لغة العنف خفت بين الصرب.. بعد 10 سنوات من قصف الناتو

السياسيون لا يزالون ينتقدون حربا «لم تعلن» عليهم والمواطنون منشغلون عن «صربيا الكبرى»

TT

لف السواد صربيا أمس ودوت صفارات الانذار في بلغراد وعدد من المدن الصربية، وأضاء الصرب الشموع في الذكرى العاشرة لقصف قوات الناتو بلادهم لمدة 78 يوما، لوقف الحرب التي شنها الجيش الصربي، الذي يمثل الاكثرية الصربية من المسيحيين الارثوذوكس، ضد الالبان، وهم من الاقلية المسلمة. وخلف القصف حينها أكثر من ثلاثة آلاف قتيل وآلاف الجرحى، اضافة الى خسائر قدرت بنحو 30 مليار دولار. ومن بين القتلى كان هناك 1002 جندي وشرطي و2500 مدني، بينهم 89 طفلا، بينما جرح 12.500 شخص. وبالامس، اتشحت نساء بلغراد من مختلف الأعمار بالسواد. وهن يجبن شوارع العاصمة وعدد من البلدات الأخرى التي قصفت مرافقها الحيوية ولا سيما الجسور والمراكز الاعلامية، كمبنى الاذاعة والتلفزيون في بلغراد، والذي قضى تحت أنقاضه العشرات من العاملين والمواطنين. لا أحد يتكلم حيث الصمت يسود الأمكنة. ومع ذلك، فان الشارع الصربي لم يعد مهتما كثيرا بمشروع صربيا الكبرى التي شن لأجلها رئيس صربيا حينها سلوبودان ميلوسوفيتش حربا في البلقان. وكان أسفر تدخل الحلف الأطلسي عن إخضاع كوسوفو لإدارة دولية، ومهد الطريق بصورة فعالة أمام انفصال كوسوفو التي كانت حتى ذلك الوقت إقليما صربيا يقطنه أغلبية ألبانية عرقية. وتفيد استطلاعات الرأي الحديثة، بأن 78 في المائة من الصرب يعتقدون جازمين أنهم خسروا كوسوفو. فالأزمة الاقتصادية وخيبة الأمل في توحيد صرب البلقان في دولة واحدة، أثرتا على توجهات الرأي العام الذي أصبح همه الأول البحث عن مورد رزق والتطلع لآفاق أرحب خارج صربيا. وقد كشف استطلاع نشر مؤخرا في صربيا، أن 81 بالمائة يرغبون بإلغاء تأشيرة الدخول إلى الاتحاد الاوروبي، و47 بالمائة يؤيدون تسليم المتهمين بارتكاب جرائم حرب إلى محكمة لاهاي. وكانت هذه النسبة صفرا قبل بضع سنوات. تحولات كثيرة تشهدها صربيا بعد عشر سنوات على انتهاء الحرب العرقية، بدءا من التحدي إلى البحث عن نقاط التقاء مع الناتو والاتحاد الاوروبي، وصولا الى البحث عن الادانة والتعويض إلى طلب المساعدة والمقايضة.

مارا، وهي امرأة في الستينات من عمرها، كانت ترتدي الاسود وتحمل صورة لابنها الذي قتل يوم 24 مارس (آذار) 1999 أثناء قصف الناتو للعاصمة بلغراد. قالت إنها تريد تعويضا عن خسارتها لابنها، كتعويض لوكربي. ولكن لغة القوة خفت في بلغراد، فلم يعد أحد يتحدث عن الحرب، ما عدا أقلية لا وزن لها شعبيا. فقد جربت صربيا الحرب وخرجت منها أصغر مما كانت. فقدت مساحات كبيرة منها 15 في المائة في كوسوفو، وقبلها الجبل الأسود (مونتينيغرو) التي استقلت عنها في عام 2006. ولم يعد لها أي تأثير على صرب كرواتيا. وتحاول عبثا إبقاء موقع قدم لها في كوسوفو. لكنها حاضرة بقوة لدى صرب البوسنة، وتمنّي نفسها بإعادة تقسيم المنطقة بما يمكنها من تعويض خسائرها الجيو ديمغرافية. ولكن السياسيين الصرب لا يزالون ينتقدون هجوم الناتو على بلادهم، وان توقفوا عن استخدام لغة القوة والتهديد واستبدلوها بلغة الاخلاق، اذ قال رئيس الوزراء الصربي ميركو سفاتكوفيتش: «لقد انتصر الشر في هذا اليوم». وقالت صحيفة بليتش اليومية في تقرير لها إن «الصرب واجهوا القنابل فيما حصل الألبان على دولة». وتعتبر بلغراد أن الناتو انتهك القوانين الدولية عندما بادر بالهجوم دون تفويض من الأمم المتحدة وقصف أهدافا مدنية واستخدم أسلحة مثيرة للجدل، وأنه كان متحيزا للألبان. وكتبت صحيفة «بليتش» في عنوان لها: «عقد من الجريمة ضد صربيا»، في حين تحدثت صحيفة «بوليتيكا» عن «قصف لم يعلن حربا قط». ولكن في المقابل، اعتبر رئيس وزراء كوسوفو بأن يوم بدء القصف على بلغراد كان «يوما مشهودا في تاريخ الديمقراطية في العالم»، وأن «شعب كوسوفو لن ينسى الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة وحلف الناتو من أجل حريته واستقلاله».