خادم الحرمين: التحديات التي تواجه الأمة تفرض يقظة لا غفلة معها.. وصلابة لا تقبل ضعفا

قال أمام الشورى إن هناك طموحات عالمية وإقليمية لكل منها أهدافه المشبوهة * الأزمة العالمية كشفت الخلل الملحوظ في الرقابة على القطاعات المالية

الملك عبد الله يفتتح أعمال مجلس الشورى السعودي أمس (واس)
TT

* استمرار العدوان الإسرائيلي مؤشر خطير على فقدان السلم والأمن الدوليين * هبت علينا رياح أزمة مالية عاتية، لم يكن لنا يد في صنعها وكان لا بد لنا من أن نتصدى لها بحزم وأن نعالجها بحكمة، واستطعنا بفضل الله تجنيب الوطن أسوأ عواقبها

* حذر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، من مغبة استمرار العدوان الإسرائيلي على الأراضي العربية، وعد هذا الأمر بأنه مؤشر خطير على فقدان السلم والأمن الدوليين، ورأى في كلمتين وجههما لمجلس الشورى السعودي أمس، لدى افتتاحه أعمال السنة الأولى للدورة الخامسة للمجلس، بأن الخلاف الفلسطيني الفلسطيني، أخطر على قضية العرب العادلة الأولى من استمرار إسرائيل في عدوانها.

ونبه العاهل السعودي، إلى أن التحديات التي تواجهها بلاده والأمتان العربية والإسلامية «تفرض علينا جميعا يقظة لا غفلة معها، وصلابة لا تقبل الضعف، وصبرا لا يخالجه اليأس، وقبل ذلك كله إيمان بالله لا قنوط معه، وكل ذلك يستدعي منا مسؤولية مضاعفة لمواجهة التحديات التي يأخذ بعضها برقاب بعض».

وعدد الملك عبد الله بن عبد العزيز، التحديات التي تواجه الأمة، سواء على صعيد الوطن أو الأمتين العربية والإسلامية، بقوله «فمن عدوان إسرائيلي عبث بالأرض فسادا، إلى خلاف فلسطيني بين الأشقاء هو الأخطر على قضيتنا العادلة من عدوان إسرائيل، يوازيه خلاف عربي وإسلامي يسرُ العدو، ويؤلم الصديق، وفوق هذا كله طموحات عالمية وإقليمية، لكل منها أهدافه المشبوهة».

وقال خادم الحرمين، «وإذا ما استمر العدوان (الإسرائيلي)، فإنه سيؤدي إلى دفع منطقة الشرق الأوسط برمتها إلى حافة الهاوية وفي ذلك تهديد للسلام العالمي».

وجدد الملك عبد الله، تمسك بلاده بمبادرة السلام العربية، التي حظيت بدعم دولي. وقال إنها «الخيار الأمثل لحل القضية الفلسطينية وتحقيق سلام دائم في المنطقة».

وأكد خادم الحرمين الشريفين، استمرارية بلاده في تحقيق المصالحة العربية، حتى زوال كل الخلافات.

وانتقد مراكز المال العالمية، قائلا إن الخلل الملحوظ في الرقابة عليها ساهم بالانتشار السريع للأزمة المالية العالمية وتفشي آثارها. واعتبر أن الأزمة العالمية هي نقطة انتهت عندها مرحلة من مراحل النظام الاقتصادي والمالي العالمي، وبدأت على إثرها مرحلة جديدة بالتشكل، آملا في أن تتسم المرحلة الجديدة بالضوابط الموضوعية التي تحقق الاستقرار المالي والأمن الاقتصادي والرفاه الاجتماعي لشعوب العالم.

وقال الملك عبد الله في كلمته المكتوبة التي تم توزيعها على أعضاء مجلس الشورى الـ150 عضوا، إن مشروع الحوار الذي قدمته السعودية للعالم، جاء للخروج من مأزق الخلل الأخلاقي والسياسي الذي أصاب الواقع الدولي.

وخلال حفل افتتاح الدورة الخامسة لأعمال مجلس الشورى، افتتح الملك عبد الله بن عبد العزيز برنامج التعاملات الالكترونية (شاور)، ووضع حجر الأساس لتوسعة مبنى المجلس، الذي هو عبارة عن مبنيين، أحدهما أفرد فيه مكاتب خاصة بالمستشارات العاملات في مجلس الشورى، قائلا «بسم الله وعلى بركة الله».

وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، قد ألقى أمام مجلس الشورى الكلمة التالية: «بسم الله الرحمن الرحيم.. والحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. أيها الأخوة الكرام أعضاء مجلس الشورى، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

باسم الله، وعلى بركة الله، نفتتح أعمال السنة الأولى، من الدورة الخامسة للمجلس، سائلين الله – جل جلاله – أن يسدد جهودكم، ويلهمكم الرأي والمشورة. وأنتهز هذه الفرصة لأشكر أخي معالي الدكتور/ صالح بن عبد الله بن حميد، على ما بذله من جهد خلال رئاسته للمجلس، مرحبا في نفس الوقت بمعالي الأخ الدكتور/ عبد الله بن محمد آل الشيخ.

أيها الأخوة الكرام:

إن التحديات التي تواجه أمتكم سواء على صعيد الوطن، أو الأمة العربية والإسلامية تفرض علينا جميعا يقظة لا غفلة معها، وصلابة لا تقبل الضعف، وصبرا لا يخالجه اليأس، وقبل ذلك كله إيمان بالله لا قنوط معه، وكل ذلك يستدعي منا مسؤولية مضاعفة لمواجهة التحديات التي يأخذ بعضها برقاب بعض، فمن عدوان إسرائيلي عبث بالأرض فسادا، إلى خلاف فلسطيني بين الأشقاء هو الأخطر على قضيتنا العادلة من عدوان إسرائيل، يوازيه خلاف عربي وإسلامي يسرُ العدو، ويؤلم الصديق، وفوق هذا كله طموحات عالمية وإقليمية، لكل منها أهدافه المشبوهة.

أيها الأخوة الكرام:

وفي هذا الجو الملبد بالسواد، ترى الشعوب العربية مصيرها مهددا من الآخر، وشعرت بأن آمالها مبعثرة ومستقبلها مظلم. لكن الأمة المؤمنة لا تيأس من روح الله، فمن عمق المعاناة والجراح استذكرت تاريخها الحافل بالانتصارات، فانتصرت على يأسها، وانطلقت من سفح الواقع المرير إلى قمة التحدي، متجاوزة ذاتها، ساعية إلى جمع الشمل، وتوحيد الصف والكلمة، وسوف نستمر – بإذن الله – حتى يزول كل خلاف، مدركين أن الانتصار لا يتحقق لأمة تحارب نفسها، وأن العالم لا يحترم إلا القوي الصابر، وإننا لأقوياء بالله صابرين متوكلين عليه جل جلاله.

أيها الإخوة الكرام:

لقد كان من نعم الله على دولتكم أن قامت بدورها في هذه الانتفاضة المباركة على الشقاق والهوان، ويعلم الله بأننا كنا في كل خطوة اتخذناها نضع نصب أعيننا شعبنا العريق، مدركين إيمانه العميق بربه، وتمسكه بعروبته، وحرصه الشديد على وحدة أمته العربية والإسلامية وعزتها، فالحمد لله الذي هدى ويسر، ثم الشكر للشعب الذي أيد وساند.

أيها الأخوة الكرام:

وخلال تلك الأجواء الصعبة، هبت علينا رياح أزمة مالية عاتية، لم يكن لنا يد في صنعها، ولكن آثارها امتدت لتهدد العالم كله، وكان لا بد لنا من أن نتصدى لها بحزم وأن نعالجها بحكمة، واستطعنا بفضل الله تجنيب الوطن أسوأ عواقبها، ولا نزال نراقب الموقف بحذر ويقظة. ولا شك أن بلادكم تشارك مع بقية دول العالم الرئيسية في إيجاد الحلول لهذه الأزمة وخاصة دورها في مجموعة العشرين.

وفي غضون هذا كله كان لا بد لمسيرة التطوير أن تواصل انطلاقها في الوطن الغالي، وكان لا بد من قرارات تدفع بعجلة التطور، وضرورة التعامل مع المتغيرات، لما فيه رفعة الوطن، وتحقيق كل أسباب الحياة الكريمة للمواطن.

هذا سبيلنا، وهذا نهجنا، وسوف نمضي بحول الله وقوته، مستلهمين منه – عز وجل – القوة والعزم، عاملين بلا كلل ولا ملل لصناعة الغد السعودي المشرق بالرفاه، المزدهر بالمحبة والتسامح، الفخور بعقيدته وإيمانه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

وفيما يلي نص كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، التي وجهها مكتوبة لأعضاء مجلس الشورى.

«الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد الأمين. أيها الأخوة أعضاء مجلس الشورى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. على بركة الله وبعونه وتوفيقه نفتتح أعمال السنة الأولى من الدورة الخامسة لمجلس الشورى سائلين المولى عز وجل أن يبارك جهودنا جميعا وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم. إن من نعم الله علينا أن من علينا في هذا اللقاء السنوي المبارك الذي نستلهم من خلاله العبر من الماضي ونستشرف معالم المستقبل في ظل ما يحيط بنا من ظروف ومستجدات وما يتوفر لنا من قدرات وإمكانات. لقد كانت تحديات العام الماضي كثيرة وكبيرة، إلا أنه بفضل من الله وتوفيقه، ثم بجهود المخلصين من أبناء شعبنا، تمكنا من الاستجابة لهذه التحديات بقدرة كبيرة مكنتنا من المحافظة على ما تحقق من إنجازات ومكتسبات للوطن والمواطن، والاستمرار في مسيرة التنمية. أيها الأخوة الكرام: لقد تعلمنا من نهجنا الوطني الذي أخذنا به طيلة السنوات الماضية أن الحوار يجسد وسيلة فاعلة لتعزيز التفاهم وتشكيل الرؤى المشتركة، لذا سعينا لتسخير هذا النهج لنشر ثقافة التسامح والحوار في المجتمع الدولي. لقد أضعفت الحروب والصراعات وما صاحبها من طرح لمفهوم صدام الثقافات قيم المحبة والسلام في المجتمع الدولي، وأقحمت الأديان في الصراعات ونهج التطرف، وساد في المجتمع الدولي ظواهر سلبية تهدد أمنه واستقراره وتوجد العداوة والبغضاء بين الشعوب، وهذا الوضع ألقى علينا مسؤولية إسلامية وإنسانية دفعتنا نحو المبادرة لتشخيص الواقع الدولي وتقديم ما نرى أنه مشروع حضاري للخروج من مأزق الخلل الأخلاقي والسياسي. وجاء نداء (مكة المكرمة) لشعوب العالم وحكوماته على اختلاف أديانهم وثقافاتهم ليؤطر الرؤية الإسلامية ويحدد منهج العمل الإسلامي تجاه ما يحيط بالبشرية من أزمات أخلاقية، وخلافات سياسية، وصدام ثقافي. لقد شكلت هذه الرؤية الإسلامية أساسا للحوار مع الآخر بشأن كل ما يحيط بعالمنا المعاصر من مشاكل وما حل به من ويلات، كما حددت المنطلق في مواجهة التحدي الثقافي للعالم الإسلامي، وأرست الأسس لسياسة عالمية جديدة تسعى لإعادة تشكيل نسق العلاقات الدولية المعاصرة وفق مفهوم جديد يشيع ثقافة التسامح والحوار، ويخدم السلام والاستقرار، ويوجد الطمأنينة والرخاء لشعوب العالم أجمع. وجسد مؤتمر مدريد للحوار العالمي الخطوة التالية في تفعيل الرؤية الإسلامية للعلاقات بين الدول والشعوب. ولقد قدمت في هذا المؤتمر رسالة الأمة الإسلامية إلى العالم أجمع أعلنتُ من خلالها أن الإسلام دين الاعتدال والوسطية والتسامح ودعوت من خلالها إلى الحوار البناء بين أتباع الأديان والثقافات بغية فتح صفحة جديدة في تاريخ البشرية تحل فيها المحبة والوئام محل التوتر والصراع، وسعينا من خلال هذه الرسالة إلى التركيز على المشترك الإنساني بين إتباع الأديان والثقافات، وإبراز القيم النبيلة في كل دين وثقافة مع احترام خصوصية كل معتقد وثقافة.

وتوجت مساعينا لنشر ثقافة الحوار والتسامح في عقد قمة الحوار بين أتباع الأديان والثقافات في الأمم المتحدة، وتميزت هذه القمة بسمتها العالمية نظرا لعدد وتنوع الدول المشاركة فيها. ولقد استخدمنا منبر الأمم المتحدة لحشد الدعم السياسي الدولي بغية الإسراع في نشر ثقافة التسامح والحوار وتحويل الغايات الإنسانية المشتركة إلى ممارسات فعلية في سلوك الشعوب ونهج الحكومات. وذكّرتُ المجتمع الدولي في حينه أن التركيز على نقاط الخلاف بين أتباع الأديان والثقافات يؤدي إلى التعصب وبذر بذور الفتنة والعداء، وهذا بدوره يوجد الصراعات التي قد تأخذ أشكال حروب مدمرة لا يبررها دين سماوي أو مبدأ أخلاقي. وجاء إعلان (نيويورك) في ختام قمة الحوار ليؤيد ما طرحناه من رؤى وأفكار بشأن مكافحة الظواهر السلبية التي تهدد أمن واستقرار المجتمع الدولي وتخل بمبدأ الإخاء بين الشعوب. فقد دعا الإعلان إلى دعم المبادرات الدولية التي تدعو إلى احترام حقوق الإنسان بين أتباع مختلف الأديان، والحفاظ على الأسرة، وحماية البيئة، ونشر التعليم، ومكافحة الفقر والمخدرات والجريمة، مع إبراز المساهمة الإيجابية للأديان والقيم الإنسانية والأخلاقية في مواجهة التحديات المشتركة. وشهد العالم في الأشهر الأخيرة أزمة مالية حادة أعقبها صدمات اقتصادية عنيفة عاني منها الجميع. ولم تكن بلادكم بمنأى عن التداعيات الاقتصادية للأزمة المالية العالمية. لذا باركت حكومتكم الجهود الدولية الرامية لمواجهة هذه الأزمة المالية، وضمن هذا التوجه شاركنا في اجتماع قمة العشرين الاقتصادية في واشنطن في الولايات المتحدة الأميركية بغية احتواء الأزمة المالية والتقليل من آثارها على الشعوب. ولقد كشفت هذه الأزمة عن بعض الجوانب السلبية، وعن الخلل الملحوظ في الرقابة على القطاعات المالية خصوصا في المراكز المالية العالمية مما أدى إلى الانتشار السريع للأزمة وتفشي آثارها. كما أظهرت الأزمة أنه لا يمكن الاعتماد على آلية السوق في مفهومها التقليدي لتحقيق الاستقرار المالي العالمي مما أوجد حاجة ماسة لتطوير مؤسسات وأنظمة للرقابة على القطاعات المالية العالمية.

لقد انتهت مرحلة من مراحل النظام الاقتصادي والمالي العالمي وبدأت مرحلة جديدة تتشكل ونأمل أن تتسم هذه المرحلة بالضوابط الموضوعية التي تحقق الاستقرار المالي، والأمن الاقتصادي، والرفاه الاجتماعي لشعوب العالم. ومما يبعث على التفاؤل في الخروج من الأزمة الراهنة توفر الإرادة السياسية لقادة دول العالم ـ خصوصا الدول المؤثرة في الاقتصاد العالمي ـ لاحتواء هذه الأزمة والحد من آثارها وما تم اتخاذه من إجراءات مالية دولية غير مسبوقة يعزز الثقة والاطمئنان في الخروج من هذه الأزمة ومن ثم استقرار أسواق المال العالمية وعودة النمو للاقتصاديات الدولية. ولقد ركزنا في رؤيتنا للأزمة المالية على أهمية أن تقوم الدول المانحة والمؤسسات المالية الدولية بمسؤولياتها الخاصة تجاه الدول النامية وخاصة الفقيرة منها التي عانت أكثر من غيرها من آثار الأزمة. وفي الشأن الإقليمي تستمر إسرائيل في ممارساتها الوحشية ضد أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل. إن ما يتعرض له قطاع غزة في فلسطين من قتل للآمنين وتدمير للبنية وتشريد للسكان يجسد استمرارا للنهج الإسرائيلي القائم على العدوان الآثم على الشعوب، والانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان وقيم العدل ومبادئ السلام. كما أنه مؤشر خطير على ما وصلت إليه حالة المجتمع الدولي من فقدان للسلم والأمن الدولي، وإذا ما استمر هذا العدوان فإنه سيؤدي إلى دفع منطقة الشرق الأوسط برمتها إلى حافة الهاوية وفي ذلك تهديد للسلام العالمي.

وإننا في الوقت الذي نقدر فيه للشعب الفلسطيني الصابر والمناضل صموده البطولي أمام آلة الحرب الإسرائيلية الشرسة فإننا ندعو في نفس الوقت جميع الفصائل الفلسطينية أن تتجاوز خلافاتها وتوحد كلمتها وجهودها حيث إن وحدة الشعب الفلسطيني واستقلالية قراره الوطني هما صمام الأمان ـ بعد الله ـ لحقوقه الوطنية ومصدر قوته الحقيقية في مقاومة العدو. كما نناشد حكومات ومنظمات المجتمع الدولي أن تمارس مسؤولياتها تجاه تحقيق السلام العادل والدائم والشامل في المنطقة على أساس الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية المحتلة، والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين لفلسطين، وقيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة عاصمتها القدس الشريف. وفي الوقت الذي نبارك فيه جميع المبادرات والمساعي الدولية للوصول إلى حل عادل للقضية الفلسطينية وإنهاء مأساة الشعب الفلسطيني فإننا نرى في مبادرة السلام العربية التي حظيت بدعم دولي أنها الخيار الأمثل لحل القضية الفلسطينية وتحقيق سلام دائم في المنطقة. إن مسؤولية تحقيق السلام في المنطقة تقع على عاتق إسرائيل التي ماطلت في الوفاء بالتزاماتها تجاه استحقاقات السلام واستمرت في ممارساتها التعسفية في الأراضي الفلسطينية بما في ذلك بناء المزيد من المستوطنات، وتجاهل القرارات والمطالب الدولية. وستبقى قيم العدل والسلام في المجتمع الدولي دون معنى حقيقي طالما بقي الشعب الفلسطيني يعيش في معاناة يومية، واستمرت إسرائيل في ممارساتها الوحشية. أيها الأخوة الكرام:

يحتل الشأن الوطني مكان الصدارة في اهتمام حكومتكم ومما يدعونا إلى الاطمئنان والتفاؤل بمستقبل مشرق لبلادكم هو ما يسود الوطن من أمن وأمان، وما يتحقق فيه من تنمية، وما يتمتع به المواطن السعودي من مستوى معيشة ورفاه. ورغم الأزمات المالية والاقتصادية الحادة التي حلت بالعالم وما خلفته من آثار ومنها انخفاض أسعار البترول في الأسواق العالمية إلى أسعار متدنية فقد التزمت حكومتكم بخططها التنموية وما خصص لها من اعتمادات مالية، ويرجع ذلك إلى فضل الله وتوفيقه ثم صلابة الأسس التي بني عليها الاقتصاد السعودي، وإلى سلامة السياسات المالية التي نأخذ بها. وجاء صدور الميزانية العامة للدولة للعام المالي الحالي وبما حملته من عناوين وأرقام لتحمل تباشير الخير للوطن والمواطن، ولتؤكد من جديد على متانة الوضع الاقتصادي لبلادكم وسلامة نهجها المالي. فقد تضمنت الميزانية اعتماد برامج ومشروعات تنموية جديدة تزيد تكلفتها الإجمالية عن (225) مليار ريال بزيادة نسبتها (36) في المائة عما تم اعتماده في ميزانية العام الماضي. وروعي عند إعداد الميزانية استثمار الموارد المالية للدولة بشكل يحقق متطلبات التنمية الشاملة والمستدامة، مع إعطاء الأولوية للخدمات التي تمس المواطن بشكل مباشر بما في ذلك الخدمات التعليمية، والصحية، والاجتماعية. وحققت ميزانية العام الماضي (28/1429هـ) (2008) فائضا قياسيا بلغ (590) مليار ريال، الذي يعد الأكبر من نوعه بعد دخول ميزانية الدولة في مرحلة الفوائض المالية. وانخفض الدين العام للدولة في نهاية السنة المالية (28/1429هـ) (2008) إلى (237) ألف مليون ريال لتتقلص بذلك نسبة الدين العام إلى نحو (13.5) في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للعام المالي (28/1429هـ) (2008م) مقارنة بـ(18.7) في المائة في نهاية عام (27/1428هـ) (2007). وفي الختام أقدر لمجلسكم ما قام به من جهود ومبادرات أسهمت في تحقيق الإنجازات وترشيد القرارات الوطنية. وسيظل مجلسكم دائما محل ثقة القيادة وتقدير الحكومة والمواطن. أسأل الله أن يحفظ بلادنا من كل مكروه، وأن يديم عليها نعمة الأمن والاستقرار، وأن يوفقنا للعمل لما فيه خير ديننا ووطننا ومواطنينا إنه على كل شيء قدير.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».