القائد العسكري العراقي في كركوك يثير في نفوس الأكراد ذكريات عهد صدام

المالكي يعيد اللواء الزيدي إلى حيث خدم في تسعينات القرن الماضي

اللواء عبد الأمير الزيدي لا يرى مبرراً لوجود قوات البيشمركة خارج حدود إقليم كردستان («لوس أنجليس تايمز»)
TT

كان هذا الضابط برتبة لواء ذو الابتسامة البسيطة هنا من قبل، فقبل ما يزيد على عقد من الزمان بقليل، أرسله صدام حسين إلى كركوك. ويضحك اللواء عبد الأمير الزيدي على كل الشائعات التي انتشرت في كركوك عنه، خاصة تلك القائلة بأنه على صلة قرابة برئيس الوزراء نوري المالكي الذي كلفه قيادة فرقة الجيش الجديدة ذات القيادة العربية بعد أن سحب الفرقة الرابعة الكردية من هناك في يوليو (تموز). ويعد الزيدي حازمًا بشأن ما تنوي الحكومة فعله، وهو ما يتمثل في إزالة القوات الكردية ـ المعروفة باسم البيشمركة ـ من تلك المحافظة المحتدم عليها النزاع بشدة والتي تحوي 13% من احتياطيات النفط العراقي، وتتاخم حدود كردستان المتمتعة بالحكم الذاتي. ويشير اللواء إلى أنه قد آن الأوان لرحيل البيشمركة عن المناطق الشمالية من المحافظة، وهذا رغم قوله إن رحيلهم سيكون نتيجة للمفاوضات. وتساءل قائلاً: «ما هو المغزى من وجود (البيشمركة) خارج حدود كردستان؟ عندما يقومون بذلك، فإنهم يصبحون مجرد ميليشيا تحمل أسلحة». ومن المعروف أن الأكراد كانوا يقودون الفرقة العسكرية القديمة، أما قوة الجيش التابعة للزيدي، والبالغ قوامها 13,000 فإن 75% منها من العرب. وفي شهوره الثمانية الأولى في كركوك، بدأ الجيش العراقي في مراقبة التخوم الشمالية للمحافظة حيث تتمركز قوات البيشمركة. ويحدث كل هذا في غياب أية مؤشرات على توصل الحكومة الإقليمية الكردية إلى تسوية عبر التفاوض مع بغداد بشأن وضع كركوك. وما لم يتم التوصل إلى تسوية يبقى احتمال تأجج صراع عربي ـ كردي جديد، ربما قريبًا.

ولإدراكه مخاطر حدوث هذا، زاد الجيش الأميركي من تواجده في كركوك من كتيبة إلى لواء مقاتل. ومنذ وصول الفرقة الـ12 العراقية، تدخل الأميركيون فعليًا لاحتواء التوتر. ويقول الجنرال روبرت كاسلين ـ القائد الأميركي في شمال العراق ـ إن جنوده استطاعوا تلطيف أجواء الانفعال هناك، وأرسوا قنوات اتصال بين الجانبين. ورغم هذه الإنجازات، إلا أنه يقول إنه مازالت هناك خطورة من أن يفتح أحد الجانبين النار على الآخر. وأوضح: «هذا الوضع الراهن هنا هو الأكثر خطورة على مجريات الأحداث بالنسبة للعراق في المستقبل القريب. من المهم للغاية أن يتفهم العراق هذا الأمر على النحو الصحيح. وما لم نفعل ذلك، قد يحدث قدر كبير من التغيير لكل ما أنجزناه على مدار العامين الماضيين في لحظة نتيجة لشيء ما سار على النحو الخاطئ في تلك المناطق على وجه الخصوص».

وبالنسبة للأكراد، يعتبر الزيدي رمزًا لكل ما يغضب في علاقتهم مع المالكي، إذ يمثل الزيدي بقبعته العسكرية السوداء المستديرة وردائه العسكري زيتوني اللون، النظام القديم بالنسبة لهم، كما أنه كان رمزًا منخرطًا بصورة كبيرة في تاريخ الصراع بين الأكراد والعرب. وبدورهم، التف القادة العرب حول اللواء الزيدي، بل إنهم ينظرون إليه على أنه يمثل نفوذًا مقابلاً لنفوذ البيشمركة. كما امتدح الأميركيون الزيدي على تحركه الحذر، حيث أنه وسع دور الجيش في المناطق الكردية. ويقول كاسلين: «إنه يدرك أن كل خطوة يخطوها بحاجة إلى التفاوض». وقبل أيام جلس اللواء الزيدي على كرسي في مكتبه، ودخن العديد من السجائر، ثم أطلق ضحكة مجلجلة على الشائعات المنتشرة، حيث يقول الأكراد إن الأميركيين سجنوه بعد الحرب، ثم أُطلق سراحه بعد ذلك. ويقول آخرون إنه شارك عندما كان صغيرًا في حملة الأنفال خلال فترة الثمانينات الموجهة ضد الأكراد، وهو ما ينفيه تمامًا. إلا أن تلك الشائعة القائلة بأنه على صلة قرابة بالمالكي كانت أكثر ما راق له على وجه الخصوص. وقال الزيدي بابتهاج: «سيشرفني أن أكون قريبًا للمالكي». وزعم الزيدي بأنه يتمتع بعلاقات جيدة مع أكبر زعيمين كرديين وهما رئيس الجمهورية جلال طالباني، ومسعود بارزاني. وأحضر أحد حراسه صورتين له معهما إحداهما يظهر فيها الزيدي وهو يبتسم ابتسامة عريضة، فيما يظهر في الأخرى مقتضبًا. إلا أن كلمات الزيدي كشفت عن توترات بينه وبين الأكراد. وكرر مرات عدة أن القوات الكردية لا يجب أن تكون نشطة في القطاعات الشمالية من كركوك، المتاخمة لكردستان، وأكد «هذا خارج سلطاتهم. وسنقول لهم، شكرًا لجهودكم، لقد أديتم واجبكم. وعودوا أدراجكم إلى كردستان». وقاوم الزيدي ـ ذو الخبرة البالغة 35 عامًا داخل الجيش ـ ومساعداه ـ أحدهما تركماني، والآخر كردي ـ الاتهامات التي لطخت أسماءهم بسبب علاقتهم بالنظام السابق، فضلاً عن أنهم لا يجدون أي مبرر للاعتذار عن خدمتهم في كركوك خلال فترة التسعينات. ويقول الزيدي إنه كان يقود الجنود في مهام التدريب، لكن سكان البلدات الواقعة شمال كركوك مازالوا يسردون ويتذكرون الروايات السابقة عن الجيش، والتي تأتي على غرار ضرب الجنود للأكراد بسبب تهريب البضائع من كردستان، واعتقال آخرين لقيادتهم سياراتهم بالقرب من القواعد العسكرية، واعتقال البعض فقط لنظرهم إلى جندي في المدينة. ويتحدث المسؤولون الأكراد بصورة سيئة عن نوايا الزيدي، إذ أشار جبار ياور ـ وكيل وزير البيشمركة في حكومة إقليم كردستان ـ إلى خريطة موضحة عليها قواعد تعود إلى عهد صدام حسين، وأوضح أن الزيدي والمالكي يرغبان في إعادة إنشائها من جديد. ويعتري ياور القلق بأن كلا الجانبين سيشرع في خداع وإثارة الآخر بمجرد أن يبدأ الأميركيون في الانسحاب. وأوضح أنه إذا نشب القتال من جديد، فستتفتت فرق الجيش العراقي إلى مكوناتها العرقية وسيوجه الجنود أسلحتهم كل تجاه الآخر. وحذر «إذا أطلقت رصاصة في المنطقة، فمن الممكن أن تشعل نارًا».

* خدمة: «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»