كابل: أميركا تتولى زمام الأمور.. وعدد القوات الأجنبية سيصل إلى 90 ألفاً

إيران تؤكد مشاركتها في المؤتمر الدولي حول أفغانستان ضمن حل إقليمي للأزمة

أفغاني ينظر إلى جندي من البحرية الأميركية خلال تفقده شوارع مدينة موسى قلعة التي كانت تسيطر عليها حركة طالبان في جنوب أفغانستان (رويترز)
TT

بعد سنوات من التعاون مع الناتو، الذي طالما اتسم بالتوتر والاستياء بسبب عدم اقتسام الأعباء، تتولى الولايات المتحدة دون تردد زمام أمور الحرب الأفغانية. ومن شأن قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما بنشر 17.000 جندي أميركي إضافي في أفغانستان هذا العام، أن يرفع عدد القوات الأجنبية هناك إلى قرابة 90.000، أكثر من ثلثهم من الأميركيين. ورغم أن الكثير من تلك القوات سيقدم تقاريره بصورة فنية إلى قادة الناتو، إلا أن مسؤوليات القوات الأميركية ستكون متزايدة بصورة مطردة. وحسبما أفاد مسؤولون في الإدارة الأميركية، فمع توسيع الجيش الأميركي لمدى سيطرته ميدانيًا، سيرافق هذا التوسع أيضًا زيادة في عدد المسؤولين المدنيين بحوالي 50% على الأقل ـ ليصل العدد إلى زهاء 900 مسؤول، وهذا ضمن الاستراتيجية الأفغانية الباكستانية الجديدة المنتظر أن يعلن الرئيس أوباما عنها غداً. ويخطط الدبلوماسيون الأميركيون وخبراء التطوير أن يتوسعوا في المناطق الغربية والشمالية الآمنة نسبيًا في أفغانستان، المعهود بها حتى الآن إلى حكومات الدول الأخرى الأعضاء بحلف الناتو. وستحمل القيادة والموارد الأميركية الجديدة على عاتقها أيضًا القضايا الحرجة مثل جهود مكافحة المخدرات، ودعم وتقوية المؤسسات الحكومية المحلية. وتعتبر السياسة الأميركية في باكستان ـ التي تحتل النصيب الأكبر من الاستراتيجية الجديدة ـ أحادية إلى حد كبير. ومن المعروف أن الاتحاد الأوروبي يحظى بعلاقة تجارية ويقدم مساعدات مع إسلام أباد، إلا أن لدى القليل من الحكومات الأوربية صلة قوية بالأمور هناك. وأوضح مسؤول بارز سابق بوزارة الدفاع على دراية كبيرة بمجريات الأمور، قائلا: في أفغانستان ستستمر الإدارة «في وصف الجهود على أنها متعدد الجنسيات. وسيكون هناك الآلاف من الجنود والأفراد» سواء من الناتو أو أي مكان آخر. وأضاف: «ومع ذلك، سيتغير مركز الجاذبية تجاه الأميركيين». وأشار المسؤولون إلى أن فريق أوباما للأمن القومي تحمل متاعب التشاور مع الحلفاء، في الوقت الذي كانوا يضعون فيه الاستراتيجية مع بعضهم البعض. وسيؤكد إعلان واشنطن، والعرض الذي سيقدمه أوباما في قمة الناتو في الثالث والرابع من إبريل (نيسان)، والمزمع عقدها في أوربا، على التهديدات المحدقة المشتركة، والأهداف المشتركة. إلا أن الهيمنة الأميركية المتزايدة باتت حتمية سواء كان هذا مخططًا له أم لا، حيث تبين أن الولايات المتحدة لديها المزيد من القوات، والعتاد، والأموال ـ فضلاً عن المزيد من الرغبة في استخدام تلك الأشياء ـ مقارنة بباقي دول الناتو. وحتى قبل أن يتولى أوباما مهام منصبه، عمد روبرت غيتس ـ وزير الدفاع الذي كان يشغل المنصب ذاته خلال الإدارة السابقة ـ بصورة كبيرة إلى التخلي عن فكرة الضغط على الحلفاء لزيادة القوات المقاتلة، هذا إلى جانب وجود القليل من القيود على أنشطتهم التي يمارسونها. ورغم مطالبة الحكومات الأوروبية بإرسال أربع كتائب إضافية، يتراوح قوامها ما بين 800 ـ 1000 جندي لتعزيز الأمن تمهيدًا للانتخابات الأفغانية المزمع عقدها في شهر أغسطس (آب)، إلا أن هذه الزيادات من شأنها أن تكون زيادات مؤقتة. هذا، وتدرس بريطانيا ـ ثاني أكبر المشاركين في قوات حلف الناتو في أفغانستان بعدد 8000 جندي مقاتل ـ إذا ما كان بإمكانها إرسال المزيد من القوات عقب سحب قواتها من العراق هذا العام أم لا. فيما سمحت ألمانيا ـ ثالث أكبر المشاركين بقوات حلف الناتو في أفغانستان ـ بإرسال 4500 جندي، على الرغم من أنها منعتهم من مهام قتالية، وحصرتهم في بعض الأماكن. وتنشر فرنسا قرابة 3000 جندي من القوات غير مقيدة الصلاحيات والمهام. وتخطط هولندا لإنهاء مهام قواتها المقاتلة في أفغانستان والبالغ قوامها 1700 جندي في غضون العام المقبل، فيما ستسحب كندا قواتها البالغ عددها 2800 جندي بحلول عام 2011. ومع وصول القوات الجديدة هذا العام، سيزيد عدد القوات الأميركية على 55.000. وأفاد قائد القوات الأميركية في أفغانستان: «من الرائع أن يتواجد حلفاؤنا معنا هنا، إلا أننا ندرك أنه مع قرب الأوقات الحرجة ـ وهو ما يحدث حاليًا ـ يتعين علينا أن نكون من يتقدم لإنجاز المهمة». وها قد حانت اللحظة الحرجة بالفعل بالنسبة لأوباما، وذلك حسبما ورد في الكثير من التقييمات الاستخباراتية والدبلوماسية، والعسكرية المحذرة بأنه لم يتبق المزيد من الوقت إزاء تفاصيل التفاوض الدقيقة بشأن من سيفعل ماذا في أفغانستان. يُذكر أن هجمات طالبان والإصابات الحادثة لكل من القوات الأميركية وحلف الناتو ارتفعت العام الماضي إلى أعلى مستوياتها خلال الحرب ـ التي هي الآن في عامها الثامن ـ كما أن ثمة توقعاً بزيادة الأرقام خلال هذا العام. وأوضح المسؤول السابق بوزارة الدفاع: «هذه هي الحقيقة الجديدة، لقد حاولنا بصورة جوهرية السعي إلى تطبيق الطريقة اللامركزية، وفيها تتجه كل دولة إلى مباشرة العمل في منطقتها، وأن تفعل ما ترى أنه صواب. إلا أن هذا أخفق (في الوفاء بالتوقعات).. ونحن نرغب في أن يظل حلفاؤنا هناك، ولا نرغب في أن يخفق الناتو، ولكن حتى ينجح اضطرت الولايات المتحدة إلى تولى زمام الأمور». إلى ذلك أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، أن إيران ستشارك في المؤتمر الدولي حول أفغانستان المقرر عقده في 31 مارس (آذار) في لاهاي، بدون أن يحدد مستوى التمثيل. وقال حسن قشقوي «سنشارك في المؤتمر الدولي حول أفغانستان في لاهاي. لا أعرف بعد مستوى مشاركتنا، لكننا سنحضر إلى هناك». وينظم المؤتمر الدولي حول مستقبل أفغانستان في 31 مارس (آذار) في لاهاي برعاية الأمم المتحدة وبمشاركة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وممثلين عن دول جوار أفغانستان.

إلى ذلك أعلن مسؤول في حلف شمال الأطلسي أمس أن الحلف وإيران أجريا الأسبوع الماضي اتصالا هو الأول بينهما منذ قرابة 30 عاماً، حيث اتصل أحد الدبلوماسيين الإيرانيين بممثل للأمين العام للحلف. وقال مسؤولون مقربون من الناتو إن المؤتمر سيناقش دول الجوار الأفغاني. وسئل ما إذا كانت إيران تعتزم اغتنام هذه الفرصة لعقد لقاء بين دبلوماسيين إيرانيين وأميركيين، فامتنع عن الرد واكتفى بالقول إن المسألة غير مطروحة في الوقت الراهن. وفي لاهاي أكدت وزارة الخارجية أيضاً مشاركة إيران. ودعت الولايات المتحدة طهران إلى المشاركة في هذا الاجتماع الدولي. وقال قشقوي إن بلاده «ستشارك أيضاً في اجتماع منظمة شانغهاي للتعاون (روسيا والصين وكازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وقرغيزستان) المخصص لأفغانستان» المقرر عقده الجمعة في موسكو بحضور الولايات المتحدة.

من جهته، صرح وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي، الموجود في البرازيل في زيارة رسمية، أن إيران تريد المساعدة على تثبيت الاستقرار في أفغانستان.

وقال متقي في تصريحات نقلتها وكالة «فارس» شبه الرسمية الإيرانية «نعتقد أنه ينبغي إيجاد حل إقليمي للأزمة الأفغانية. إن هدف إيران هو المساعدة على إحلال الاستقرار والسلام والهدوء في المنطقة، مما يشكل قاعدة لإحراز أي تقدم». وتقيم طهران علاقات وثيقة مع أفغانستان المجاورة ولا سيما مع سكان مناطقها الشمالية الشيعة والناطقين بالفارسية، غير أنها كانت في المقابل معارضة لنظام طالبان السني المتطرف (1996 ـ 2001). وتتحمل إيران عواقب زراعة الأفيون المنتشرة في أفغانستان والتي تزود أسواقها بالمخدرات. والعلاقات الدبلوماسية مقطوعة منذ نحو ثلاثين عاماً بين إيران والولايات المتحدة، غير أن البلدين تعاونا في أفغانستان بعد 11 سبتمبر (أيلول) وقامت إيران بصورة خاصة بإمداد المجموعات المعارضة لطالبان بالمعلومات والمساعدة. غير أن هذا التعاون توقف عام 2003 حين أدرج الرئيس الأميركي السابق جورج بوش إيران بين دول ما وصفه بـ«محور الشر». وبعد سبع سنوات من الحرب المتواصلة في أفغانستان بدون أن تلوح أي بوادر سلام في الأفق، تسعى الإدارة الأميركية الجديدة إلى إحياء هذا التعاون من أجل إرساء الاستقرار في أفغانستان وتجنب امتداد الأزمة الأفغانية إلى باكستان المجاورة.

خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»