أوباما وزوجته يفاجئان سكان واشنطن بالتواجد بينهم في الأماكن العامة

نقاش حول أسلوب حياة العائلة الأولى.. بين الميول الشخصية والحسابات السياسية

أوباما يشاهد مباراة كرة سلة وسط الجمهور في واشنطن (رويترز)
TT

شهران مرّا منذ انتقال عائلة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى البيت الأبيض، ومع ذلك بدأ البعض داخل العاصمة واشنطن يسألون بعضهم: هل رأيت الرئيس والسيدة الأولى أم ليس بعد؟ خلال رئاسة جورج بوش، اعتادت واشنطن على رئيس يعشق المكوث في البيت الأبيض، ويفضل مقابلة أصدقائه داخله. في المقابل، غالبا ما يشاهد سكان العاصمة أوباما وزوجته يتجولان بمختلف أرجاء واشنطن، مثلما حدث في إحدى مباريات كرة السلة مؤخراً، عندما فوجئ المشجعون برؤية أوباما يجلس إلى جوارهم داخل فيريزون سنتر، وانهمك في تشجيع حماسي لفريق شيكاغو بولز في مباراتهم التي خسروها أمام واشنطن ويزاردز. ويستمتع أوباما وزوجته بمشاهدة الفنون الاستعراضية، حيث زارا مركز كينيدي مرتين، لمشاهدة عرض لفرقة إلفين إيلي للرقص ـ وكان برفقتهما ابنتاهما ماليا، 10 سنوات، وساشا، 7 سنوات ـ ولحضور حفل موسيقي تكريما للسيناتور إدوارد كينيدي. وقد استمتع أوباما وزوجته بتناول الطعام في مطاعم عدة، كما حضرا لقاءات المدرسين والآباء والمناسبات الرياضية المدرسية، علاوة على زيارة المناطق الخاصة بأبناء الطبقة العاملة التي نادراً ما حظيت بزيارة الرؤساء الأميركيين والسيدات الأوليات، وحضرا الصلاة بكنيسة للسود...

وقد علق عمدة واشنطن أدريان فينتي الذي سبق له تناول الغداء مع الرئيس وزوجته، بقوله: «في أي مكان تذهب إليه، ينتابك التساؤل: هل ستصادفهما أم لا؟». ولا يزال النقاش يدور في أوساط المراقبين السياسيين حول ما إذا كان أسلوب عائلة أوباما القائم على الخروج والتجول، يعكس ببساطة الميول الشخصية لهما، أم أنه يعتمد على بعض الحسابات السياسية (أم الأمرين معا). إلا أن هناك أمرا واحدا مؤكدا، وهو أنه لم يسبق وأن كان لرئيس أميركي في العصر الحديث مثل هذا الوجود بمختلف أرجاء المدينة، بحسب ما تقول دوريس كيرنز غودوين، المؤرخة المهتمة بشؤون الرؤساء. لكن هذا الأمر لا يمثل مفاجأة لأصدقاء أسرة أوباما الذين يقولون إن أوباما وزوجته كانا دوماً من عشاق المدن، وسبق لهما المشاركة في أعمال اجتماعية، واعتادا العيش بالمناطق الحضرية. ويعتبر أوباما أول رئيس أميركي منذ عهد ريتشارد نيكسون يتم انتخابه وهو يعيش داخل حي من أحياء المدن، حيث كان يعيش في هايد بارك بشيكاغو، وهو حي يتميز بتنوع سكانه من حيث الخلفية الاقتصادية والعنصرية. والآن، تبدي عائلة أوباما شغفها باستكشاف العاصمة وما وراء جدران البيت الأبيض.

وقالت فاليري جاريت، المستشارة البارزة المعاونة للرئيس وأحد الأصدقاء المقربين من أسرته: «لا يرغبان أن تقتصر حياتهما على البيت الأبيض، وإنما يريدان التحول إلى جزء من النسيج الحضري النشط للعاصمة». وبطبيعة الحال، يعد جدول النشاطات الاجتماعية للرئيس والسيدة الأولى أداة سياسية قوية، حيث يشكل سبيلاً لتعزيز تحالفات سياسية. ويعتقد بعض المراقبين داخل العاصمة أن بمقدور الرئيس وزوجته التمتع بقضاء بعض الوقت في التجول بالمدينة، وفي الوقت ذاته تحقيق مكاسب محتملة عبر تعزيز تعهدهما بإحداث تغيير في واشنطن ودعم صورة تقوم على الانفتاح والتواصل. وعلقت ليتيشيا بالدريدج، سكرتيرة الشؤون الاجتماعية بالبيت الأبيض المعاونة لجاكلين كينيدي، على النشاط الاجتماعي لأوباما وزوجته بالقول: «دعونا نواجه الحقيقة، هذا الأمر جيد للغاية بالنسبة لجهود الفوز بإعادة الانتخاب. إنه يخلق مصرفا عظيما من النوايا الحسنة يضيفان إليه ودائع كل يوم».

ومن ناحية أخرى، يعتقد محللون سياسيون أن صور التشجيع الحماسي الذي قام به أوباما أثناء إحدى مباريات كرة السلة، وتناوله وجبة هوت دوغ بمطعم بنز تشيلي باول، وحضوره عرضا للباليه بصحبة زوجته وطفلتيه، قد يضفي صبغة بشرية عليه كسياسي، في وقت أحياناً ما يجري النظر إلى السياسيين باعتبارهم يتسمون بقدر مفرط من البرود والتحفظ. وقالت دي دي مايرز، السكرتيرة الصحافية السابقة للرئيس بيل كلينتون، إن النزهات تسمح لأوباما بإضفاء جاذبية وبساطة على شخصيته وتوصيل رسالة مفعمة بالأمل في وقت تعاني البلاد من ظروف اقتصادية حالكة. وأشارت إلى أنه حتى عائلة كلينتون المتميزين بطبيعتهم الاجتماعية لم يقوما بنزهات خارجية بقدر ما فعلت عائلة أوباما. ورأت أن هذا الأمر «يحمل طابعا إنسانيا للغاية ويعد دفعة مشجعة للمواطنين... كما أنه مفيد من المنظور السياسي». وفي المقابل، يحذر البعض من أن مثل هذه النشاطات الاجتماعية قد تحمل أيضاً مخاطر سياسية، خاصة إذا ما قوضت الهالة الغامضة المحيطة بالرئاسة، وصورة القوة والقيادة التي يحتاجها الرئيس لتنفيذ أجندة طموحة. ويرى أنصار هذا الرأي، أنه رغم عشق الأميركيين لصورة الشخص العادي الذي يتولى منصبا سياسيا، فإنهم ربما يفقدون بعض احترامهم لهذا المسؤول السياسي إذا ما بدا مألوفاً وودوداً على نحو مفرط. وقال برادلي بليكمان، المساعد السابق للرئيس جورج بوش: «من الرائع القيام بذلك من حين لآخر، لكن هناك احتمالات للتعرض لفرض نفسك اجتماعياً على نحو مفرط. فقد يصاب الناس بالحيرة ويتساءلون: أليس لدى الرئيس مهام أخرى عليه الاضطلاع بها، خاصة في وقت الأزمات؟».

لا شك أن التوجه الراهن لأوباما يشكل تحولاً عن النهج التاريخي المعتاد، فخلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، جرى النظر إلى واشنطن باعتبارها مدينة يغلفها البرود والتحفظ يعمد الرؤساء للهروب منها متى واتتهم الفرصة. ويقول مايكل بيشلوس، المؤرخ المعني بالشؤون الرئاسية، إنه في العصر الحديث، عادة ما عنيت فكرة مشاركة الرؤساء في واشنطن «ارتياد الحفلات في جورج تاون أو إقامة صداقات مع أعضاء الكونغرس، أي التعاون مع المؤسسة السياسية الدائمة هنا». وفيما يخص ظهور أوباما وزوجته في مطاعم عادية وأحياء تخص أبناء الطبقة العاملة، قال بيشلوس: «هذا أمر مختلف تماما». وتدرك عائلة أوباما بالفعل أن هذا النهج مختلف. ويبدو أنه باعتبارهما أول زوج وزوجة من أصول أفريقية ينتقلان إلى البيت الأبيض، فإن لديهما رغبة في التواصل إلى ما وراء الأحياء التي يهيمن عليها الأثرياء البيض في واشنطن.

بالنسبة للأفراد العاديين، يمثل لقاء الرئيس والسيدة الأولى بالصدفة، مفاجأة مذهلة. وقد وصف جو كلارك، المحامي الذي جلس بالقرب من الرئيس خلال مباراة كرة السلة، تجربته بأنها «أقرب إلى الخيال». وأضاف: «لم أتمكن من تصديق أنه من السهل لهذه الدرجة الوصول إليه، وأن باستطاعتي مصافحته والتحدث إليه بشأن ضرورة الاستعداد لأن فريقه يخسر».

بيد أن ذلك لا يعني أن أسرة أوباما تحظى بحياة طبيعية هنا، حيث أكد آري فليتشر، السكرتير الصحافي السابق لبوش في وصفه للتحديات التي تجابه أي رئيس، أنه «ليس هناك فعلياً إمكانية للخروج إلى الأماكن العامة والاختلاط بالناس. ويعد هذا أحد الأعباء التي تحملها الوظيفة. فبمجرد الدخول إلى مطعم، يقف الجميع ويشرعون في الإشادة. كما عليك دائماً المصافحة بالأيدي. لكن عندما تجلس على الطاولة، فإن الناس عادة ما يتركونك لحالك، ربما خوفاً من رجال الأمن السريين أو احترامهم لمنصبك أو مراعاة لآداب اللياقة. وعليه، يبقى بمقدورك التمتع بوجبة لطيفة مع أصدقائك».

* خدمة «نيويورك تايمز»