أوباما يدعو إيران لبداية جديدة وحوار نزيه.. وطهران ترحب بحذر وتدعو واشنطن للاعتراف بأخطاء الماضي

وجه لها رسالة تهنئة في مناسبة عيد النوروز ونصحها بالتخلي عن الإرهاب لاستعادة مكانها الصحيح بين الدول

الرئيس الأميركي وهو يوجه رسالته للإيرانيين أمس وتبدو الترجمة الفارسية في أسفل الشاشة (إ.ب.أ)
TT

وجه الرئيس الأميركي باراك أوباما دعوة تاريخية مباشرة إلى الشعب الإيراني أمس، حثهم فيها على إنهاء عقود من العداء، وعرض إجراء حوار «نزيه» مع الجمهورية الإسلامية. ورحبت طهران بالعرض الأميركي، إلا أنها ذكرت أيضا أن كل ما قدمته إدارة أوباما لغاية الآن «هو الكلام»، ودعت واشنطن للاعتراف بـ«أخطاء الماضي» وإصلاحها، كما طالبتها بإعادة النظر في العقوبات المفروضة عليها.

وقال الرئيس الأميركي في الخطاب المسجل على شريط فيديو، بمناسبة السنة الإيرانية الجديدة، النوروز: «هناك خلافات خطيرة ازدادت مع مرور الوقت، ولكن إدارتي ملتزمة الآن ممارسة دبلوماسية تعالج كافة المشاكل التي نواجهها والسعي لإقامة علاقات بناءة بين الولايات المتحدة وإيران والأسرة الدولية». وأضاف: «هذه العملية لن تتقدم بالتهديد. نسعى بدلا من ذلك إلى حوار نزيه وقائم على الاحترام المتبادل». وخالف أوباما ما كان يقوم به الرؤساء الأميركيون السابقون الذين اعتادوا في هذه المناسبة ـ ومنذ قيام الثورة في إيران التي أطاحت بحكم الشاه قبل ثلاثة عقود ـ تهنئة الشعب الإيراني بالعيد، وكيل الانتقادات ضد قيادته. وقال أوباما إنه يريد «التحدث بوضوح إلى القادة الإيرانيين». وأضاف مخاطبا القادة الإيرانيين: «لديكم فرصة، الولايات المتحدة تريد أن تأخذ الجمهورية الإسلامية الإيرانية مكانها الطبيعي في مجتمع الأمم». وأضاف متوجها للإيرانيين: «أنتم أيضا أمامكم خيار. الولايات المتحدة تريد أن تأخذ جمهورية إيران الإسلامية مكانها الصحيح بين الدول. أنتم تملكون هذا الحق، لكنه يأتي بمسؤوليات حقيقية ولا يمكن شغل هذه المكانة بالإرهاب ولا بالأسلحة بل بالتحركات السلمية التي تبرهن على العظمة الحقيقية للشعب والحضارة الإيرانية. مقياس هذه العظمة لا يتجسد في القدرة على التدمير، بل في قدرتكم على البناء والإبداع». وتابع أوباما في الرسالة التي بثثت باللغة الفارسية في الإذاعة الإسرائيلية، وهي تبث بهذه اللغة وتتوجه للإيرانيين: «على مدى ثلاثة عقود كانت العلاقات بين بلادنا متوترة. لكن في هذه المناسبة نذكر العناصر الإنسانية المشتركة التي تجمع بيننا. ستحتفلون بالتأكيد بالعام الجديد بالطريقة نفسها التي يحتفل فيها الأميركيون بأعيادهم.. بالتجمع مع الأصدقاء والعائلة، وتبادل الهدايا والحكايات والتطلع إلى المستقبل بروح متجددة من الأمل».

وأضاف: «لذلك وبمناسبة عامكم الجديد، أريدكم يا شعب وقادة إيران أن تفهموا المستقبل الذي نسعى إليه. إنه مستقبل الاتصالات المتجددة بين شعبينا والفرص الأكبر للشراكة والتجارة. إنه مستقبل يتم فيه التغلب على الانقسامات، وفيه تعيشون ويعيش جيرانكم والعالم الأوسع بأمن وسلام أكبر». وقال إن هذا الأمر لا يمكن التوصل إليه بسهولة لأن «هناك من يصرون على أن تميزنا في خلافاتنا». وختم رسالته قائلا: «مع بدء موسم جديد، يذكرنا ذلك بهذه الإنسانية الغالية التي نشترك فيها جميعا. ونستطيع مرة أخرى استرجاع هذه الروح في سعينا لتحقيق وعد البداية الجديدة».

ووجه الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس بدوره رسالة تهنئة إلى الشعب الإيراني بمناسبة عيد النوروز، واستهل بيريس الرسالة بالقول: «باسم الشعب اليهودي العريق أتوجه إلى الشعب الإيراني الأصيل، مهنئا ومباركا». وقال بيريس إن «العلاقات بين اليهود والفرس كانت طول الوقت متينة وجميلة سادها التعاون والعطاء المشترك للبشرية في العلم والطب والثقافة، وظلت كذلك أيضا في العصر الحديث. ولكنها تعيش مرحلة حضيض اليوم بسبب القيادة الحالية الإيرانية التي تسيء ليس فقط لإسرائيل وللجيران وللعالم، بل تسيء للشعب الإيراني نفسه». وأضاف: «على الرغم من أن إيران دولة نفط غنية، فإن الشعب يعاني من البطالة والفقر والكبت». وأعرب بيريس عن ثقته بأن الشعب في إيران سيغير هذه القيادة في القريب لينتخب قيادة أفضل تعرف مصلحة أهل البلاد.

ورحبت إيران بأقوى عرض يقدمه أوباما حتى الآن، لكنها دعت إلى أفعال وليس أقوال من جانب واشنطن. وقال علي أكبر جوانفكر مساعد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، لوكالة «رويترز»: «أظهرت الأمة الإيرانية أن بمقدورها نسيان السلوك المتسرع، لكننا ننتظر خطوات عملية من جانب الولايات المتحدة». وأضاف: «ما قدمته إدارة أوباما حتى الآن هو الكلام»، داعيا أوباما إلى القيام «بتغييرات جذرية في سياسته تجاه إيران». وفي رد فعل سريع بشكل غير معتاد على مبادرة أوباما، قال جوانفكر مساعد أحمدي نجاد: «نرحب باهتمام الحكومة الأميركية بتسوية الخلافات»، لكنه أضاف: «ينبغي أن تدرك الحكومة الأميركية أخطاءها السابقة وأن تبذل جهودا لتصحيحها.. يمكن لأميركا أن تمد يد الصداقة إلينا من خلال التغيير الجذري لسلوكها. العقوبات غير المحدودة التي لا تزال قائمة التي جددتها الولايات المتحدة هي خطأ وينبغي مراجعتها». وأشار جوانفكر أيضا بشكل خاص إلى الدعم الأميركي لإسرائيل قائلا: «دعم إسرائيل ليس إشارة ودودة». وقال الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي إن القوى العالمية اقتنعت بأنه لا يمكنها وقف تقدم إيران النووي، لكنه لم يتطرق إلى رسالة أوباما. وأثنى خامنئي على تجارب أجريت الشهر الماضي لتشغيل أول مفاعل إيراني للطاقة النووية في «بوشهر» جنوب البلاد ووصفها بأنها تطور هام. وقال الزعيم الأعلى الذي يملك القول الفصل بشأن جميع أمور الدولة «هذه نتائج تقدم علمائنا.. التي أقنعت العالم بأكمله بأنه لا يمكن اعتراض سبيل التقدم النووي الإيراني». وفي خطاب مسجل منفصل بمناسبة العام الإيراني الجديد، قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إن القوى العالمية وصلت إلى «طريق مسدود»، لكنه لم يتطرق كذلك إلى عرض أوباما.

وجاء ذلك في وقت أعلن فيه وزير الطاقة الإيراني برويز فتاح، أن إيران «ستستكمل وتشغل» مفاعل بوشهر النووي بنهاية العام في إطار البرنامج النووي الإيراني الذي أكد أنه سلمي. وردا على سؤال حول رسالة أوباما إلى الزعماء الإيرانيين، قال فتاح إن «إيران اختارت طريق الحصول على طاقة نووية سلمية. وقد حققنا هذا الهدف». وأضاف في مؤتمر صحافي: «بعد 20 يوما بالضبط من الآن سنقيم احتفالا آخر حيث سنحتفل بالإنجازات التي حققناها للحصول على طاقة نووية سلمية. وستسمعون هذه الأخبار». وأضاف: «إيران ستنتهي وتشغل مفاعل بوشهر بنهاية هذا العام».

وفي واشنطن، أولت وزارة الخارجية الأميركية اهتماما استثنائيا بالرسالة التي وجهها أوباما إلى الإيرانيين. وحرصت الوزارة على توزيع التسجيل الكامل على المراسلين قبل بثها، بيد أن المصادر الأميركية تجنبت الإدلاء بأية تعليقات حول ردود الفعل التي أثارتها الرسالة في طهران. وقالت شبكات التلفزيون الأميركية أمس إن أوباما وفريقه الذي يضع السياسة الخارجية، يتحينون الفرص الآن من أجل دفع إيران إلى الانخراط في المجتمع الدولي وتخفيف حدة التوتر بين واشنطن وطهران التي بلغت أقصى درجاتها خلال حكم الرئيس السابق جورج بوش. ونسبت إلى مصادر في البيت الأبيض قولها إن الولايات المتحدة لديها خلافات كبيرة مع إيران، خاصة حول التهديدات النووية التي توجهها طهران لدول المنطقة، لكنهم أشاروا إلى أن رسالة أوباما طريقة للحديث مباشرة مع الإيرانيين عن التزامات الولايات المتحدة للعمل مع إيران. وقالت هذه المصادر إن الرسالة محاولة للوصول مباشرة إلى الشعب الإيراني، كما أنها إشارة تجاه القيادة الإيرانية، وأن أوباما يشجع دبلوماسية مباشرة مع الإيرانيين. وأعلن البيت الأبيض أن نسخة من الرسالة مع ترجمتها الفارسية ستسلم إلى بعض المحطات المنتقاة في المنطقة، لكن دون توضيح ما إذا كان ذلك سيشمل قنوات إيرانية، خاصة أنه لا توجد أية علاقات دبلوماسية بين طهران وواشنطن على أي مستوى في الوقت الراهن. وتوجد شركة في واشنطن تتعاون مع «قناة العالم» الإيرانية حيث تنتج برامج باللغتين الإنجليزية والعربية لصالح هذه القناة.

وقال البيت الأبيض أيضا إن شريط الفيديو باللغتين الإنجليزية والفارسية سيكون متاحا على شبكة الإنترنت. واستغرقت الرسالة ثلاث دقائق و 36 ثانية، وختمها أوباما بعبارة تهنئة بالفارسية. يشار إلى أن كل رئيس أميركي دأب على توجيه رسالة إلى الشعب الإيراني في عيد النوروز.