عناصر «الصحوة» يشكون عدم وفاء الحكومة بوعودها.. ومخاوف من عودة بعضهم إلى «القاعدة»

5% فقط حصلوا على وظائف.. وآخرون لم يتسلموا رواتبهم

TT

اتخذت المؤسسة العسكرية الأميركية إجراء بارزا آخر في إطار مبادرة قد تعد من أكثر المبادرات، حيال القضاء على أعمال العنف في العراق، تحليا بالشعور بالمسؤولية، حيث تم تسليم مسؤولية التعامل مع أفراد الميليشيات السنية البالغ إجمالي عددهم 94,000، فيما عدا 10,000 منهم، إلى المؤسسة العسكرية العراقية. وجدير بالذكر أن الكثير من أعضاء هذه الميليشيات كانوا متمردين في السابق ووافقوا على التوقف عن قتل الجنود الأميركيين نظير الحصول على أموال.

والمثير في الأمر أن هذا القرار لم يلقَ ترحيبا من جانب أفراد الميليشيات أنفسهم.

وفي ذات يوم صدور القرار، أعلنت مجموعة من المقاتلين في شمال بغداد استقالتهم من «مجالس الصحوة»، وهو الاسم العراقي لما تطلق عليه الولايات المتحدة اسم جماعة «أبناء العراق». وفي الإطار ذاته وداخل مدينة سليمان باك، اجتمعت المجالس القائمة في جنوب بغداد وضواحيها، وهي المنطقة التي سبق أن أطلق عليها «حلقة الموت»، للتنديد بالجهود العراقية لإدماجهم في المؤسسات العراقية.

وتعد تلك مؤشرات على أن صبر المقاتلين بدأ ينفد في فترة حرجة. الملاحظ أنه بعد شهور من إطلاق الوعود، حصل 5,000 عضو فقط من «مجالس الصحوة»، أي أكثر بقليل من 5 في المائة، على وظائف دائمة داخل قوات الأمن العراقية. ويذكر أن الوعود الموجهة إلى هذه الميليشيات صدرت العام الماضي في وقت كان العراق يتمتع فيه بعائدات نفطية ضخمة، أما اليوم فتعاني الميزانية العراقية بشدة جراء تراجع أسعار النفط.

وخلال لقاءات أجريت مع قادة عدة «مجالس صحوة» محلية، اشتكوا جميعا تقريبا نقص فرص العمل وعدم دفع الأجور وتعرض أعضاء المجالس لإلقاء القبض عليهم، رغم إعلان وعود بالعفو عنهم.

وأعرب الكثيرون عن قلقهم من إمكانية أن يدفع هذا الوضع بعض أتباعهم مجددا إلى الانضمام إلى تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، وهي جماعة ينتمي غالبية أعضائها إلى العراقيين مع وجود بعض القيادات الأجنبية، في وقت يرى القادة العسكريون العراقيون والأميركيون أن الجماعة تحقق، على ما يبدو، مكاسب ضئيلة، لكنها مثيرة للقلق، في المناطق المحيطة ببغداد. في الواقع، لا تعد مثل هذه الشكاوى بالأمر الجديد تماما منذ إبرام أعضاء «مجالس الصحوة» صفقة مساعدة القوات الأميركية مقابل الحصول على سلطة وأموال، لكن التهديد بمعاودة أعضاء المجالس الانضمام إلى حركة التمرد تصاعدت حدته مع مرور مزيد من الوقت دون توفير وظائف حكومية لهم. في هذا الصدد، أشار عادل المشهداني زعيم مجلس الصحوة في حي الفضل ببغداد، إلى أنه «حتى الآن، لم نحصل إلا على الوعود. وفي الوقت الذي لا تبدي الحكومة فيه استعدادها لدفع مالي كاف لهم للبقاء على قيد الحياة فحسب، فإن القاعدة والجماعات المسلحة على استعداد لإغداق المال عليهم». يُذكر أنه داخل حي الفضل انضم 12 من إجمالي 180 عضوا بمجلس الصحوة إلى قوات الشرطة. على الجانب الآخر، عقد الميجور جنرال مايك فيريتر نائب قائد العمليات بالقوات التي تقودها واشنطن، مؤتمرا صحافيا موجزا يوم السبت، أعلن خلاله أن «مجالس الصحوة» تشكل «الطليعة في عملية المصالحة»، مضيفا: «أتوقع إحراز النجاح». في الوقت ذاته، اعترف مايك بأنه في العام الماضي تم استيعاب 5,000 مقاتل فقط داخل قوات الأمن العراقية، غالبيتهم في قوات الشرطة. ويقل هذا العدد كثيرا عما تَعهّد به نوري المالكي، رئيس الوزراء، بضم 20% من أعضاء «مجالس الصحوة» داخل الشرطة. وكذلك، تعهد المالكي بحصول الـ80% الآخرين على وظائف داخل الوزارات الحكومية الأخرى. من ناحيته، أكد الجنرال فيريتر أنه لا يشعر بالقلق حيال تضاؤل أعداد من تم استيعابهم أعضاء «مجالس الصحوة» داخل الهيئات الحكومية حتى الآن، معربا عن اعتقاده أن جميع أعضاء المجالس البالغ عددهم 94,000 عضو سيحصلون على وظائف حكومية بحلول نهاية العام الجاري. وأضاف أنه حتى الآن وعدت وزارات الصحة والتعليم والنفط بتوفير فرص عمل لهم بمعدل 3,000 و10,000 و500 فرصة عمل على الترتيب.

إلا أن القلق يساور بعض المسؤولين الأميركيين الآخرين، نظرا إلى تردي الأوضاع المالية للحكومة العراقية بدرجة بالغة جراء انحسار أسعار النفط. على سبيل المثال، تساءل أحد المسؤولين الأميركيين العسكريين مطلع على البرنامج: «هل نعتقد حقا أن الحكومة العراقية ستضم إليها 100,000 موظف جديدا في وقت تتراجع فيه عائداتها؟»، ورفض المسؤول الكشف عن هويته لأنه غير مصرح له بالحديث إلى وسائل الإعلام.

واستطرد المسؤول موضحا أن «علينا إدراك أن الحكومة العراقية قد يتوافر لديها برنامج انتقالي خاص بها لجماعة أبناء العراق، لكن القاعدة وما شابهها من جماعات لديها برامج انتقالية خاصة بها لأبناء العراق». والمعروف للجميع أن الكثير ممن يتلقون أموالا أميركية حاليا كانوا في وقت مضى من المتمردين، وتحالف بعضهم مع تنظيم القاعدة في فترة ما. وقد قدمت واشنطن المال لهذه العناصر بهدف تحفيزهم على تغيير ولاءاتهم. وفي المقابل، تكبدت هذه العناصر ثمن ذلك، حيث لقي ما يزيد على 500 منهم حتفهم في أعمال القتال للتخلص من وجود القاعدة في الأحياء والقرى التي يتركزون بها خلال عامي 2007 و2008. والآن، لا تزال تلك العناصر ضحية للاغتيالات التي ينفذها متطرفون، كان آخرها يوم الاثنين عندما قتل زعيم مجلس الصحوة في أبو غريب. في هذا الإطار، قال الشيخ عواد الحربوصي، الذي فقد نجله ووالده وأربعة من أقاربه المقربين في القتال في مواجهة القاعدة: «يعتبرنا الجيش العراقي أعضاء في القاعدة، لا قادة مجالس الصحوة. لقد قدمنا التضحيات لطرد القاعدة، وهذا هو أسلوب تعبيرهم عن شكرهم لنا!». يذكر أن الحربوصي لا يزال يتولى قيادة مجلس الصحوة في مدينة تاجي، الواقعة إلى الشمال مباشرة من بغداد. وأضاف الحربوصي أن أعضاء مجلسه صوتوا يوم السبت حول الانسحاب من حركة الصحوة. وأكد أن «في هذا رسالة إلى رئيس الوزراء»، منوها إلى أن مثل هذه الخطوة لا تزال رمزية فحسب حتى الآن. من جانبها، أعلنت المؤسسة العسكرية الأميركية أن 164 عضوا فقط من جماعة «أبناء العراق» ألقي القبض عليهم العام الماضي. واستطرد الكولونيل جيفري كولماير، الذي يتولى إدارة البرنامج في ظل رئاسة فيريتر موضحا أن «ذلك الأمر جاء لأسباب وجيهة بالنسبة إلى الكثيرين منهم». إلا أن أعضاء حركة مجالس الصحوة اشتكوا من أن العدد الحقيقي أكبر من ذلك بكثير. وأكد محمود عبد الله الجبوري، رئيس الشؤون الأمنية داخل مجلس الصحوة بضاحية مدائن، أنه صدرت أوامر بإلقاء القبض على المئات من أعضاء مجلس الصحوة داخل ضاحيته، بما في ذلك هو شخصيا. يذكر أننا ألقينا اللقاء معه عبر الهاتف. والواضح أن أعضاء حركة الصحوة لديهم دوافع عملية قوية لسعيهم للحصول على وظائف حكومية، حيث تتراوح أجورهم حاليا بين 250 و300 دولار، ما يعادل أقل من نصف ما يتقاضاه ضباط الشرطة والجنود. يذكر أن ضباط الشرطة يتقاضون 600 دولار شهريا، بينما يتقاضى الجنود نحو 750 دولارا، بخلاف مزايا مالية أخرى. حتى هذه الأجور الهزيلة غالبا ما تأتي متأخرة عن موعدها. على سبيل المثال، من بين سبعة مجالس صحوة تم التعاقد معها في ديالى وبغداد، حيث يتولى الجيش العراقي دفع أجور أعضاء الميليشيات، أشارت ستة إلى تأخر تسلمها رواتبها لفترة تصل إلى شهرين.

من جانبه، قال مسؤول بالحكومة العراقية إن مشكلة دفع الرواتب مؤقتة وهي ناتجة عن التأخر في إقرار ميزانية جديدة. وشدد زهير الجلبي، عضو لجنة المصالحة التابعة لمكتب رئيس الوزراء، على أن «الحكومة العراقية ستتعامل بصدق مع (مجالس الصحوة)». أما المسؤول الأميركي فألقى باللوم على «تخبطات بيروقراطية» في ما يخص التأخر في دفع الرواتب. وأضاف أن:"«ناك مشكلات، لكنها لم تصل إلى كارثة بعد».

* خدمة «نيويورك تايمز»