المالكي يتحالف مع المطلك في 4 محافظات عراقية.. والتحالف مع علاوي والصدر يلوح في الأفق

خارطة التحالفات في العراق تتجاوز الطائفية وتتجه نحو «الأيديولوجية»

أتباع رجل الدين مقتدى الصدر، يتظاهرون في حي الشعلة ببغداد احتجاجا على اعتقال قيادي في التيار الصدري أمس (أ.ب)
TT

بعد مرور 6 أسابيع على الانتخابات المحلية، يتحالف رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مع زعيم سني في العديد من المحافظات العراقية، ليبدأ ائتلافًا مع رجل دين مسلح مناهض للوجود الأميركي، الأمر الذي يشير إلى بزوغ محور جديد للقوى في العراق الذي يقف على مشارف مرحلة جديدة تظهر فيها حكومة مركزية قوية. وفي الوقت الذي تجري المفاوضات في أغلب المحافظات، ما زال عدم الثقة مترسخا بين كافة اللاعبين تقريبًا، ويمكن أن يتعثر الوصول إلى اتفاق. ولكن، تشير التطورات التي بدأت بعد انتخابات 31 يناير (كانون الثاني) إلى أن الساسة عاكفون على تكوين تحالفات، تتجاوز الحواجز الطائفية قبل الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها نهاية هذا العام، وهي الانتخابات التي من المنتظر منها أن تشكل البلاد في الوقت الذي تعد فيه الولايات المتحدة العدة للانسحاب. وقال أنور اللهيبي، المستشار السني لرئيس الوزراء نوري المالكي، الشيعي: «هناك خريطة سياسية جديدة، وأتوقع أن تكون هذه الخريطة أفضل بكثير من سابقتها». وتظهر المفاوضات والصفقات التي يتم عقدها تحولا عن السياسات التي كانت تتماشى على وجه الخصوص مع اتجاهات طائفية وعرقية، الأمر الذي أثمر شقاقا كاد يلقى بالعراق في خضم حرب أهلية في عامي 2006 و2007.

وتمثل تلك المفاوضات الجولة الأولى من لعبة كبرى يمكنها أن تحل أحجية ظلت من دون إجابة منذ سقوط صدام حسين عام 2003، ألا وهي ما هو ائتلاف المصالح الذي سيتوصل إلى صيغة مناسبة لتعزيز الحكم في العراق انطلاقًا من بغداد؟ ونظرًا لأدائه القوي في الانتخابات المحلية، بات واضحًا أن المالكي هو المرشح الأول لتشكيل هذا التحالف، ويعد هذا تقدمًا ملحوظًا للبرلماني (المالكي)، الذي كان يُنظر إليه في البداية على أنه ضعيف لدى ترشيحه في البداية مرشحًا بالإجماع لشغل منصب رئيس الوزراء قبل 3 أعوام. وتقدم تحالف المالكي (دولة القانون)، في انتخابات مجالس المحافظات مستعينا ببرنامج انتخابي، يهدف إلى فرض سيادة القانون، ليتمكن من الفوز بأغلبية مقاعد مجلس محافظة البصرة ـ ثاني أكبر المدن العراقية ـ كما بدا حزبه أنه الجبهة الأكبر التي انفردت تقريبا بمقاعد مجلس المحافظة في بغداد، بالإضافة إلى أربع محافظات أخرى في الجنوب، الذي يتمتع بغالبية شيعية. ورغم ذلك، يجب على حزبه أن يكون تحالفات في أغلب المحافظات إذا ما كان يطمح للمساعدة في تحديد من يشغل المناصب المحلية البارزة، إلى جانب المناصب الأخرى المتعلقة بالمحافظات. وأفاد صالح المطلك، السياسي العربي السني العلماني البارز، والمعروف عنه قوميته ومعارضته الصارمة للوجود الأميركي، أن مؤيديه سيتحالفون مع المالكي في أربع محافظات، ألا وهي ديالي، وصلاح الدين، وبغداد، وبابل. وأضاف المطلك أن إياد علاوي، رئيس الوزراء العراقي الأسبق، والمتزعم لقائمة انتخابات علمانية خلال الحملة الانتخابية، سينضم أيضًا إلى تلك التحالفات. ويعد هذا التقارب في المصالح مناقضًا بشدة للتحالفات الأخرى التي نجمت عقب انتخابات عام 2005، وهي الانتخابات التي قاطعها العرب السنة بصورة كبيرة. ومنحت مقاطعتهم الانتخابات الجماعات الدينية الشيعية والأكراد سلطة غير متكافئة في محافظات مثل بغداد، وديالى، ونينوى (الموصل)، والتي يقطن بها أعداد كبيرة من السنة. وفي الجنوب العراقي الذي يهيمن عليه الشيعة والغرب العراقي ذو الأغلبية السنية، التفت السلطة حول الأحزاب الزاعمة بأنها دينية، حيث قدم أعضاؤها برامجهم الانتخابية للجماهير بناء على منظمات سرية في المنفى، وشبكات سرية تعمل تحت إمرة صدام حسين، وبدعم من إيران ودول الجوار الأخرى، وأحيانًا باستخدام أسلحة رجال المليشيات. أما الآن، فيبدو أن بعض التحالفات ترتكز على مبدأ أيدلوجي، حيث انضمت الحكومة المركزية بزعامة المالكي إلى جانب المرشحين العلمانيين علاوي والمطلك في تحالف، بالإضافة إلى معارضين لمبدأ الفيدرالية التي تدعو إليها قوى شيعية لكنها منافسة للمالكي، ممن يحاربون فكرة منطقة تخضع للحكم الشيعي في الجنوب، وأحزاب كردية أخرى تسيطر على إقليم كردستان المتمتع بالاستقلال الذاتي في الشمال. جدير بالذكر أن كلاً من المالكي والمطلك اتجه إلى حشد التأييد بين الناخبين العرب والقوميين، وذلك عبر معارضتهما للمزاعم والمطالب الإقليمية الكردية، خاصة تلك المتعلقة بمدينة كركوك المتنازع عليها. وفي نفس السياق، اجتذب المطلك دعمه من العديدين ممن ما زالوا مؤيدين لحزب البعث التابع لصدام حسين في المناطق السنية، كما أنه طالما دفع إلى المصالحة بين أعضائه. ورغم السمعة التي اتسم بها كشيعي متشدد عندما وصل إلى سدة الحكم عام 2006، جدد المالكي الدعوة من جديد هذا الشهر، ففي معرض خطابه، حث العراقيين على التصالح مع البعثيين العاديين، وهم من وصفهم على أنهم «أُجبروا وأُكرهوا في وقت من الأوقات على أن يكونوا في جانب النظام السابق». وأضاف أنه قد آن الأوان «لنسيان ما حدث في الماضي». وقال المطلك إنه أخبر المالكي في اجتماع قبل شهرين ماضيين، «في وقت من الأوقات كنت تقف ضدي حيال هذه القضايا، فأجابني قائلاً‘يجب أن تكون سعيدًا أني تغيرت». وضحك المطلك مازحًا في مقابلة أُجريت معه قائلاً، في البداية «سرق رئيس الوزراء الحكومة منا، أما الآن فهو يحاول سرقة الخطاب السياسي منا». وأردف المطلك أن المالكي اقترح تحالفًا للانتخابات البرلمانية أيضًا، إلا أنه قال: «ما زلنا ندرس هذه الرسالة». وقال فايد الشمري، قيادي في حزب الدعوة، بزعامة المالكي في النجف، والذي سيعمل في المجلس المحلي هناك، أنه يتنبأ بتكوين تحالف كبير للانتخابات البرلمانية المزمع عقدها في شهر ديسمبر (كانون الأول)، والتي ستضم المالكي مع القادة السنة البارزين، وعناصر الصحوة، الحركة السنية المدعومة من الولايات المتحدة والتي تحولت ضد التمرد، بل وربما ستضم أيضا الزعيم الديني مقتدى الصدر. واللافت للنظر هنا، أن هذا التحالف لن يضم منافسي المالكي من الشيعة والأكراد. وظهرت بوادر هذا التحالف في محافظة واسط، حيث تردد أن مؤيدي المالكي قد انضموا مع قائمة علاوي وأتباع الصدر. وأوضح الشمري رغم تشككه في إمكانية صمود هذا التحالف أمام الصراعات الشديدة التي تتسم بها طبيعة دولة العراق، خاصة سلطتها فيما يتعلق بالمحافظات قائلاً: «هناك احتمالية كبرى للقيام بهذا (في إشارة إلى التحالف)، فمع حدوث أي تحالف تكون لديك الرغبة في استمراره. ومع ذلك، لا يتفق دائمًا الطموح مع الواقع». من جانبه، يعتقد المطلك أن تتنافس ثلاث جماعات رئيسة على انتخابات شهر ديسمبر (كانون الأول): موضحًا أنها ستتمثل في القائمة التي يقودها هو، والقائمة الثانية يقودها تحالف المالكي، والثالثة تضم الأكراد والأحزاب الدينية، سواء كانت المجلس الإسلامي الأعلى الشيعي بالعراق، أو الحزب الإسلامي العراقي تحت قيادة السنة. وأوضح رضا جواد تقي، القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي، أنه قد ظهر مثالاً للتجمع الثالث في محافظة ديالى، إذ وافق المجلس الأعلى على التحالف مع الحزب الإسلامي. وأشار المطلك ـ وهو مهندس زراعي كون ثروة في عهد صدام حسين، وأحيانًا ما يتم التحدث عن أنه مرشح لرئاسة العراق ـ إلى أن أي تحالف قومي مستقبلي مع المالكي سيعتمد على التعاون في المجالس المحلية. وقال «سنرى إن كان المالكي سيتصرف كشريك حقيقي أم انه سيعزل الآخرين؟».

وأشار المطلك إلى انه ما زال متشككا، وقال «لا نعتقد أن المالكي سيتصرف بطريقة ديمقراطية، نحن قلقون من انه سيستجمع القوة بطريقة ديكتاتورية».

*خدمة واشنطن بوست خاص بـ«الشرق الأوسط»