الرئيس السوداني يتحدى المحكمة الجنائية ويزور أسمرة لساعات

البشير وأفورقي يتفقان على تكوين «جبهة عريضة» لمجابهة «الجنائية والمنظمات المشبوهة»

الرئيس السوداني عمر البشير أثناء وصوله إلى مطار الخرطوم قادما من العاصمة الاريترية أسمرة أمس (أ.ب)
TT

تحدى الرئيس السوداني عمر البشير أمس المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرة لتوقيفه بادعاء ارتكابه جرائم حرب في إقليم دارفور، وقام بزيارة في العاصمة الإريترية أسمرة لساعات، نفت الخرطوم عنها صفة السرية، أجرى خلالها مباحثات مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي اتفقا خلالها على تكوين جبهة عريضة لمجابهة «قرارات المحكمة الجنائية الدولية والمنظمات المشبوهة». وأفشت الزيارة حالة الترقب في الخرطوم في انتظار عودته، التي حرصت وسائل الإعلام المحلية على نقلها مباشرة من مطار الخرطوم، فيما لم تقرر الحكومة السودانية بعد ما إذا كان الرئيس البشير سيشارك في القمة العربية في العاصمة القطرية الدوحة في نهاية مارس (آذار) الحالي. وقال البشير في مؤتمر صحافي مشترك عقده في أسمرة مع أفورقي، إن زيارته لإريتريا تأتي تلبية لدعوة الرئيس أفورقي لإظهار «مواقف إريتريا الداعمة للسودان، والتأكيد على أنها تقف معنا في خندق واحد»، وأضاف البشير: «إن قرار المحكمة الجنائية الدولية حبر على ورق، ولن يؤثر على حركتنا الخارجية والداخلية»، وقال إن «قرار المحكمة أظهر وحدتنا وتجاوُزنا خلافاتنا».

من جانبه، أكد أفورقي رفض حكومته لقرار المحكمة الجنائية باعتباره سياسيا ويسعى لزعزعة الأمن والاستقرار في السودان وتعقيد مشكلة دارفور، وقال إن «مشكلاتنا في القارة الإفريقية تُفرض علينا من الخارج»، وأكد قدرة القادة الأفارقة على تجاوز هذه التحديات.

وتعبر زيارة البشير إلى أسمرة التي رافقه فيها عدد من المسؤولين في حكومته، الأولى من نوعها منذ صدور قرار المحكمة الجنائية بتوقيفه في الرابع من مارس (آذار) الحالي، وفي وقت تنخرط فيه العاصمة الخرطوم في جدل بين من يؤيدون سفر البشير إلى الدوحة ومن يعترضون على سفره. ورافق البشير في الزيارة الفريق بكري حسن صالح وزير شؤون الرئاسة، والفريق أول صلاح عبد الله قوش مدير جهاز الأمن، ودينق ألور وزير الخارجية، والمستشار الصحافي للرئيس محجوب فضل.

ونفى وزير الخارجية السوداني ألور في رده على أسئلة الصحافيين في مطار الخرطوم بعد عودة البشير من أسمرة أن تكون الزيارة سرية، وقال إنها جاءت تلبية لدعوة من الرئيس الإريتري أفورقي، بعد صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف البشير، ووصف الزيارة بأنها كانت مهمة وناجحة بكل المعاني وحققت أهدافها، وأضاف أن إريتريا حكومة وشعبا لها مواقف ضد المحكمة الجنائية الدولية»، وحاولوا من خلال الزيارة أن يعبروا عن مواقفهم الرافضة للجنائية بدعوة الرئيس البشير إلى أسمرة ويعلنون له تضامنهم معه، ووصف الاستقبال في أسمرة بأنه كان «حاشدا»، واللقاء بين الرئيسين بأنه «ممتاز»، والحديث اتسم بالصراحة عبر خلاله الرئيس الإريتري عن تضامنه مع الشعب السوداني ضد المحكمة الجنائية، وقال إن البشير شكره على ذلك. وردا على سؤال حول سفر الرئيس عمر البشير إلى الدوحة من عدمه، قال ألور إن وزارة الخارجية الآن بصدد وضع خطة حولها بعد أن تأتيها توجيهات من الرئاسة بتحرك دبلوماسي لمواجهة الوضع الجديد، حسب قوله. ونفي في رده على سؤال أن تكون الزيارة بمثابة تعويض لزيارة الدوحة، وقال ألور: «هذا كلام غير صحيح»، وأضاف: «لم تقرر الرئاسة في زيارة الرئيس البشير إلى الدوحة.. وهذا باب مفتوح لم نقرر بشأنه بعد»، وكرر قوله: «مافيش تعويض ولا حاجة في هذه الزيارة». كما نفى ألور أن تكون الزيارة إلى أسمرة «سرية»، وقال: «نحن وصلنا مطار أسمرة وكل القنوات الفضائية كانت حاضرة وغطت مباشرة الزيارة من مطار أسمرة... فإذا كانت سرية لما كنا وجدنا كل تلك الحشود في المطار». وكشف ألور أن الرئيسين اتفقا على فتح الحدود بين البلدين وتسهيل حركة الناس بين البلدين، على أن يتم ذلك بالبطاقة الشخصية، فقط، قبل أن يعتبر ألور تلك الخطوة بمثابة دلالة على تطور العلاقات بين البلدين.

من جانبه، اعتبر محجوب فضل المستشار الصحافي للبشير في تصريحات صحافية في مطار الخرطوم «أن زيارة البشير إلى إريتريا كانت مفتاحية لإعادة تكوين جبهة عريضة لمجابهة دول البغي والاستعمار، ولمجابهة المنظمات المشبوهة التي تعد سلاحا على الدول الإفريقية، بدءا بالسودان». وكشف فضل أن أفورقي أعلن سعيه لتكوين هذه الجبهة، وأكد «وقفته الصلبة مع السودان حكومة وشعبا في خندق واحد». وقال فضل إن «البشير من جانبه ثمن موقف إريتريا عاليا ونادى بضرورة أن تفتح الحدود بين البلدين»، وأضاف فضل أن المباحثات بين الرئيسين البشير وأفورقي «ركزت على ضرورة الوقوف صفا واحدا لمجابهة الهجمة الجديدة». وقال فضل إن «البشير جرى استقباله استقبالا حافلا في أسمرة وتم وداعه بمثل ما استقبل».

وردا على سؤال حول المشاركة في قمة الدوحة قال فضل إن «السودان سيشارك في قمة الدوحة.. أما إذا كان على مستوى الرئيس أو من يمثله فليس هناك ما يمنع، وهناك سوابق عديدة إن شارك السودان بمستوى أقل. وردا على سؤال أخر حول الفتوى التي صدرت من «هيئة علماء السودان» بعدم جواز سفر البشير إلى الدوحة، قال فضل إن «هيئة علماء السودان هيئة معتبرة ومقدرة، وما يصدر عنها يجد عندنا الاحترام والتقدير، وزيادة على ذلك غير ملزمة للحكومة حرفيا»، وذكر فضل أن حكومته تقدر «نبض الشارع الذي ينادي بعدم سفر البشير إلى الخارج انطلاقا من تخوفه من أن يتعرض رمز السيادة لأي مخاطر، ولكن الدولة بمؤسساتها المختلفة وعلاقاتها تستطيع أن تؤمّن مثل هذه الزيارات»، وقال: «سترون في الأيام المقبلة أن مثل هذه الزيارات ستتكرر، ونحن نؤدي واجباتنا، والسيد الرئيس يقوم بواجباته الدستورية المنصوص عليها داخل وخارج البلاد». في غضون ذلك، أعلن الفريق مالك عقار والي ولاية «النيل الأزرق»، نائب رئيس الحركة الشعبية الشريكة في الحكم، تأييده لفتوى «هيئة علماء السودان»، التي أفتت بعدم جواز سفر البشير إلى الدوحة نهاية مارس (آذار) الجاري. وأكد عقار رفض الحركة لقرار المحكمة الجنائية الدولية واعتبره طعنا لسيادة الدولة، وقال في منبر إعلامي بالخرطوم إن موقف الحركة يتمثل في رفض القرار وعدم التقاطع مع المجتمع الدولي، وأضاف أن «هدفنا واحد في حماية الرئيس، إلا أن الآليات مختلفة».