اصوليون: الصومال «رئة» جديدة لـ«القاعدة» والهدف ضرب الوجود الأميركي في القارة

أفريقيا في عقل بن لادن منذ ضرب السفارتين عام 1998

إسلاميون صوماليون يتدربون على إطلاق النار في معسكر أخلته القوات الإثيوبية في العاصمة مقديشو أمس (أ.ب)
TT

لن يلق نداء من تنظيم «القاعدة» بالقيام بانتفاضة إسلامية في الصومال أذنا مصغية، إذ أن تشدده الذي يتسم بالعنف ينفر المواطنين العاديين، وهناك أمل الآن في أن يستطيع الزعيم الجديد للبلاد إنهاء 18 عاما من الفوضى.

ويقول محللون إن نداء زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، الذي وجهه يوم الخميس للصوماليين للإطاحة بالرئيس الشيخ شريف أحمد، محاولة لرفع الروح المعنوية بين المقاتلين المتعاطفين مع «القاعدة» الذين يفقدون شعبيتهم بشكل متزايد وليس خطة عمل سياسية واقعية. إلا أن اصوليين في لندن قالوا لـ«الشرق الأوسط» إن «القاعدة» تريد العودة إلى أفريقيا عبر بوابة الصومال، وأشارا إلى أن الصومال «رئة» جديدة ومتنفس إلى جانب اليمن والعراق وأفغانستان. وقال الدكتور هاني السباعي مدير مركز المقريزي للدراسات بلندن، في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط» إن «القاعدة» لم تتخل عن الصومال منذ بداية التسعينات وخاضت حروبا هناك». وقال إن خطاب بن لادن الأخير الذي دعا فيه الصوماليين إلى خلع وقتال الرئيس الصومالي الشيخ شريف شيخ أحمد، سبقه شريط على مواقع الإنترنت من قيادي «القاعدة» أبو يحي الليبي. وأوضح السباعي: إن «القاعدة» خلال وجودها في السودان بداية التسعينات كانت مهتمة إلى حد بعيد بالصومال، وذهب أبو عبيدة البنشيري (علي أمين الرشيدي) صهر عبد الحميد عبد السلام، أحد قتلة الرئيس السادات، والبنشيري كان ينظَر إليه في أوساط التنظيمات الأصولية المسلحة باعتباره «أركان حرب» جيش «القاعدة»، وهو أول مسؤول عسكري لـ«القاعدة»، ذهب إلى قلب أفريقيا في مهمة استطلاعية وغرق في بحيرة «فكتوريا» شرق أفريقيا في أثناء تدريبه عددا من عناصر التنظيم على تنفيذ عمليتي تفجير السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998. ويقول السباعي إن «القاعدة» اهتمت بمنطقة القرن الأفريقي منذ التسعينات، وعلى الرغم من أن هذه المنطقة شهدت أول عملية فعلية لهذا التنظيم بعيد الإعلان عن تأسيسه عام 1998 تحت اسم «الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين»، وكانت أولى عملياته على الإطلاق هي الهجوم الانتحاري على السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام. وقال إن «القاعدة» تعتبر في أدبياتها الصومال من مفاخرها، وبيئة الصومال العشائرية والقبلية تناسب «القاعدة». وكشف أن 10 إلى 20 من جماعة شباب المجاهدين كانوا موجودين في أفغانستان مع بن لادن قبل هجمات سبتمبر، وهم الذين أسسوا النواة الأولى للحركة، على الرغم من عدم الارتباط العضوي مع «القاعدة». من جهته قال الدكتور كمال الهلباوي المتحدث الرسمي السابق باسم «الإخوان المسلمون» في الغرب لـ« الشرق الأوسط»: «إننا نريد أن نعرف شكل الحكومة التي يرها بن لادن ونائبه الظواهري في الصومال، فهما غير راضيين عن حماس وعن تنظيم الإخوان، وغير راضيين عن الرجل المعتدل شيخ شريف أحمد، هناك مرض وخلل ما، يجب أن يعالج». وأضاف أن بن لادن يعتقد أنه يريد من مخبئه أن يحكم العالم. وأوضح الهلباوي مؤسس «الرابطة الإسلامية» في بريطانيا و«المجلس الإسلامي البريطاني» أن هؤلاء مع ما يدعون إليه من جهاد، لا توجد عندهم «رؤية». وقال إنه شخصيا يتساءل: هل من الواجب ترك الصومال في أيدي العلمانيين بعد خروج القوات الإثيوبية؟. وكانت «الشرق الأوسط» نشرت ضمن مراسلات «القاعدة» السرية التي بثتها مواقع إلكترونية تابعة بشكل أو بآخر لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، رسالة من صالح عبد الواحد إلى أبي حفص «محمد عاطف» المسؤول العسكري لتنظيم بن لادن الذي قتل في قصف جوي أميركي على قندهار في نوفمبر (تشرين الأول) 2001، والرسالة مؤرخة بتاريخ ديسمبر (كانون الأول) 1993، يتحدث فيها عن استراتيجية المجاهدين في الصومال، وعن لقائه بالشيخين عبد الله سهل وحسن طاهر، من زعامات الاتحاد الإسلامي. ويقول «دارت الجلسة حول النقاط التالية: ضرورة ضرب القوات الأميركية في الصومال حتى تكون بالنسبة لهم مثل مستنقع فيتنام، وضرورة ضرب قوات الأمم المتحدة بصفة عامة. إلى ذلك ذكر خبراء أنه بينما يمثل حلفاء بن لادن المحليون تهديدا عسكريا حقيقيا، بدا أن معظم الصوماليين مقتنعون بقدر أكبر بالمعلم السابق، 42 عاما، وتحقيقه لاستقرار في المجتمع أكثر من قناعتهم برسالة الحرب التي يروج لها تنظيم «القاعدة». وقال رشيد عبدي، خبير الشؤون الصومالية بالمجموعة الدولية لمعالجة الأزمات: «ليس هناك احتمال باندلاع هذه الثورة. هذا يهدف في الأساس إلى رفع الروح المعنوية لـ«حركة الشباب». وأضاف: «يظهر البيان أن «القاعدة» لها طموح في الصومال، لكن سياسيا معظم البلاد في صف شريف أحمد». و«حركة الشباب» جماعة قوية من المقاتلين الإسلاميين المتعاطفين مع تنظيم «القاعدة» يسيطرون على أجزاء كبيرة من الأرض، وتقود إلى جانب حركات تعتنق نفس الفكر تمردا ضد الحكومة. لكن في مقابل هذا التهديد العسكري شعورا عميقا بين المواطنين الصوماليين العاديين بأن أحمد، وهو إسلامي معتدل، انتخب في محادثات استضافتها منظمة الأمم المتحدة في جيبوتي في يناير (كانون الثاني)، يعد أفضل فرصة أمام البلاد منذ سنوات لمستقبل جديد. ويرى محللون أن أحمد لديه احتمال حقيقي برأب بعض أسوأ الخلافات بين السكان البالغ عددهم عشرة ملايين نسمة، نظرا لجذوره الإسلامية، والشعور في الغرب بأنه يجب منحه الآن فرصة لمحاولة تحقيق الاستقرار للبلاد الواقعة بمنطقة القرن الأفريقي. ويقول عبدي سماطار، وهو باحث في شؤون الصومال وأستاذ الجغرافيا والدراسات العالمية بجامعة مينيسوتا إن: «بن لادن يستطيع أن يقول كل ما يشاء، لكن هذا لن يغير هذا المشهد السياسي المتعلق بـ«حركة الشباب». وأردف قائلا: «إرادة الناس هي أن يقولوا لا للحرب، وهذه عقبة كبرى أمام بن لادن». وكانت العدو الرئيسي لـ«الشباب» حتى نهاية يناير «كانون الثاني» قوة احتلال إثيوبية أرسلت إلى البلاد بموافقة أميركية ضمنية عام 2006 لسحق الأنشطة المفترضة لتنظيم «القاعدة».

ووفر وجود إثيوبيا سببا وطنيا للوجود، فهمه الكثير من الصوماليين. لكن محللين يرون أن استكمال الانسحاب الإثيوبي قضى على سند سياسي أساسي. وفيما يبدو تسعى حركة الشباب جاهدة لتظل قوة متماسكة في غيابه. والمخاطر الكبيرة التي يواجهها الرئيس الصومالي كثيرة، أبرزها المجازفة بالتعرض للاغتيال على يد حركة الشباب، التي ما زالت تتلقى تمويلا من مصادر خارجية وتحافظ على أسرارها جيدا، وهي ليست مسألة سهلة في مجتمع ثرثار يتناقل فيه الناس الأخبار بسرعة وكفاءة عالية. وحتى الآن لا يملك أحمد الكثير في طريق القوة العسكرية، إذ إن القوات الحكومية وقوة حفظ سلام أفريقية قوامها نحو 3500 فرد لا تسيطر إلا على بضع مناطق من مقديشو. كما يواجه الزعيم الجديد تحديات كبيرة تتمثل في وقف العنف، والقرصنة، وبناء العلاقات مع الإدارة الأميركية الجديدة، وإعادة بناء الطرق والموانئ، ومحاصرة قادة الميليشيات، ورجال الأعمال الجشعين الذين لهم مصلحة في تقليص سلطة الدولة. لكن التغييرات واسعة النطاق التي طرأت على المشهد السياسي في الأشهر الستة الماضية، تعني تحسن احتمالات التعامل مع هذه المهام وإنهاء الفوضى التي غذتها النزعة العشائرية على مدار الأعوام الثمانية عشر الماضية. وأكبر تطور هو وصول أحمد إلى الحكم، وهو يدعو للثقة، لأنه قاد اتحاد المحاكم الإسلامية الذي هزم قادة الميليشيات القوية في مقديشو وحقق بعض الاستقرار للعاصمة ومعظم جنوب الصومال عام 2006. وحينذاك لم يدم نجاحه طويلا، واتهم الغرب اتحاد المحاكم الإسلامية بالارتباط بصلات بجماعات إرهابية وأرسلت أثيوبيا جنودا لطرد الإسلاميين من السلطة. وفر أحمد من البلاد وأنشأ جماعة معارضة مناهضة لإثيوبيا. والآن عاد من المنفى ويحاول إعادة ترسيخ القيادة على الأرض والتواصل مع المقاتلين الإسلاميين الذين كانوا جزءا من المحاكم الإسلامية التي تزعمها. وربما تكون جذور أحمد الإسلامية المعتدلة مفيدة في تلك المهمة وفي جهود موازية لإقناع بعض الدول العربية بتوفير التمويل لإدارته. وقد قال إنه يدعم تطبيق الشريعة الإسلامية في الصومال، وهو تصريح قد يخفف من حدة المعارضة له بين الجماعات الإسلامية، على الرغم من أن رؤيته للشريعة لا تشبه الاتجاه الأكثر تشددا الذي يفضله متمردو حركة طالبان بأفغانستان. وانسحب الإثيوبيون لينهوا احتلالا، كثيرا ما نظر إليه في واشنطن على أنه جزء من الحرب ضد الإرهاب، لكنه اعتبر محليا انتهاكا صارخا للسيادة الصومالية. ويقول محللون إن المخاوف بشأن دور إثيوبيا لا تزال قائمة. ولطالما اتهمت إثيوبيا بأنها تفضل وجود حكومة صومالية ضعيفة تستطيع الهيمنة عليها. وتقول إثيوبيا إن العكس صحيح.