بنغلاديش.. نعمة ونقمة المياه

من أكثر البلاد تضررا من التغير المناخي والطمي أفضل وسيلة لمنع الفيضانات

TT

تتسبب الأنهار التي تجري من جبال الهيمالايا، في مد سنوي يجلب الخير والشر معا. تغمر مياه الأنهار حقول الأرز القريبة من منسوب المياه لعدة أشهر، وفي بعض الأحيان لسنوات، في لحظة واحدة. كما أنها تقوم بنقل تلال من الطمي والرمال من منبع النهر البعيد. وتجرف معظم هذه المواد المترسبة إلى خليج البنغال، لكن ربما يتضمن اكتشاف بالصدفة، توصل إليه المواطنون المعدمون الذين يعيشون في الدلتا في هذه المنطقة، وسيلة تمكن بنغلاديش، وهي من أكثر البلاد عرضة لمخاطر التغير المناخي، من تسخير بعض من طمي جبال الهيمالايا الغني الداكن لحماية البلاد من ارتفاع منسوب المياه. بدأت بنغلاديش في نقل الطمي، وهو نوع من الحجارة الرملية، إلى الأماكن التي تكون بحاجة إليه، بدلا من تركه ليتسرب، حيث يريد، ويستخدم لملء مناطق ضحلة داخل الأماكن المعرضة للفيضان أو لتكوين أراض جديدة بعيدا عن ساحلها الطويل المكشوف. وحتى الآن، تقتصر هذه الجهود على مساحات تجريبية صغيرة، لا تحقق جميعها نتائج مبشرة، وما زالت هناك مخاوف كثيرة من أن ارتفاع منسوب المياه في يوم ما قريب، سوف يبتلع أجزاء من بنغلاديش، لكن الأدلة تشير، إلى أن البلاد التي يرى الكثيرون أنه يتعذر الدفاع عنها أمام ويلات التغير المناخي الذي تسببت فيه اليد البشرية، يمكن أن تنهض وأن تنقذ شعبها، وأنه يمكنها القيام بذلك بطريقة غير مكلفة وبسيطة باستخدام ما تجلبه الجبال وعمليات المد. تقول بيا إم تن توستشر، السفيرة الهولندية لدى بنغلاديش: «يمكنك القيام بالكثير باستخدام الطمي الذي تجلبه هذه الأنهار». وتقدم هولندا، التي اعتادت على التعامل مع أراضيها المنخفضة المعرضة للمخاطر، يد العون لبنغلاديش في مشروعات إدارة المياه. وتضيف السفيرة الهولندية:«إنها مثل أحجار ألماس صغير الحجم».

وتظهر الصور التي تم التقاطها باستخدام الأقمار الصناعية، أنه خلال عمليات التعرية والتراكم، التي تسرع من وتيرتها في بعض المناطق سلسلة من السدود والقنوات الصناعية، حصلت بنغلاديش على أراض على مدى الأعوام الخمسة والثلاثين الأخيرة. ويقول المشككون إنه من السفه أن نتوقع أن تراكم الطمي سوف يساعد على إنقاذ البلاد، ويشيرون إلى أن هذا التراكم يحدث ببطء على مدى قرون، في الوقت الذي يندفع فيه التغير المناخي بسرعة صوب بنغلاديش. الأراضي الجديدة موحلة بدرجة كبيرة مما يجعل من الصعب على الناس أن يعيشوا عليها آمنين، كما أن أنهار الهيمالايا من القوة بحيث أنها يمكنها أن تجرف معها الأراضي التي يتحصل عليها حديثا. ويقول عتيق رحمن، من مركز بنغلاديش للدراسات المتقدمة: «إذا كان لديك وقت للانتظار، فإنه سوف يحدث»، لكنه يضيف أن بلاده لا وقت لديها للانتظار. وقد أثمرت التجربة هنا في بيل بهاينا، وهي منطقة تصل مساحتها إلى 600 فدان، وهي قريبة من مستوى منسوب المياه تقع على ضفاف نهر هاري على بعد 55 ميلا أعلى النهر من خليج البنغال، مكاسب غير نهائية، لكنها مكاسب ملموسة. يتسع النهر كل يوم مع عمليات المد. وتمثل الملوحة المتزايدة في جدول المياه مؤشرا على خطر مستقبلي. وقد كان الوضع البائس طريقا للاكتشاف. ترك فيضان مدمر قبل 10 أعوام هذه المنطقة مغمورة بالمياه التي كانت أعلى من ارتفاع «عبد اللطيف». لم يكن من الممكن أن تنمو أي حقول أرز، هكذا قال عبد اللطيف، الذي يبلغ من العمر 56 عاما، مسترجعا ما حدث. غمرت المياه المنازل. وعانت الكثير من العائلات من فقر مدقع. وفي إحدى الليالي، بينما كان عبد اللطيف وجيرانه يكابدون من أجل نزح المياه، قاموا بثقب فجوة في سد من الطمي أحاط المنطقة. وكانوا يراقبون المياه وهي تندفع للخارج. وبعد ذلك، بدأ المد المرتفع في جذب المواد المترسبة، وسريعا امتلأت المنطقة بالطمي. وعندما جاء المهندس الأبرز في مجلس المياه المحلي، شيخ نور العلا، لقياسها، رأى أنه خلال أربعة أعوام كانت بيل بهاينا قد ارتفعت بما يصل إلى ثلاثة أقدام أو أكثر بالقرب من ضفة النهر، وكان الارتفاع أكبر في المناطق البعيدة عن النهر. وفي الوقت الحالي، المنطقة عبارة عن طبقة من رقع مربعة من الأرز، تقاطعها برك لتربية السمك والجمبري. ويتدفق النهر بحرية أكبر في الوقت الحالي. ويحصل عبد اللطيف على حصاد سنوي من الأرز، السلعة الأساسية في بنغلاديش، بالإضافة إلى تربية الجمبري، الذي يدر الكثير من المال.

* خدمة «نيويورك تايمز»