مسؤولون أميركيون وعراقيون وشهود عيان: هدوء بغداد مرده إلى الخوف.. وتقسيمها طائفيا

أجزاء من العاصمة تبدو كمدن أشباح.. وعبارة «فاصل ونعود ــ جيش الإمام المهدي» تنتظر المهجرين العائدين

عراقية تجلس أمام منزلها في مدينة الحرية ببغداد (أ.ب)
TT

فيما تبدو شوارع بغداد الآن أهدأ مما مضى وتوقف القتال الطائفي في العديد من أحيائها إلا أن هذا لا يعني عودة الحياة إلى طبيعتها في العاصمة العراقية. فالخوف هو الذي يحفظ السلام في المدينة. ولم تعد إلى ديارها سوى 16 في المائة فقط من العائلات السنية التي هجرتها الميليشيات الشيعية وفرق الموت كما تبدو بعض أجزاء من ضواحي بغداد وكأنها مدن أشباح. وقد تجد تلك الأسر التي تجرأت على العودة تهديدات مكتوبة على الجدران وغيرها من أشكال التهديد. ومن ذلك عبارة «(فاصل ونعود / جيش الإمام المهدي»، على غرار العبارات التي تسبق الدعايات التلفزيونية. وقال أحد سكان مدينة الحرية لـ«الشرق الأوسط» إن هذه العبارة ربما ردعت بعض المهجرين عن العودة خوفا من عودة الميليشيات المسلحة «التي لم يعد لها وجود أصلا بعد ان سيطرت القوات الامنية على المنطقة».

وحسب تقرير لوكالة «أسوشييتد برس» يؤيد القادة العسكريون الأميركيون على الأرض النتائج التي خلصت اليها الوكالة والمستندة على الإحصاءات ومقابلات مع المسؤولين الأميركيين والعراقيين ووجهاء بغداد في الأسابيع الأخيرة. وكل هذه النتائج تشير إلى احتمال تجدد الاضطرابات مستقبلا. وقد أصبحت بغداد أكثر هدوءا منذ المذابح التي وصلت إلى ذروتها في أواخر عام 2006 وأوائل عام 2007. لكن هذا الهدوء يعود بصورة جزئية إلى أن المدينة الآن قد أصبحت مقسمة طائفيا. وقد غلب عليها الشيعة وهرب منها أعداد كبيرة من السنة. ويقول خوان كول وهو خبير أميركي بارز في الشأن العراقي: «لقد تحولت بغداد من مدينة مزدوجة الأطياف حيث كان نصف سكانها من الشيعة والنصف الآخر من السنة في عام 2003، إلى مدينة شيعية تصل فيها نسبة السنة إلى 10 أو 15 في المائة».

وقد ترك محمد عبد الرزاق وهو موظف حكومي، بيته في منطقة الجهاد غرب بغداد، واتجه إلى الأميرية التي تقطنها غالبية سنية بعد أن هددته الميليشيات الشيعية بالقتل. وقد طردت الشرطة العراقية تلك الفرق التي احتلت بيته في العام الماضي، لكنه لا ينوي الرجوع إليه. ويقول عبد الرزاق: «إن الوضع الأمني ما زال هشا. وقد اضطررت إلى الهرب مرة، ويمكن أن يحدث ذلك مرة أخرى. وفي المرة التالية سوف يقتلونني».

وما يدعو إلى الدهشة هو أن التقسيم الطائفي يبقى على الرغم من أن القوات العراقية والأميركية قد طردت المسلحين من الشوارع. ويعني ذلك أن السنة ما زالوا لا يثقون في قدرة الحكومة العراقية على حمايتهم على المدى البعيد. ومن شأن انعدام هذه الثقة أن يزرع بذور القتال والعنف في المستقبل، لا سيما مع بدء انسحاب القوات الأميركية هذا العام.

ويقول الكابتن ناثان وليمز وهو قائد أميركي في منطقة الحرية شمال بغداد، الذي رأى أفظع صور إراقة الدماء: «هناك احتمال كبير بالقطع لعودة العنف الطائفي مرة أخرى. ونحن نعتقد أنه إذا بدأ في الحرية فإنه سوف ينتشر إلى بقية أنحاء المدينة».

وهناك أمل بعيد لاستعادة بغداد لشخصيتها التقليدية كمدينة يعيش فيها الشعب معا في سلام بغض النظر عن الدين أو الطائفة. ومن بين الإحصاءات التي جمعتها «الأسوشييتد برس»: نحو 50.000 عائلة من بين 300.000 عائلة فقط، هي التي رجعت إلى ديارها في بغداد، وهو عدد يمثل 16 في المائة، حسبما أفاد الجيش الأميركي. ويعتقد بأن معظم هؤلاء من السنة. أيضا أدى العنف إلى إخلاء مناطق من المدينة، لا سيما في الجانب الغربي الذي تقطنه أغلبية سنية. وفي العامرية، على سبيل المثال، فإن 100 إلى 252 عائلة شيعية قد رجعت. كما أن نحو ذلك العدد، أي 250 عائلة، كانت قد تركت منطقة الخضراء، وهي منطقة أخرى غرب بغداد، وقد رجع 70 عائلة منها فقط.

ويعتقد على نطاق واسع بأن الجماعات المسلحة الشيعية التي قادت الهجمات على السنة، قد انتصرت في الصراع الطائفي بالعاصمة. وقد هرب السنة الذين كانوا يتمتعون بأوضاع اقتصادية أفضل من الشيعة، إلى الأردن أو سورية. وقد منحت هذه الأوضاع بغداد شخصية شيعية تتضح معالمها أكثر خلال المناسبات الدينية الخاصة بهم، حيث ترتفع الرايات الشيعية التقليدية في معظم أرجاء المدينة. وفي الحرية، ما زالت هناك علامات على التقسيم العرقي. فمعظم المساجد السنية البالغ عددها 18 مسجدا، إما مقفلة أو مدمرة. وبعضها يستخدم الآن كملاجئ لنوم القوات العراقية، وقد تحولت الغرف الملحقة بالمساجد إلى مكاتب لهذه القوات. ولكن في إشارة تبعث على الأمل، فإن بعض السنة العائدين إلى الحرية وغيرها من مناطق بغداد يقولون إن جيرانهم من الشيعة قد رحبوا بهم بعد طول غياب. ويقول باسم محمود وهو أب لطفلين يبلغ من العمر 35 عاما، وهو يجلس خارج بيته في الحرية إلى جوار والدته: «لقد قالوا إنهم لم يستطيعوا فعل شيء لمساعدتنا عندما جاء جيش المهدي لطردنا. وقالوا إنهم كانوا يخشون على حياتهم إذا حاولوا مساعدتنا». ويقول عمر الجبوري وهو سائق تاكسي وأب لثلاثة أطفال إن جيرانه من الشيعة في منطقة الدورة غرب بغداد قد ساعدوه على ترميم منزله المهدم عندما رجع إليه من شهر مضى. ويقول: «لقد كانوا يوفرون لنا الطعام على مدار أسبوع كامل بعد عودتنا».