شهر عسل فرنسي ـ عراقي بعد سنوات القطيعة والجفاء

وزيران عراقيان في فرنسا ورئيس الحكومة الفرنسية في بغداد في مايو القادم

TT

يقوم وزيران عراقيان في وقت واحد بزيارتين منفصلتين إلى فرنسا: الأول هو وزير النفط الدكتور حسين الشهرستاني، الذي يصطحب وفدا كبيرا يمثل عشر وزارات عراقية، جاء إلى فرنسا بمناسبة انعقاد اللجنة المشتركة بين البلدين التي لم تجتمع منذ سنوات. وسيشارك الشهرستاني، الأسبوع المقبل في مؤتمر النفط والغاز الذي يلتئم سنويا في الربيع، وتشارك في تنظيمه مجلة «بترو ـ ستراتيجي» النفطية الفرنسية. وشكلت زيارة الوفد العراقي مناسبة لعقد عشرات اللقاءات مع الشركات الفرنسية المعنية بالسوق العراقية و بفرصه الواعدة. أما الوزير الثاني فهو وزير الدفاع عبد القادر العبيدي مع وفد من وزارته الذي من المقرر أن يبقى أربعة أيام في فرنسا يلتقي خلالها وزير الدفاع الفرنسي هيرفيه موران والمسؤولين في الشركات الفرنسية الفاعلة في الحقل الدفاعي والعسكري ويطلع أيضا على عدد من الإنشاءات والصناعات والخدمات العسكرية الفرنسية. وجدير بالذكر أن بغداد وقعت قبل أسابيع مع شركة «يوروكوبتير» التي تصنع الطوافات المدنية والعسكرية «تايغر، غازيل، بوما»، وغيرها، عقدا مهما ينص على تسليم العراق عددا من هذه الطوافات. والأهم أن هذا العقد هو الأول من نوعه بين باريس وبغداد.

وشكلت الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى بغداد في شهر فبراير(شباط) الماضي أهم وأقوى إشارة لرغبة فرنسية رسمية للعودة بقوة إلى العراق على كل الصعد السياسية والاقتصادية والتجارية والعسكرية. وجدير بالذكر أن العراق كان في السابق أحد أهم مستوردي المعدات والأسلحة والسلع الفرنسية قبل أن تنقطع هذه العلاقة بسبب احتلال الرئيس السابق صدام حسين للكويت. وشاركت القوات الفرنسية عام 1991 في حرب تحرير الكويت. لكن فرنسا، برئاسة جاك شيراك، ناهضت مساعي واشنطن للاستحصال على قرار من مجلس الأمن لشن حرب على العراق بحجة امتلاكه لأسلحة دمار شامل. ووقفت ألمانيا وروسيا إلى جانب باريس التي تأثرت علاقاتها سلبا بواشنطن، وأدت إلى حملة تنديد إعلامية بباريس ومقاطعة عدد من البضائع الفرنسية. ولم تعد العلاقة إلى سابق عهدها إلا في عام 2005 حيث عملت باريس وواشنطن معا لإخراج الجيش السوري من لبنان. وبعد الحرب، كانت فرنسا إحدى الدول الغربية القلائل التي تطالب دوريا بروزنامة خروج القوات الأميركية من العراق. لكن باريس صوتت دائما لصالح القرارات الدولية التي مددت لانتداب القوات الدولية في العراق. والآن تشهد العلاقات الفرنسية ـ العراقية شهر عسل حقيقي، يعكسه تكاثر الزيارات الرسمية المتبادلة. وعلى هذا الصعيد، هناك محطتان رئيسيتان. الأولى تتمثل بالزيارة المنتظرة التي سيقوم بها نائب رئيس الجمهورية العراقي عادل عبد المهدي إلى فرنسا الشهر المقبل. وسيلي ذلك في شهر مايو (أيار) زيارة لرئيس الحكومة الفرنسية فرنسوا فيون بمعية وفد وزاري، ومن رجال الأعمال إلى بغداد، ترجمةً لمطلب الرئيس ساركوزي بالذهاب إلى العراق وتشجيع الشركات الفرنسية للتخلي عن موقف «المتفرج» والاهتمام بالسوق العراقية «الآن وقبل فوات الأوان»..

وقالت مصادر رسمية فرنسية لـ«الشرق الأوسط» إن وزير الخارجية برنار كوشنير «لعب دورا مؤثرا» في إقناع ساركوزي بزيارة بغداد. وسبق للوزير الفرنسي أن زار العراق مرتين بمفرده في أغسطس (آب) 2007، ويونيو (حزيران) 2008. وترى المصادر الفرنسية أنه كان من الضروري «إغلاق ملف الحرب الأميركية في العراق نهائيا وفتح صفحة جديدة» خصوصا بعد أن توصلت بغداد وواشنطن إلى اتفاق خروج القوات الأميركية من العراق ووصول رئيس أميركي جديد (باراك أوباما» أكثر استعجالا على الانسحاب من الإدارة السابقة. وتؤكد المصادر الفرنسية أن التقارب مع بغداد «يستجيب لرغبة الجانبين الفرنسي والعراقي». وإذا كانت باريس «تريد العودة إلى بلد رئيسي في الخليج يمثل ثالث احتياطي نفطي وله حاجات كبيرة في البنى التحتية والتجهيزات والخدمات والدفاع» فإن بغداد «لا تريد أن تبقى في خلوة» مع أميركا بل تريد «تنويع علاقاتها والانفتاح على أكثر من طرف» دولي وخصوصا على فرنسا. وتنظر باريس كما قالت مصادرها لـ«الشرق الأوسط» بـ«إيجابية» للدور الذي يلعبه رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي الذي نجح في كسر شوكة المتطرفين وحقق إنجازات أمنية حقيقية، وخصوصا أنه «بدأ بمد جسور تتخطى الحواجز الطائفية» الداخلية. وأكثر من ذلك، تكيل باريس المديح للمالكي الذي «يعرف كيف يسير قاربه بين ضغوط أميركية من جهة وإيرانية من جهة أخرى». وذهبت باريس إلى حد دعوة دول عربية لـ«النظر بعين جديدة» للتطورات الحاصلة في العراق ولإعادة وصل ما انقطع مع بغداد، نافية بقوة أن تكون الحكومة العراقية «تحت الهيمنة الإيرانية». ومن المنتظر أن يأتي المالكي إلى فرنسا في الخريف القادم. لكن حتى الآن ليس هناك تاريخ نهائي لهذه الزيارة. وأبعد من ذلك، تقول مصادر سياسية في فرنسا إن الانفتاح على العراق هو «مساهمة فرنسية لمساعدة الرئيس أوباما للخروج من العراق» مثلما أن فرنسا تساعده للتعاطي مع الملف الأفغاني. وخلال زيارته إلى بغداد وعد ساركوزي المالكي بـ«تعاون غير محدود» وفي كل الميادين، مما يعني أن ثمة طريقا واسعة مفتوحة أمام الجانبين للعمل معا.