اعترافات العوفي.. حماسة الشباب تصب في نهر الدول الإقليمية

TT

فجّر القاعدي السعودي محمد العوفي عدة قنابل إعلامية وإخبارية وسياسية في اعترافاته التي بثها التلفزيون السعودي مساء أمس. للتذكير، فمحمد عتيق العوفي، أو أبو الحارث، حسب القاموس الأصولي، هو الشاب الذي شاهده الجميع يناير (كانون الثاني) الماضي وهو يجلس بجوار اليمني ناصر الوحيشي، أبو بصير أمير «القاعدة» في جزيرة العرب، يتحدث بوصفه «القائد الميداني للقاعدة في جزيرة العرب»، ومعه زميله السعودي منذ أيام معتقل غوانتانامو وبرنامج التأهيل، سعيد الشهري، أبو سفيان الأزدي (نائب الأمير)، واليمني أبو هريرة قاسم الريمي (المسؤول العسكري). ظهر العوفي حينها وهو يطلق التهديدات بعودة العنف الأصولي المسلح واستئناف عمليات «القاعدة» في السعودية، باعتبارها، كما في تصور الجهادية السلفية، دولة كافرة وأرضها أرض جهاد مطلوب ومشروع.

العوفي الذي سلم نفسه في فبراير (شباط) الماضي، هو المطلوب رقم 73 في قائمة الـ85 التي أعلنت عنها السلطات الأمنية السعودية في وقت سابق، وظهر أمس دون العمامة والملابس الغريبة، ودخل بنا في بعض دهاليز عمل «القاعدة» وكيفية تجنيد الشبان، ومن يصدر الأوامر، وكيف يجري تخطيط العلميات، ومن يمول ومن يوجه، بل ومن يكتب الكلمات الحماسية والخطب «الجهادية» التي يلقيها شبان «القاعدة» على شاشات التلفزيون أو تحمل على مواقع الإنترنت لتصبح مادة خبرية تشرق وتغرب.

وحسب ما بث من اعترافات العوفي فإن أبرز الملامح التي تستوقف المراقب في تصريحاته هي:

* (تحويل اليمن إلى المركز الرئيسي لعمليات «القاعدة» في السعودية واليمن نفسها)، لوجود الحاضن الأصولي وصعوبة سيطرة الدولة المركزية على كافة الأراضي اليمنية ذات الجبال والوهاد والتضاريس الصعبة، والبنية الاجتماعية العشائرية التي تحتفظ لنفسها بهامش حركة وإدارة بعيدة عن الدولة في صنعاء. حيث يشير العوفي صراحة إلى أنه قرر الذهاب إلى اليمن بعد عجزه عن الذهاب إلى العراق. قال العوفي: «في نفس برنامج الرعاية كنت أخطط إني أذهب على العراق أو إنني أخطط أروح أفغانستان، ما كان فيه تخطيط إني أروح اليمن، ولكن لما اتسكرت هذه الأمور تبين الأمر بعد برنامج الرعاية انفتحت خطة خروجنا إلى اليمن». وأضاف مفسرا، لماذا اليمن؟: «التأسيس، الترتيب، المأوى، الترتيب في الأماكن الاستراتيجية، الجبال وغيرها، حتى يتم بعدين إتيان الناس من كل مكان». وأشار إلى كون اليمن مكانا ملائما لشن حرب عصابات فيها، وأنه سيكون هناك: «حرب عصابات قادمة، وأنه هناك قتال في الجبال وتعامل مع الغابات، والشخصية اللي تعاملت في الجبهات الأخرى كانت يعني شبه الصورة».

* (نجاح الجهود الأمنية المبذولة في الحد من تسلل الشبان السعوديين إلى العراق)، ومن ثم الانخراط في المجاميع العسكرية الأصولية هناك، وهذا ما بينه العوفي بوضوح حينما أشار إلى أنه كان ينوي، منذ فترة الإقامة في برنامج الإصلاح والتأهيل لمعتقلي «القاعدة»، الذهاب إلى العراق من أجل «الجهاد»، لكنه حينما خرج من فترة الاحتجاز تحت وصاية برنامج الإصلاح والتأهيل تبين له صعوبة التسلل إلى العراق، فغير خطته إلى اليمن برفقة زميله الآخر سعيد الشهري.

* (استمرار «القاعدة» عبر نائب قائدها، أيمن الظواهري، في الانغماس بتفاصيل العمل العسكري والتخطيط)، وذلك حينما أشار العوفي إلى أنه كان ومن معه في حالة تردد بمبايعة اليمني ناصر الوحيشي قائدا لـ«القاعدة» في جزيرة العرب، باعتبار أن هناك بالفعل بيعة لأسامة بن لادن، فكيف تجتمع بيعتان؟ إلا أن تزكية مباشرة من أيمن الظواهري للوحيشي حسمت الجدل. وهذه المعلومة المهمة تضعف الفرضية التي تقول بتقلص نفوذ بن لادن والظواهري في الإشراف على عمليات وخطط تنظيم القاعدة، وإنهما تحولا إلى مصادر إلهام معنوي فقط.

* (هشاشة البنية الفقهية والوعي السياسي لدى قاعدة القادة الجدد، وسهولة تقبلهم للتوجيه والإدارة من الخارج)، وذلك ما بينه العوفي من خلال الإشارة إلى الجدل الكثير حول حقيقة التوصيف الفقهي للحكم السعودي، وهو وصف الكفر. هل ينصب على الأعمال التي تقوم بها السلطة أم ينسحب على أعيان المسؤولين ذاتهم؟ وتكمن أهمية هذا الجدل الفقهي في أنه إذا قلنا بتكفير أعمال الدولة دون رجالها فهذا يصعب شرعية قتل واستحلال دماء الأشخاص بأعيانهم، بينما في حالة التكفير العيني تصبح الأبواب مشرعة لكل عمليات الاستباحة العامة. كما تكمن هذه الهشاشة الفقهية والحيرة في تسلسل التكفير لدى شبان «القاعدة» عبر إلزامات الجدل والنقاش حتى وصل الأمر ببعض الشبان، كما قال العوفي، إلى أن يكفر نفسه ثم يعيد النطق بالشهادتين والدخول في الإسلام مجددا.

* (حضور الهاجس الدعائي والاستعراضي إلى الدرجة الفولكلورية في رسائل «القاعدة» الإعلامية)، والتعويل الكبير على التأثير الدعائي. تبين ذلك من خلال إشارة العوفي إلى ملابس وعمائم الشبان الأربعة الذين ظهروا في شريط إعلان قيام «القاعدة» مجددا في اليمن، حيث يقول العوفي وهو يشير إلى توجيهات القيادة «الغامضة» لهم في كيفية تقسيم القيادة بين يمنيين وسعوديين، وأن ذلك لم يكن مصادفة: «يقولون أنتم القيادة العسكرية لازم تخرجون حتى يتبين للمسلمين أنه هناك قياديين عسكريين، واحد من اليمن وواحد من بلاد الحرمين، اللي يكون الأمير في تنظيم القاعدة واحد من اليمن وواحد من بلاد الحرمين، يكون هناك رسالة من ناحية لبس العمامة إنه كل واحد له شخصية بالعمامة، برضو تكون رسالة للأمة الإسلامية».

* (وجود شبكة تنسيق واتصال بين قاعدة الخارج وقاعدة الداخل في السعودية)، وهو ما تبين من اعترافات العوفي في حديثه عن الأخبار التي كانت تصل إليهم، و«التقارير والأوراق» حسب وصفه، التي كانت تردهم من «محامين وطلبة علم» في السعودية عن الأوضاع الداخلية.

* (صعوبة إنشاء خلايا مستقرة في السعودية)، واعتماد تكتيك الغارات على السعودية من خلال المركز في اليمن، وإبقاء أشخاص محدودين لتنفيذ عمليات قنص واغتيال واختطاف، ولا ندري من هم الأشخاص الذين كانوا هدفا لهذه العمليات ولا طبيعة نشاطهم الذي جعل «القاعدة» تستهدفهم، أما عمليات «ضرب المصالح النفطية» وقوات الطوارئ ـ وهي قوات وزارة الداخلية المكلفة بالاشتباك العسكري مع خلايا «القاعدة» ـ فيتم ضربها من قبل الخلايا التي تتلقى تقارير الرصد المصور وهي في اليمن، ثم تنطلق لتنفيذ هذه العلميات المعقدة ومن ثم تعود أدراجها إلى اليمن.

* (ثبوت التنسيق بين القاعدة ودول إقليمية معادية للسعودية)، وهي معروفة، ولم تشأ الداخلية السعودية فيما يبدو الكشف عن اسمها، بدليل حذف أسمائها من اعترافات العوفي، وهو تنسيق على مستوى عميق، يمتد من التمويل إلى التوجيه العسكري إلى التنسيق مع مجاميع أخرى، حتى لو كانت مختلفة عقائديا مع «القاعدة»، كما في إشارات العوفي المتكررة إلى اتصال عناصر من جماعة الحوثيين «الزيدية» في اليمن بمجموعته، وعرض الحوثيين لهم توفير المال والسلاح من قبل دولة إقليمية كبرى. وهذه الصلة الغريبة هي التي أيقظت في شعور العوفي، وهو الشاب السلفي، الريبة من حقيقة من يستفيد من جهود «القاعدة» وحماسة شبانها المفرطة، فقد تساءل بكل دهشة: «وقلت كيف حوثي يتدخل في هذا الباب؟!».

* (عطفا على هشاشة التفكير السياسي أيضا، نلحظ وجود عوامل شخصية في تحريك نشاط قاعدي السعودية)، يتجلى ذلك من خلال إشارة العوفي إلى تأثره الشديد بمقتل قياديي «القاعدة» في السعودية: عبد العزيز المقرن، وصالح العوفي، وسلطان العتيبي، في عمليات متفرقة على يد الأمن السعودي.

هذه تقريبا أبرز الملامح التي تستوقف المحلل في اعترافات العوفي، ويبقى التساؤل حول: من يقصد العوفي بـ«طلبة العلم في كوبا»، الذين تأثر بهم في تخفيف الاندفاع مع أفكار «القاعدة»، فكوبا مكان بعيد في أقصى الأرض؟.