الشهرستاني: فات أوان أن نتفاوض مع شركات مثلما فعل صدام.. بل عليها التنافس

وزير النفط العراقي في حديث لـ«الشرق الأوسط» : أربيل تمانع تسليم إنتاجها

وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني يصافح وزيرة الاقتصاد الفرنسية لدى انعقاد أعمال اللجنة الاقتصادية الفرنسية ـ العراقية المشتركة في باريس أمس (أ.ف.ب)
TT

قال وزير النفط العراقي الدكتور حسين شهرستاني إن الحكومة العراقية الاتحادية تريد شفافية كاملة في التعامل مع الشركات النفطية الأجنبية التي سيتم التعاطي معها على قدم المساواة. وأكد شهرستاني أن قطاع النفط العراقي بحاجة إلى استثمارات تصل قيمتها إلى خمسين مليار دولار في السنوات الخمس أو الست القادمة، وأن هذه الأموال غير متوافرة محليا وبالتالي يتعين الاستعانة بشركات النفط العالمية. وانتقد الوزير العراقي ما قامت به حكومة كردستان في التعاقد مع شركات أجنبية التي حملها مسؤولية الوجود والعمل على الأراضي العراقية من غير إذن الحكومة المركزية. وأفاد أن حكومة كردستان ترفض تسليم النفط المستخرج للحكومة العراقية. لكن الوزير العراقي ترك الباب مفتوحا أمام التوصل إلى «تسوية» أوضاع الشركات الأجنبية التي تعاقد معها الأكراد إذا قلبت مطالب بغداد بإخضاعها للقوانين العامة العراقية.

وجاءت أقوال شهرستاني في مقابلة خص بها «الشرق الأوسط» لدى زيارته ووفد كبير إلى باريس لتفعيل اللجنة الاقتصادية الفرنسية ـ العراقية المشتركة.

وفي ما يأتي نص الحديث:

* ما الغرض من زيارتكم والوفد الذي يرافقكم إلى باريس؟

ـ نحن موجودون هنا لإعادة تفعيل اللجنة الاقتصادية العراقية ـ الفرنسية المشتركة التي لم تفعل بعد سقوط النظام السابق. وتذكرون أنه قام بين العراق وفرنسا ولعقود طويلة تعاون وثيق في الميادين التجارية والاقتصادية وغيرها. وخلال السنوات الماضية، انقطع التعاون وضمرت العلاقات الثنائية. ولكن زيارة الرئيس ساركوزي إلى بغداد الشهر الماضي أبرزت رغبة الطرفين في تفعيل اللجنة المشتركة والارتقاء بالعلاقات السياسية والاقتصادية والتعاون الثقافي إلى مستويات أفضل، ولذا فإنني أرأس وفدا يضم ممثلين عن عشر وزارات لمناقشة أفق التعاون والتبادل مع الجانب الفرنسي. وستكون لنا لقاءات كثيرة مع الرسميين ومع ممثلي الشركات الفرنسية.

* ما الذي طرأ على خططكم النفطية بسبب تراجع الأسعار في الأسواق العالمية علما أن ميزانية العراق تعتمد بنسبة 90 في المائة منها على العائدات النفطية؟

ـ واضح أن أسعار النفط الحالية المنخفضة لا مجزية ولا مقنعة، ليس فقط من وجهة نظر الدول المنتجة بل أيضا المستهلكة. العالم يمر بأزمة اقتصادية هي الأكبر منذ ثمانين عاما، واستفحالها أدى إلى انخفاض الطلب على النفط، ما دفع الأسعار إلى أسفل. وعلى سبيل المثال، فإن الطلب اليوم على النفط في السوق الأميركية أقل بمليون برميل مما كان عليه العام الماضي في الفترة نفسها. ولكن هذه الأزمة عابرة، وبعد انتهائها سيعود الطلب على النفط إلى الارتفاع. وأذكر هنا أنه لن يستطيع العالم استبدال مصادر طاقة بديلة بالنفط والغاز. وفي أفضل الحالات، ستغطي هذه المصادر ما نسبته 20 في المائة حتى عام 2030، وربما عام 2050. لذا، فإن مصلحة الطرفين، المنتج والمستهلك، أن ترتفع الأسعار حتى توفر الدول المنتجة المصادر المالية الضرورية للاستثمار ولزيادة إنتاجها، وبالتالي تلبية حاجات السوق عندما يرتفع الطلب مجددا. والحال أن الأسعار الحالية لا تغطي في بعض الدول الكلفة الإنتاجية، فكيف بالحاجات الاستثمارية؟ وأشير هنا إلى أن حقولا منتجة بدأ يتوقف إنتاجها، ما يعني أن الإنتاج العالمي سينخفض. وإذا استمر الحال كما هو عليه اليوم سيواجه العالم أزمة حادة، خصوصا أن تطوير الحقول يحتاج إلى سنوات. ونحن نرى أنه لا يجب أن تنزل الأسعار عن عتبة 70 دولارا للبرميل، حتى يقتنع المستثمرون بصرف عشرات مليارات الدولارات في القطاع النفطي.

* ولكن ما خطتكم لجهة رفع مستوى الإنتاج في العراق؟

ـ إنتاجنا اليوم 2,5 مليون برميل. وخطتنا العشرية (2008 ـ 2017) أن نصل إلى إنتاج ستة ملايين برميل في اليوم. وأطلقنا في مرحلة سابقة جولة تراخيص أولى تشمل ستة آبار نفطية عملاقة وحقلين من الغاز يمكن أن تفضي إلى زيادة 1,5 مليون برميل. كذلك أطلقنا جولة تراخيص ثانية في الأيام الأخيرة من العام الماضي من شأنها أن توفر إنتاجا إضافيا من مليوني برميل ما سيكون مجموعه ستة ملايين برميل في اليوم.

* ولكن من أين ستأتون بالاستثمارات اللازمة لتطوير هذه الحقول؟

ـ نحن بحاجة إلى استثمار خمسين مليار دولار في السنوات الخمس أو الست القادمة. صحيح هذه الأموال غير متوفرة محليا. فضلا عن ذلك، لدينا احتياجات مالية أخرى في عملية إعادة الإعمار وتوفير الخدمات للعراقيين (إسكان، تعليم، صحة، بنى تحتية، إلخ)، لذا توجهنا إلى الشركات النفطية العالمية التي أبدت جميعها اهتماما بالدخول في السوق النفطية العراقية والاستثمار فيها. ولتسهيل التفاوض مع هذه الشركات، قمنا بإعداد «عقد معياري» عرضناه عليها. وهذا العقد يلغي مبدأ المشاركة في الإنتاج ويطرح مكانه عقد خدمات للإنتاج بحيث أن الشركة الأجنبية تتلقى مبلغا معينا عن كل برميل نفط منتج في حقل أُوكل إليها مهمة تطويره وإنتاج النفط فيه، بغض النظر عن سعر النفط هبوطا أو صعودا. وبذلك، يكون العراق بصدد شراء خدمات من الشركات النفطية وندفع ثمنها ليس إلا. وحتى الآن، قمنا بتأهيل 35 شركة أجنبية ستتنافس على العروضات التي طرحناها.

* ولكن كيف كان تلقّي هذه الشركات للعقد المعياري؟

ـ لقد أبدت جميعها استعدادا لدخول الميدان التنافسي على أساس العقد المعياري الخدماتي علما أن هناك عدة دول تعتمد هذه الطريقة لرغبتها في تفادي عقود الشراكة في الإنتاج.

* لكن كيف ستوقعون عقودا مع الشركات الأجنبية بينما قانون النفط لم يقر حتى الآن في البرلمان العراقي وثمة مشكلة مع حكومة إقليم كردستان؟

ـ بموجب الدستور العراقي وتحديدا المادة 111 منه، نفط وغاز العراق ملك الشعب العراقي. ولذا لا ينبغي على أي جزء من العراق أن يتصرف نيابة عن الكل. الحكومة الاتحادية هي التي تمثل العراق، ولذا فإن أي تصرف من أي منطقة من مناطق العراق في ثروة العراق النفطية ودون موافقة الحكومة الاتحادية تصرف غير مقبول.

* لكن حكومة إقليم كردستان توقع عقودا مع شركات أجنبية، وهي غير آبهة بهذا المبدأ.

ـ نعم، لقد قامت بتوقيع عقود، ولكن نحن كان لنا موقف واضح: هذه العقود لا تمثل التزاما للعراق، ولا يحق لأية شركة خارجية أن تعمل على التراب العراقي بناء على عقود لم توافق عليها الحكومة العراقية. القوانين النافذة في العراق لا تبيح إلاّ لوزارة النفط أن توقع عقودا باسم العراق. ولذا، فإن أية جهة غيرها تقوم بتوقيع عقود، لا تعتبر هذه العقود ملزمة للعراق. وأقول للشركات الأجنبية أنه يتعين عليها أن تتحمل مسؤولياتها.

* غير أن هذه الشركات موجودة في العراق.

ـ بإمكان الشركة أن تطور حقلا أو تحفر بئرا وأن تقيم أنابيب وخزانات. غير أن هذا النفط المنتج لا يمكن تصديره ولا التصرف به. ونرى أنه يجب أن يسلم إلى الحكومة العراقية ويصدر من خلال منظومة التصدير العراقية.

* هل يعني هذا القول أن العقود الموقعة من قبل حكومة كردستان نظرية؟

ـ حتى الآن، هناك نشاطات على الأرض وعمليات حفر، ولكن لم ينتج نفط من هذه الآبار. ولو أنتج، فإن بالمستطاع بيع كميات في الداخل أو تهريب كميات أخرى (إلى الخارج). ولن يتم التصدير إلا عبر المنظومة العراقية التي تملكها الدولة.

* هل الجانب الكردي يقبل هذا الطرح؟

ـ الاختلاف في وجهات النظر موجود. وثمة نقاشات بين الحكومة الاتحادية وممثلي حكومةٍ لإقليم كردستان. ووصلنا إلى تفاهم مفاده أن عائدات النفط المنتج يجب أن تذهب إلى خزينة الدولة المركزية في بغداد، وأن الحكومة الاتحادية تقوم بإعادة توزيع العائدات من خلال الموازنة العامة.

* هل لديكم تاريخ لتنفيذ هذا الاتفاق؟

ـ العمل جارٍ لربط الأنبوب (الذي ستمر به كميات النفط المستخرجة بموجب عقود حكومة كردستان) بالشبكة العراقية. ولكن هناك ممانعة من قبل حكومة إقليم كردستان لتسليم هذا النفط، بدعوى أن الشركة التي طورت الحقول تتعين مكافأتها والتعويض عليها. ولو اعتبرنا هذا المنطق صحيحا، فإنه من الواجب أن يتم تقديم العرض المبرم مع الشركة الأجنبية على الحكومة العراقية، لنرى ما إذا كان يوفر للعراق سيطرة كاملة على نفطه وأرباحا معقولة، وللتأكد من أن الشركة المعنية لا تشارك في الإنتاج بل تسلم بدل أتعاب. وهنا أريد أن أقول إننا يمكن أن نوافق على تعديل العقد كما وافقنا على تعديل عقود أبرمها النظام السابق مع شركات صينية. ورأينا أنه يمكن مراجعة العقود التي أبرمت منذ سقوط صدام وحتى صدور مسودة قانون النفط والغاز في فبراير (شباط) من عام 2007، وتحويلها إلى عقود خدماتية بعد أن نتأكد من أن المصلحة العراقية مصونة. وبالمناسبة أشير إلى أن العقود التي أبرمتها حكومة كردستان هي مع شركات من الدرجة الرابعة أو الخامسة. وتم إبرامها من غير منافسة وبعيدا عن الشفافية، ولم تعرض لا على الحكومة الاتحادية ولا على الشعب الكردي، وبالتالي هي عقود سرية تخالف القوانين والأنظمة العراقية. وبطبيعة الحال، هذا الواقع يثير ريبة الشعب الكردي والشعب العراقي على السواء. ونحن موقفنا واضح، ويقول إن أي عقد يبرم من غير تنافس وبعيدا عن الشفافية هو عقد غير مقبول ويخالف القوانين المرعية ولا يسمح للشركات المعنية أن تعمل على الأراضي العراقية، وإن فعلت فعليها أن تتحمل مسؤولياتها.

* شركة «توتال» الفرنسية مهتمة منذ عقود بالبترول العراقي. ما خطط «توتال» في العراق؟ وما الذي ستحصل عليه عندكم؟

* مضى الوقت في العراق حيث كانت الحكومة تفاوض جهة بعينها. كان ذلك يحدث في الماضي وأيام صدام لأسباب سياسية. الآن، يتعين على الشركات النفطية أن تتنافس في ما بينها وتقدم عروضا شفافة، ونحن نفتح بشكل علني العروض ويتم الاختيار على أسس شفافة. بعض الشركات، ولا أتحدث عن «توتال»، تفضل الحوار وراء أبواب مغلقة مع سياسيين للحصول على امتيازات. وأنا كمسؤول عن القطاع النفطي العراقي أريد أن أوضح بشكل لا يقبل التأويل أو التفسير، أن هذا لن يحدث في العراق، وعلى الشركات التي ترغب في التنافس أن تقدم عروضها، وكلها ترحب بالإجراء العراقي. وبالمناسبة، تتوافر في العراق إمكانيات نفطية هائلة، وثمة فرص لكثير من الشركات، ولن نتعامل بالطريقة التي تمت بها الأمور مع حكومة كردستان.

* هل تقبل «توتال» عقود الخدمات؟

ـ نعم، لا تمانع في ذلك، وقبل شهر عُقد مؤتمر مهم في إسطنبول مع عشرات الشركات النفطية. بعضها أبدى ملاحظات، وكان من بينها ملاحظات صائبة، مثل السعي لمنع الازدواج الضريبي وحاجة العراق إلى قوانين في هذا السياق.

* متى سيتم توقيع أول عقد خدمات نفطية؟

ـ في ما يخص جولة التراخيص الأولى، يمكن أن توقع العقود منتصف العام الجاري. أما بصدد جولة التراخيص الثانية، فقبل نهاية العام. وفي ما يخص الجولة الأولى، تأهلت 35 شركة من أصل 120 شركة تقدمت بطلبات تأهل. وفتحنا باب التأهل للمرحلة الثانية أمام الشركات الراغبة، وسنعلن أسماء الشركات المقبولة خلال فترة قصيرة.

* كيف ينعكس انخفاض أسعار النفط على اقتصادكم وعلى الخدمات الحكومية؟

ـ العراق يعتمد بنسبة 90 في المائة من عائداته على الإيرادات النفطية، ولذا فإن انخفاض الأسعار يؤثر بقوة علينا. وفي ميزانية عام 2009، احتسبنا معدل سعر البرميل في حدود 50 دولارا. وكما تعلم، قررت منظمة «الأوبيك» في اجتماعها في الجزائر في ديسمبر (كانون الأول) الماضي سحب 4,2 مليون برميل من النفط من السوق العالمية لوقف تدهور الأسعار. وفي اجتماع فيينا الأخير قبل أكثر من أسبوع، شددنا على ضرورة الالتزام بما تقرر، إذ لم يتم ذلك إلا بنسبة 80 في المائة، ما يعني أن هناك إمكانية لسحب 800 ألف برميل إضافي من الأسواق. وإذا تم ذلك نعتبر أن العرض والطلب سيتساويان، وبالتالي ستعود الأسعار إلى الارتفاع مجددا. وأمهلت المنظمة دولها شهرين لمراقبة الوضع وسنلتقي مجددا في مايو (أيار) لنقوّم التطورات، ولنقرر على ضوئها ما إذا كانت هناك حاجة إلى ضخ إضافي للإنتاج أم لا. وإذا لم ترتفع الأسعار، سنصر مجددا على سحب كميات إضافية من الأسواق.