باريس تقرر دفع تعويضات لضحايا التجارب النووية بعد 13 عاما

الجزائر لا تعرف عدد ضحاياها من الإشعاعات.. وتلمح إلى وجود الآلاف

TT

أعلنت فرنسا انها ستدفع تعويضات ضحايا تجاربها النووية في الجزائر وفي منطقة بولينيزيا الفرنسية الواقعة في المحيط الهادئ، والتي أجرتها ما بين عامي 1960 و 1996، بعد سنوات من الجدل ورفض فرنسا الاعتراف بأنها تسببت بأضرار جسدية لعشرات الآلاف من الأشخاص.

وقبلت الحكومة الفرنسية أن تقدم مشروع قانون لمجلس النواب ينص على تعويض ضحايا هذه التجارب، والتي قدرها وزير الدفاع هيرفيه موران بـ 150 ألف شخص من المدنيين والعسكريين الذين عملوا للبرنامج النووي الفرنسي، اضافة إلى السكان الذين طالتهم الإشعاعات النووية زمن التجارب.

وما بين العامين المذكورين، اجرت فرنسا 210 تجارب نووية آخرها في عام 1996 بعد انتخاب جاك شيراك رئيسا للجمهورية. وكانت «حصة» الجزائر يوم كانت مستعمرة فرنسية منها 17 تجربة، منها أربع تجارب في الجو و 13 تجربة تحت الأرض. وقال موران في مؤتمر صحافي أمس وأيضا في حديث لصحيفة «لو فيغارو» اليمينية، إن وزارته سترصد مبلغ 10 ملايين يورو كتعويضات للعام الأول. ورغم أن العدد «النظري» للذين قد يحق لهم الحصول على تعويضات من الحكومة الفرنسية غير معروف، فإن الوزير الفرنسي سارع الى القول إن التعويضات ستطال «عدة مئات» من الأشخاص. ولم يوضح موران الأسباب التي تجعله يعطي هذا الرقم المتدني، علما أن 30 ألفا من العسكريين والمدنيين شاركوا مباشرة في التجارب، و150 ألفا كانوا على علاقة بها بشكل عام. أما عدد السكان المحليين في الجزائر وبولينيزيا الفرنسية، فغير معروف. واستقلت الجزائر عن فرنسا في عام 1962.

واعتبر موران أنه «حان الوقت» لفرنسا أن تغلق هذا الملف بعد 13 عاما من انتهاء تجاربها النووية من أجل أن «تعيش بسلام مع نفسها». ووصف الوزير الفرنسي مشروع القانون الذي سيقدم الى البرلمان قبل نهاية الفصل الثاني من العام الجاري، بأنه «عادل»، وأن وزارته ستعمل بـ«شفافية». وبرر تأخر فرنسا في تعويض ضحايا تجاربها بأسباب «دفاعية» ومن أجل «حماية قوة الردع النووية الوطنية». وفي إطار الإجراءات، أشار موران الى أنه كلف لجنة علمية يرأسها قاض ستعهد اليها مهمة النظر في الطلبات خلال فترة ستة أشهر، وأن وزارته تبنت من حيث المبدأ 18 عارضا مرضيا للتعرض للإشعاعات النووية التي يمكن للمطالبين التقدم على أساسها بطلب التعويض. وكشف أن وزارة الدفاع قبلت فتح الأرشيف الخاص بالتجارب النووية وظروف إجرائها الجوي منها وما تحت الأرض. وأعلن أنه كلف شخصيتين علميتين من الصف الأول، للنظر في المعطيات المفرج عنها وتقديم تقرير اليه قبل نهاية العام الجاري، ما يعني أن دفع التعويضات لن يتم قبل حلول العام القادم. وفي الجزائر، قال مصدر بوزارة المجاهدين ان السلطات لم تحص عدد ضحايا التجارب النووية التي أجراها الاستعمار الفرنسي بالجزائر في ستينات القرن الماضي. وأوضح المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة الفرنسية لم تطلب من نظيرتها الجزائرية تمكينها بمعطيات عن ضحايا تجارب الذرة، للاستعانة بها في تحديد وإحصاء الأشخاص المعنيين بالتعويض.

وقال سعيد عبادو أمين عام «منظمة المجاهدين»، المهتم بملف التعويض، في اتصال مع «الشرق الاوسط»، إن عدد الضحايا غير معروف «لكنهم يعدون بالآلاف». وأضاف: «نحن لا نطالب فرنسا بتعويض الأشخاص الذين تضرروا بفعل الإشعاعات النووية فقط، وإنما أيضا تعويض الدولة الجزائرية عن الضرر الذي لحق بالأراضي الفلاحية والموارد المائية، جراء هذه التجارب».

وأضاف عبادو الذي يتابع الملف عن كثب منذ أن كان وزيرا للمجاهدين عام 1996: «إن منظمتنا مستعدة للتعاون مع الفرنسيين في التحضير للملفات الخاصة بالتعويض، في إطار القانون الذي يتم الإعداد له، لكننا متأكدون من أن فرنسا تملك كل الوثائق التي تعطي فكرة دقيقة عن الأشخاص المؤهلين للحصول على التعويض المادي». ودعا إلى «تنسيق وثيق بين الدولتين حتى لا يتم إغفال أي شخص معني بالتعويض سواء كان بعينه، أو تعلق الأمر بأبنائه وأحفاده».

يشار إلى أن فرنسا أجرت أربع تجارب فوق السطح و13 تجربة باطنية. وتمت هذه التجارب عام 1960 في صحراء رقان بولاية أدرار (1700 كلم جنوب العاصمة)، وفي عين إيكر بولاية تمنراست (1900 كلم جنوب العاصمة). ويقول عبادو إن الفرنسيين «تعمدوا اقتراف جريمة ضد كل كائن حي في مناطق التجارب، لأنهم كانوا يعلمون أن أشخاصا يسكنون بها وأرضا فلاحية وحيوانات وموارد مائية توجد بها، لهذا من حقنا أن نلاحق مسؤوليهم في المحاكم الدولية».

ويسعى عدد قليل من ضحايا التجارب ينحدرون من رقان، إلى طلب التعويض منذ سنتين. وكلفوا المحامية المعروفة فاطمة بن براهم بالقيام بالإجراءات اللازمة. وتذكر المحامية أنها تتعاون مع محامين فرنسيين لمساعدتها على تكوين ملفات تتضمن أدلة على تعرض هؤلاء الأشخاص لأضرار صحية بسبب الإشعاعات النووية.

وخلال سنوات طويلة، حاولت جمعيات عديدة الضغط على الحكومة لفتح ملف التعويضات، ولكن دون نتيجة. وقال ميشال فيرجيه، رئيس جمعية قدامى التجارب النووية الفرنسية إنه «ثمة نقاط يتعين توضيحها» في مشروع القانون الحكومي، وإن المهمة تقع على عاتق النواب الفرنسيين لدى نقل المشروع الى البرلمان.