السباق نحو الحرب (2) مؤتمر لندن كان آخر لقاء للمعارضة قبل الغزو.. وصدام وصف المشاركين بـ«معارضة 5 نجوم»

«المجلس الأعلى» نادى بـ«مظلومية الشيعة».. والأكراد بالفيدرالية.. و«الدعوة» الوحيد الذي لم يحضر

قادة المعارضة العراقية يتصدرون واجهة مؤتمر لندن (أرشيف «الشرق الأوسط»)
TT

نشطت قوى المعارضة العراقية، التي توحدت فيما يعرف بمجموعة السبعة، تحت خيمة المؤتمر الوطني العراقي إعلامياً، بسبب الدعم المالي الذي تلقته من الإدارة الأميركية تنفيذاً لقانون تحرير العراق، حيث صار للمؤتمر الوطني بث تلفزيوني، وتم دعم صحيفة «المؤتمر»، إضافة إلى بث إذاعي مدعوم من الخارجية الأميركية في براغ، وكانت هناك «إذاعة المستقبل» و«صحيفة بغداد» التابعتان لحركة الوفاق الوطني العراقي برئاسة إياد علاوي، يضاف إلى كل هذا الإعلام الكردي المسموع والمرئي والمكتوب في كردستان العراق.

صاحب هذا النشاط الإعلامي زحمة في لقاءات واجتماعات قادة الحركات والأحزاب العراقية المعارضة فيما بينها وبين مسؤولين أميركيين وبريطانيين، مرات في لندن، ومرات أخرى في واشنطن.

خلال ذلك كان الإعلام العراقي الرسمي، أو الحزبي، والناطق باسم حزب «البعث» الحاكم، يشتم المعارضة، واصفاً إياها بـ«معارضة فنادق ذات الخمسة نجوم»،و«المعارضة التي تقتات على فتات وموائد الأجنبي»، و«معارضة الدولارات الأميركية».

وبسبب التعتيم الإعلامي الذي كان يفرضه نظام صدام حسين، حيث منع وضع صحون التقاط البث الفضائي، ومنع الإنترنت، إضافة إلى تشويش المحطات الإذاعية المعارضة وإذاعة صوت أميركا وهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي)، فإن العراقيين كانوا بمنأى تقريباً عما يبثه إعلام المعارضة، كما أن الشعب العراقي كان منشغلا وقت ذاك بلقمة عيشه بسبب الحصار الذي فرض عليهم.

كان قادة المعارضة العراقية كلهم يتحدثون عن إمكانية تغيير نظام صدام حسين بفضل جماهيرهم التي في الداخل، وكانوا يطلبون من الإدارة الأميركية المزيد من الدعم المالي استناداً إلى قانون تحرير العراق، فقد كان أحمد الجلبي، زعيم المؤتمر الوطني العراقي، يؤكد أن جماهير وقاعدة المؤتمر واسعة في الداخل وأن إمكانيتهم للقيام بحركة تغيير واردة، أما علاوي، فأكد قائلا لـ«الشرق الأوسط» رداً على سؤال يتعلق بمحاولات حركة الوفاق الوطني لتغيير النظام من الداخل «نعم قمنا بهذه المحاولات وللأسف استشهد بعض الإخوة، ذلك لأننا لم نكن نحظى بالدعم المطلوب، لهذا أنا أعتقد أن الخلاص من نظام صدام كان مسألة أساسية، لكن استبدال نظام صدام بفوضى عارمة ما كان صحيحاً، بل كان يجب معالجة الأمور بأسلوب آخر غير الذي حصل ويحصل اليوم».

وكان المجلس الأعلى للثورة الإسلامية (تغير اسمه فيما بعد إلى المجلس الأعلى الإسلامي)، بزعامة محمد باقر الحكيم آنذاك (اغتيل في النجف بحادث تفجير عام 2003)، يتباهى بإنجازات فيلق بدر، الجناح العسكري للحزب، الذي كان ينفذ عمليات بأهوار جنوب العراق، وعملياته وقتذاك لم تتجاوز قتل جندي هنا وشرطي مسكين هناك، أو بعثي بدرجة حزبية بسيطة في قرية معزولة، في الوقت الذي كانت قد تحولت فيه أهوار جنوب العراق المتصلة جغرافياً بأهوار إيران إلى ملجأ للهاربين من الخدمة العسكرية والفارين من وجه القانون، وكان الحزب الشيوعي العراقي يفاخر بأنه يناضل من الداخل حيث كانت مقراته في كردستان العراق.

الأكراد وحدهم كانوا من حقق إنجازات كبيرة على أرض الواقع، حيث انفصلوا عن المركز خلال انتفاضة 1991، وأسسوا لهم كياناً مؤسساتياً مثل الحكومة والبرلمان، وعسكرياً بواسطة البيشمركة، وأقاموا كياناً آمناً ومستقراً سرعان ما تحول إلى معقل للمعارضة العراقية.

تركزت مساعي المعارضة العراقية والإدارتين الأميركية والبريطانية على عقد مؤتمر للمعارضة العراقية يعطي الشرعية التامة لتنفيذ كامل مواد وبنود قانون تحرير العراق، وجاء افتتاح المؤتمر في 14 ديسمبر (كانون الأول) 2002، والذي كان يفترض أن ينتهي بعد يومين من افتتاحه، 16 ديسمبر(كانون الأول) لكنه مدد ليوم آخر بسبب حجم النقاشات التي كانت تدور بين قاعات وصالات وغرف وممرات فندق هيلتون ميتروبوليتان، في منطقة الادجور رود، وسط لندن، وقد كلل انعقاد هذا المؤتمر، وهو آخر مؤتمر للمعارضة العراقية، بحضور كبير وبحماية أمنية بريطانية مميزة. حضر جميع قادة المعارضة العراقية لهذا المؤتمر، وهم: إياد علاوي زعيم الوفاق الوطني، وجلال طالباني، زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، ومسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، وأحمد الجلبي، زعيم المؤتمر الوطني العراقي، والشريف علي بن الحسين، راعي الحركة الملكية الدستورية، وممثلون عن الحزب الشيوعي العراقي، وعبد العزيز الحكيم الذي حضر ممثلا لشقيقه محمد باقر الحكيم، زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية.

كانت الجهة الوحيدة التي قاطعت مؤتمر لندن ولم تحضره هي حزب الدعوة الإسلامية الذي كان زعيمه وقتذاك إبراهيم الجعفري، الذي كان مقيماً في لندن، وقد ذهب إليه الجلبي وشخصيات سياسية كثيرة من أجل إقناعه بالحضور للمؤتمر إلا أنه رفض بشدة، ومن سخريات القدر أن يكون الجعفري هو أول من يترأس مجلس الحكم بعد تغيير النظام عام 2003، وأن يترأس حزب الدعوة حكومتين، الانتقالية برئاسة الجعفري والحالية برئاسة نوري المالكي.

كان نجم مؤتمر لندن وبلا منازع السفير زلماي خليلزاد، الذي ترأس المؤتمر بصفته ممثلا عن الإدارة الأميركية، حيث كان خليلزاد يترأس ويدير الاجتماعات العلنية وتلك السرية التي كانت تعقد في غرف الطوابق العليا المحرم وصول أي شخص إليها ما لم يكن قد حصل على موافقة مسبقة. نستطيع القول إن مصير نظام صدام حسين قد تحدد في مؤتمر لندن الذي يعد واحداً من أهم مؤتمرات المعارضة العراقية بسبب توحد المعارضة في قراراتها ونتائج المؤتمر.

لقد كانت كل جهة معارضة تعرف ماذا تريد من هذا المؤتمر، والكل كان «يبكي على ليلاه»، يقول علاوي «نحن كنا مع تغيير النظام من داخل العراق ومع قوى التغيير، وهي القوى المدنية والعسكرية وشيوخ العشائر والبعثيون، ونحن في الوفاق تبنينا مبادرة الشيخ زايد. هناك 3 أخطاء استراتيجية قاتلة اقترفتها الإدارة الأميركية، وهي تفكيك الدولة العراقية، ووضع العراق على طريق المحاصصة الطائفية والسياسية، والسكوت على تدخل دول الجوار التي قوت نفوذها، وصارت هذه الدول هي التي تتحكم بالوضع العراقي اليوم». لكن زعيم المؤتمر الوطني العراقي، الجلبي، لم يتحدث عن أية طموحات تتعلق بالسلطة، بل يوضح بقوله لـ«الشرق الأوسط» «كان همنا أن ينتهي النظام الدكتاتوري وأن تبقى الدولة العراقية. ولم يكن في حساباتنا أن تتفكك الدولة بهذه الطريقة، وأنا تصديت لهذا قبل وأثناء وبعد الحرب وحتى اليوم». ويقول الكاتب الأميركي آرام روستون، مؤلف كتاب (الرجل الذي دفع أميركا إلى الحرب) متحدثاً عن الجلبي إن «الجلبي عمل لتحقيق حلمين، الأول عزل صدام حسين، والثاني وضع نفسه مكانه»، لكن الجلبي يرد قائلا «كنا نطالب بحكم وطني، وقد اختلفنا مع الإدارة الأميركية لهذا السبب»، مستطرداً «نحن نعمل من أجل بناء العراق والإنسان العراقي، هذا أهم من أي شيء آخر، والإمام علي قال: طالب الولاية لا يولَّى». وكان هدف الأكراد واضحاً وهو تشكيل إقليم فيدرالي يسمى إقليم كردستان في المناطق التي انفصلت عن العراق على أن يضاف إليها كركوك. ففي كلمته خلال افتتاح مؤتمر لندن قال طالباني إن «دورنا ومهمتنا هي إعادة توحيد العراق شعباً وأرضاً وكياناً، وإن العراق الموحد لن يستقر إلا إذا أقيم على أساس الديمقراطية والفيدرالية ضمن وطن واحد ودولة واحدة»، ويشير الزعيم الكردي مسعود بارزاني في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن القوات الأميركية لم تقدم شيئاً للإقليم «أصلا ليس هناك وجود لقوات أميركية في الإقليم، ولم يكن لها وجود ولا تقدم لنا شيئاً».

وسعى الشريف علي إلى إعادة الحكم الملكي إلى العراق، بينما وجد الحزب الشيوعي فرصته في إعادة اسمه إلى واجهة الأحداث، لا سيما أنه أقدم حزب سياسي عراقي، وركز المجلس الأعلى على مظلومية الشيعة وأنهم الأحق في حكم العراق، كونهم الأكثرية بين العراقيين.