اللبنانيون يترنحون تحت الأعباء المعيشية.. والتنافس السياسي يتحاشى الأزمة

مشروع قانون تحرير سعر البنزين يهدد بإثارة أزمة

TT

يتصدر مشروع قانون تحرير سعر البنزين لائحة المشروعات المطروحة على الجلسة العامة للمجلس النيابي يوم السابع من أبريل (نيسان) المقبل، بعدما تم تجاوزه في الجلستين السابقتين بسبب انفراط النصاب القانوني.

وفيما تلح قوى الكتل النيابية للمعارضة على طرح المشروع والتصويت عليه، لم يتردد رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في تظهير الموقف الضمني الذي يحول دون الأخذ بهذا المشروع. وملخصه أن أي إلغاء لضرائب ورسوم معتمدة، لا يمكن تعويضه إلا بضرائب جديدة أو استدانة إضافية توازيه.

وتحقق الخزينة واردات تناهز 500 مليون دولار بين رسوم وضريبة على القيمة المضافة تفرضها على استهلاك مادة البنزين يكاد يوازي مجموعها السعر الأصلي للمادة أو يتجاوزه أحيانا. لكنها تعاني، في المقابل، من عجز عام يوازي نحو 4000 مليون دولار تتطلب تغطيته الاقتراض من السوق عبر سندات الخزينة بالليرة وسندات الـ«يورو بوندز» المقابلة لاستحقاقات حكومية بالعملات الأجنبية.وواقع الأمر ـ بحسب مسؤول اقتصادي مراقب ـ أن القضايا الاجتماعية والمعيشية تزدهر في كل موسم انتخابي، لأن تحرير سعر البنزين أو تثبيته يفضيان إلى نتيجة واحدة. فإما أن يدفع المواطن الضريبة المتوجبة مباشرة على المادة أو بصورة غير مباشرة من خلال خدمة الدين العام التي تستهلك أكثر من نصف إيرادات الموازنة العامة. فيما الدين بذاته يتعاظم سنويا ولا يترك فرصة لتصحيح خلل الموازنة بمعالجات جزئية.

ويبلغ مجموع الدين حاليا نحو 47 مليار دولار. وهو مرشح لاختراق عتبة الـ50 مليون دولار في نهاية العام الحالي، مستهلكا في تفاقمه جزءا من النمو الاقتصادي الجيد الذي حققه العام الماضي بمعدل 7 إلى 8 في المائة، بحيث يبقى الدين يوازي نحو 165 في المائة من الناتج المحلي. وهو من أعلى المعدلات عالميا.

ويؤخذ على الأطراف والتكتلات النيابية كافة تغليبها البعد السياسي في مقاربة القضايا الاجتماعية والمعيشية التي تزداد سوءا، على الرغم من التصحيح الجزئي الذي أدخلته الحكومة وتبعها القطاع الخاص على الحد الأدنى للأجور والشطور من خلال زيادة 200 ألف ليرة (نحو 135 دولارا) وعلى الرغم من تراجع أسعار المواد الأولية على خلفية الأزمة المالية العالمية وتداعياتها، ما أدى إلى كبح التضخم من مستوى 12 في المائة إلى حدود 4 في المائة هذا العام. فالإنفاق على الطبابة والاستشفاء من قبل الهيئات الضامنة، حكومية وشبه حكومية، هو من الأعلى عالميا والأكثر سوءا في الوقت ذاته، بسبب التشتت في عمل هذه الهيئات، وغياب البطاقة الصحية الموحدة، وفقدان الآليات العلمية والمعلوماتية، التي تضع المخصصات المالية في خدمة المواطن الذي يواجه في فترات متتالية رفضا لاستقباله من قبل المستشفيات بسبب مشكلات وتعثرات وتأخير سداد مستحقات من قبل الهيئة الضامنة، ناهيك عن عدم تغطية الضمان الاجتماعي، مثلا، لمعظم الأمراض المتعلقة بالأسنان والعيون. ويوازي تبعثر الإنفاق الصحي، التمادي في تأخير إقرار مشروع ضمان الشيخوخة الذي يعاد، في بداية كل عهد وعند تشكيل أي حكومة جديدة، التأكيد على حيويته وأهميته في حفظ الحد الأدنى من الحياة الكريمة للمضمونين وضمان طبابتهم واستشفائهم. فما من نظام اجتماعي في العالم يترك موظفي القطاع الخاص وبعض موظفي الدولة أمام تدبير أحوالهم بيدهم بعد بلوغهم السن القانونية للتقاعد (64 عاما) أي في الوقت الذي يحتاجون فيه فعلا إلى الدعم والحماية.

وإذا كان القطاع الصحي الأكثر التصاقا بمعيشة الناس، فإن قطاع التعليم لا يقل أهمية، حيث تكاد الدولة تتخلى عن أي دور في استيعاب خريجي الجامعات، بل لا تدعم تعليمهم إلا في الحد الأدنى من خلال الرسوم المتدنية للجامعة اللبنانية. فيما لا تزال المنحة الدراسية للطالب في كل المراحل 500 ألف ليرة لبنانية سنويا للمنتسبين إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سواء في التعليم العام أو الخاص. وهي منحة أقل ما يقال فيها إنها عديمة الأثر إذا ما قورنت بالأقساط السنوية في المدارس الخاصة التي تزيدها بأضعاف.

وليس قطاع النقل أفضل حالا، فالنقل العام يقتصر على عشرات من الحافلات التي تتجول في نطاق العاصمة امتدادا إلى المدن الكبرى، وفي أوقات غير منتظمة بسبب أزمات السير الدائمة، خاصة في مواعيد المدارس. فيما تعريفة النقل بسيارات الأجرة والتاكسي تفوق قدرات شرائح واسعة من الموظفين والمستخدمين وأغلبهم يقطن خارج العاصمة.

وللسكن حكايات وحكايات أيضا، فالتملك في العاصمة ونطاقها هو «مشروع العمر» لمعظم شرائح المجتمع اللبناني. والسكن خارجها يفرض نفقات نقل عالية، ما كان بإمكان كثيرين من الموظفين تحملها لولا اللجوء إلى نوع من التكافل في ما بينهم، كأن يستخدموا سيارة أحدهم مع معاونته في دفع ثمن الوقود أو توزيع استخدام السيارات على أيام العمل.

في المحصلة، هذا غيض من فيض الواقع المعيشي والاجتماعي الصعب في لبنان والمزري لدى شرائح عديدة. وجوهر المشكلة ـ بحسب المسؤول الاقتصادي ـ هو بنية العقد الاجتماعي القائم بين الدولة والقطاع الخاص، من جهة، والمواطن العامل والموظف، من جهة مقابلة، بدءا من قوانين العمل ووصولا إلى أنظمة التقديمات الاجتماعية والصحية. مع ملاحظة تميز في إدارات محددة داخل الدولة، ومثلها في القطاع الخاص، حيث يوفر القطاع المصرفي أفضل الأنظمة السائدة للتقديمات لنحو 16 ألف موظف يستخدمهم. واذا أراد السياسيون أن يعالجوا، فخط البداية هو تغيير العقد الاجتماعي.