في القطاع الخاص. ويعد الفيلالي، أحد رجالات الدولة المغربية، وهي الصفة التي أضفاها عليه خلفه عبد الرحمن اليوسفي، حين تسلم منه مقاليد رئاسة الحكومة في ربيع 1998، محتفظا في حكومته بحقيبة الخارجية التي لم يستمر فيها طويلا فاستبدله الملك الراحل عام 1999 قبل وفاته، بمحمد بن عيسى الذي ظل في المنصب إلى غاية تشكيل حكومة جديدة إثر الانتخابات التشريعية التي جرت في خريف 2007.

ظل الفيلالي، بالنظر إلى المهام السامية التي أسندت إليه، قريبا من مصادر القرار بالقصر الملكي، لفترات تربو على أربعة عقود، تدرج خلالها في سلم المناصب الكبرى، بدءا من مدير الديوان الملكي (59/1960 ) حيث اشتغل إلى جانب الملك الراحل محمد الخامس، إلى تمثيل بلاده سفيرا في عدد من العواصم الكبرى مثل بكين ومدريد والجزائر ولندن ودول البينيلوكس، كما شغل منصب مندوب المغرب الدائم لدى الأمم المتحدة حيث أمضى هناك حوالي سنتين (من 78 إلى 1980) نقل بعدها سفيرا في لندن لكنه لم يمكث بها هي الأخرى طويلا، فقد استدعاه الملك الحسن الثاني ليكلفه مهمة أمانة سر أكاديمية المملكة المغربية، المؤسسة المحدثة التي أرادها الملك واجهة علمية ودبلوماسية، لذلك منح عضويتها لعدد من رجالات الفكر والساسة الأجانب. مثل وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر.

تعرف المغاربة إلى حد ما على الفيلالي، حين أصبح وزيرا للإعلام، من دون أن يكون كثير الظهور في وسائله، منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1983 ليضيف للوزارة بعد سنتين بالضبط حقيبة الخارجية التي عاد إليها بعد أن شغلها لفترة قصيرة بداية السبعينات من القرن الماضي. لكنه سيمكث في المنصب هذه المرة لأكثر من عقد، بحيث تعتبر فترته على رأس الدبلوماسية الأطول في تاريخ المغرب الحديث بحكوماته المتعاقبة، خاصة وقد جمع بين رئاستها ورئاسة الحكومة، الأمر الذي أثار في حينه عدة تساؤلات عن سر العلاقة بينه وبين الملك الراحل والفيلالي التي توطدت بالمصاهرة، على اعتبار أن طبعهما ومزاجهما مختلفان تماما، كما أن الفيلالي عرف بعدم استلطافه لوزير الداخلية الأسبق إدريس البصري الذي درج، مستغلا ثقة الملك الراحل فيه، على التدخل في شؤون أغلب الوزارات التي لم يجد فيها مقاومة، ظنا من الوزراء أنه يتصرف بوحي من توجيهات ملك البلاد. وأمام صمود الفيلالي، في قلعة الخارجية، ابتدع البصري أسلوبا في الالتفاف على صلاحيات الوزير الممانع، هكذا عين موظفين في وزارة الداخلية بمرتبة سفير، الأمر الذي عد سابقة غريبة أثارت امتعاضا صامتا من الفيلالي من دون أن يجهر بالرفض. واستمر النفور بين الوزيرين إلى آخر لحظة.

ومن هذا الصدد، يختلف السياسيون المغاربة في الحكم على تجربة الفيلالي، في تدبير الشأن العام، منهم من رأى فيه الكفاءة والجدارة وعمق التجربة السياسية، بينما يؤاخذه منتقدوه على وحدانيته وعزلته وميله الغريزي للابتعاد عن واجهة الأحداث ومواجهة الفاعلين التي يفرضها عليه منصبه، فقد كان قليل الكلام إلى الصحافة مؤثرا عدم التعرض للأضواء الكاشفة.

لكن منتقديه والمبرزين لإنجازاته، يتفقون على شيء واحد ذي مغزى في الحياة السياسية المغربية، فقد رفض الفيلالي طوال حياته أن ينخرط في حزب سياسي بشكل علني، بل هو أحد رؤساء الوزراء القلائل الذين اعتذروا عن تلبية رغبات الملك الحسن الثاني بهذا الخصوص، خلافا لآخرين دفعهم إلى تشكيل وتزعم أحزاب مثل أحمد عصمان والراحل المعطي بوعبيد، إضافة إلى مانع طبيعي في شخصية الفيلالي إذ لم يكن خطيبا مفوها ذا «كاريزما» تؤهله لقيادة الجماهير.

وإذا كان الفيلالي، رأس حكومة بلاده حوالي خمس سنوات وقاد الدبلوماسية المغربية في أصعب الظروف لما يربو عن عقد ونصف فإن مواطنيه لا يعرفون الكثير عن أساليب اشتغاله في المنصبين وفي تلك التي تولاها من قبل. لم يفصح الرجل عن بعض أو كل آرائه بشكل جزئي إلا بعد رحيل الملك الحسن الثاني وابتعاده عن الأجواء السياسية، حيث فاجأ الطبقة السياسية في المغرب، بإصدار مؤلف بالفرنسية اختار له عنوانا فضفاضا «المغرب والعالم العربي» قدم له وزير خارجية فرنسا الأسبق الاشتراكي، هوبير فيدرين، تضمن آراء مثيرة صادمة في بعض الأحيان، مثل قوله إنه لا وجود لشيء اسمه العالم العربي إلا في الخيال، حيث خلط الراحل بين الواقع السياسي الممثل في جمود وعجز الجامعة العربية وبين حقيقة تاريخية وثقافية لا يمكن القفز عليها واستسهال التعامل بشأنها. في ذلك الكتاب تحدث الفيلالي، كمؤرخ غير محترف، لكنه حاول أن يستعرض بإيجاز المحطات الكبرى في تاريخ بلاده القديم والحديث، من دون أن ينسى الفترة المعاصرة التي كان أحد الفاعلين فيها. لم يكشف عن أسرار كثيرة وأشياء لا يعرفها عامة الناس والمشتغلون بالسياسة، بل حرص على تقديم نفسه كرجل دولة مسؤول غير عابث بأسرار بلاده ليجني وراء كشفها شهرة ورواجا لكتابه الذي تضمن في ثناياه ما يشبه وصية سياسية من دون أن يسميها كذلك.

وفي هذا السياق، وجه الفيلالي نقدا لسياسة بلاده الداخلية في المجال الاقتصادي والاجتماعي، رغم أنه قادها، أجملها في الفشل في بعض القطاعات مثل التربية والتعليم، لكن أشد الانتقادات من وجهة نظره هي التي وجهها للأحزاب المغربية وخاصة تلك المتفرعة عن الحركة الوطنية التي اتهمها الفيلالي بما يمكن وصفه بعدم بعد النظر ولا سيما أثناء التفاوض مع إسبانيا وفرنسا قبل الاستقلال.