الأمين العام لهيئة علماء السودان: فتوى منع البشير من السفر ليست مدفوعة الثمن ولم يطلبها منا أحد

قال: حرمنا التعامل مع أوكامبو.. والمجتمع الدولي عديم القيمة

TT

دافع الدكتور محمد عثمان صالح، الأمين العام لهيئة علماء السودان، عن الفتوى المثيرة للجدل التي أصدرتها الهيئة مؤخرا بعدم جواز سفر الرئيس السوداني عمر البشير إلى العاصمة القطرية الدوحة للمشاركة في اجتماعات القمة العربية التي ستعقد الأسبوع المقبل.

ونفى صالح في حوار لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من العاصمة السودانية الخرطوم أن تكون أي جهة داخل السودان قد طلبت من الهيئة إصدار هذه الفتوى تمهيدا لاعتذار البشير عن عدم حضور القمة العربية، وأقسم صالح بالله ثلاثا أن الفتوى مبادرة من هيئة علماء السودان.

ولاحظ صالح الذي يحمل لقب بروفيسور ويدير أيضا جامعة أم درمان الإسلامية، أن سفر الرئيس البشير إلى الدوحة ليس ضرورة أو فرض عين، لافتا إلى أن عددا من الزعماء العرب تغيبوا عن اجتماع الدوحة والقمة الاقتصادية العربية في الكويت خلال يناير (كانون الثاني) الماضي لأسباب واهية، أكثر من المخاطر التي تحدق بالبشير.

وقال صالح إنه لا يعير أي انتباه لردود الفعل الصاخبة والمعارضة التي أثارتها هذه الفتوى، مشيرا إلى أن هيئة علماء السودان المسجلة منذ مطلع التسعينات ضمن منظمات المجتمع المدني، وتضم في عضويتها نحو 50 عضوا من علماء الدين، ومتفقهين في الدين من ذوي التخصصات الأخرى في العلوم النظرية والتطبيقية، قد أصدرت في السابق فتوى بتحريم التعامل مع المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس أوكامبو. وفيما يلي نص الحوار

* قلبتم الدنيا رأسا على عقب بفتواكم بعدم سفر الرئيس البشير.

ـ (ضاحكا) نعم، نعم.

* أنت تضحك لكن ألم تقلقك ردود الفعل؟

ـ نعم والله ما أقلقتني، لأن واجبنا أن نبين للناس ما ينبغي البيان فيه، ولا نكتم العلم، فنرى أن الأمر كان يقتضي إرسال إشارة خضراء أو صفراء في الحقيقة لعدم السفر.

* البعض يرى أن هذه الفتوى طلبت منكم تمهيدا لاحتمال اعتذار الرئيس عن عدم السفر إلى الدوحة.

ـ طيب هل إذا أقسمت لك بالله ثلاثا تصدّقني؟

*ومن أنا حتى لا أصدقك؟

ـ طيب يا سيدي، والله وبالله لم يتصل بنا أحد، وإنما هي مبادرة منا بعد أن قدرنا أن هناك بعض الأخطار قد تحيط، ولو نصف واحد في المائة، وليس هناك ضرورة وليس هناك فرض عين على الرئيس أن يحضر هذه القمة، وكثيرا ما تغيب رؤساء لو تذكرت القمة الأخيرة في الدوحة والكويت، تأخر عنها ناس كثيرون لأسباب واهية أكثر من هذه.

* لكن دون فتوى.

ـ لكن الفتوى كانت ضرورية حتى يعلم، وأخيرا نحن بيّنا وقلنا له إنه هو إذا قدر تقديرا غير الذي قلنا يستطيع أن يقوله، وأنت تعلم الفرق بين الفتوى والحكم. الحكم من القاضي ملزم، ولكن الفتوى من العالم ليست ملزمة، والمستفتي يقدر ظرفه وبعد ذلك يتخذ القرار.

* لكن البعض يقول إنها فتوى سياسية أكثر منها فتوى دينية.

ـ والله الدين والسياسة لا ينفصلان، لسنا على منهج من يقول لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، نحن نرى أن الدين هو السياسة والسياسة هي الدين.

* اسمح لي، ثمة من يرى أن هذه فتوى مدفوعة الثمن.

ـ نتلاقى أمام الميزان يوم القيامة، ومن قال هذا القول نشكوه إلى الله.

* لماذا أصدرتم الآن فتوى السفر وليس بشأن ما يحدث في إقليم دارفور؟

ـ لقد فعلنا لو أنكم تتابعون فتاوى هيئة العلماء، أصدرنا مئات وليس فقط عشرات الفتاوى، ولكن ما ذنبنا إذا كان الناس لا يطلعون على ما نخرج؟

* على ماذا تنص هذه الفتاوى؟

ـ لا أتذكر، كل الفتاوى في قضايا مختلفة، والدين تنزل أحكامه الشرعية على الحوادث. يا سيدي نحن لسنا مجبورين في كل أمر وإنما ما نرى أنه ضروري وترفع به البلوى نقول فيه رأي الدين.

* لكن ربما تكون هذه أول فتوى في تاريخ الفقه الإسلامي تصدر من علماء لحاكم ألا يسافر.

ـ وذلك أول استدعاء لرئيس دولة في العالم. ما كل حادث ينزله حديث يا أخي، والفتاوى بحسب النوازل، وأنت تعلم أن الفتوى بحسب النازلة، وإذا لم تنزل نازلة... ورأيت لو كذا حدث كذا، هذه ليست هي المطلوب، وإنما تكون أدخلت الفقه الإسلامي في باب ضيق.

* ألا يقلقك كل ردود الأفعال هذه حول الفتوى؟

ـ بل أنا مسرور جدا من ردود الأفعال.. لأنها حقيقة تبين أن رأي العلماء ينبغي أن يكون محترما في جميع بلدان العالم الإسلامي إذا كانوا مسلمين حقا.

* ومع ذلك فقد سافر الرئيس إلى إريتريا وتجاوز الفتوى؟

ـ لا، نحن لم نمنعه مطلقا من السفر وإنما منعناه من السفر إذا ما كان هناك خطر أو خطر محتمل.

* وهل تعتقدون أن الرئيس في خطر؟

ـ لا، هو ليس بمعنى هذا، وإنما فيه محكمة جائرة وظالمة وسياسية أصدرت حكما يقتضي أن يقف الرئيس أمام هذه المحكمة التي لا نحترمها ولسنا أعضاء فيها. وماذا لو كان هناك احتمال خطر ولو واحد في المائة من الصهيونية العالمية والماسونية العالمية التي يتكلم باسمها أناس كثيرون في الدنيا وفعلوا فعلتهم؟

* كيف استقبل الشعب السوداني في تقديرك هذه الفتوى؟

ـ بالفرح بالتأكيد.

* وهل أطلعتم عليها الرئيس مباشرة؟

ـ لا، لم نطلب، لكن الرئيس بمستشاريه ومن حوله بالتأكيد وصلت إليه.

* أنتم فقط تقترحون عدم السفر، فلماذا لم تكتفوا بتقديم رأي سياسي وليس فتوى؟

ـ مرة أخرى أقول لا نفرق بين الدين والسياسة.

* أظنك واعيا لهذه الردود الصاخبة خارج السودان؟

ـ لا يهمنا الردود الصاخبة المعارضة لرأي الدين، وإنما يهمنا أن يكون حكمنا وفقا لما رأينا أنه من الدين.

* هل هذه الفتوى تعكس في تقديرك تفكير رجل الشارع العادي في السودان؟

ـ والله، نحن الدين لا نستفتي فيه كل أحد، وإنما نرى النصوص أمامنا والوقائع والنوازل، ونقيس ونستحسن وفقا للمجريات التي ينبغي أن يأخذ بها الفقيه.

* ثمة من يتساءل إذا كان النظام في السودان متهما بارتكاب جرائم، فلماذا تصطفون خلفه؟

ـ نحن يا سيدي، الدولة معتدى عليها، خرج عليها خارجون ومتمردون، هؤلاء المتمردون هم الذين يهاجمون القرى والمناطق المختلفة، والدولة بمسؤوليتها حفظ الأمن لا بد أن تفعل ذلك وتردهم على أعقابهم، وبناء عليه فأي دولة، لو حدث الآن في مصر أو في أي بلد من البلاد، ستقوم بذات الواجب الذي قامت به الحكومة السودانية.

* البعض يقول إنكم قد تصدرون فتوى بشأن أوكامبو.

ـ نعم، وقد فعلنا.

* وماذا قلتم فيها؟ وهل هي فتوى معلنة؟

ـ يا سيدي لا أذكر، أرسل مندوبا لك لهيئة العلماء تعطيك الفتوى التي أصدرناها في هذا الموضوع.

* وهل تحرم التعامل معه؟

ـ بالتأكيد.

* هل تود إضافة شيء آخر؟

ـ أنا أقول إن على المسلمين أن يرجعوا إلى مصادر التشريع في القرآن الكريم والسنّة المطهرة، وفيما جرت به فتاوى العلماء حتى يعرفوا الحق من الباطل، وفي القرآن الكريم الآيات واضحة وصريحة: «ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا»، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا يطالب رئيس الدولة من المحكمة بتسليم نفسه؟ أنت ترى والناس ترى من أفعالها ما يرون، يرى الناس القتل العنيف والبشع في غزة ولا يرفع مجلس الأمن الدولي ولا المحكمة الجنائية ولا أي جهة من الجهات ضد هؤلاء المجرمين الصهاينة الذين يقتلون، وإلى الآن يا دوبك اليوم سمعنا أن لجنة حقوق الإنسان في جنيف تتحرك لكي تقول إن إسرائيل ارتكبت مخالفات، وعلى خجل واستحياء، ونحن غاضبون أشد الغضب مما يسمى بالمجتمع الدولي هذا، فهو تافه وليست له قيمة.