«أطباء بلا حدود» ترسم بالصور حجم المعاناة الإنسانية في العراق

في معرض بعمان حيث تدير مشروعا لمعالجة من شوههم العنف

شاب عراقي يتأمل صور المصابين وعلاجهم لدى منظمة «أطباء بلا حدود» في العاصمة الأردنية عمان («الشرق الأوسط»)
TT

حاولت منظمة أطباء بلا حدود أن تظهر حجم المعاناة الإنسانية في العراق، من خلال معرض للصور أقيم في مركز الحسين الثقافي بعمان ضم 35 صورة تم التقاطها من قبل كثير من المصورين الفوتوغرافيين من جنسيات مختلفة توثق مشروع المنظمة في الأردن من خلال معالجة المصابين.

وقد أخذ المعرض الطابع العراقي من خلال جمهوره العراقي والأردني إلا أن أحاسيس وانفعالات الحضور اختلفت من واحد إلى آخر من خلال التدقيق بالصور المعروضة في قاعة المركز. وتسمع بين المشاهدين للوحات عبارات التأسي والشفقة على ما جرى للأطفال الذين لا حول لهم ولا قوة، وعبارات الغضب والشتائم على الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا الغازية والميليشيات الإيرانية جراء الدمار الذي لحق بالبنى التحتية للمواطن العراقي وأبسطها فقدان العلاج في معظم المناطق العراقية، وعلى الرغم من الألم والغضب فإنك تسمع عبارات الثناء والامتنان لمنظمة أطباء بلا حدود والجمعية العراقية الطبية والهلال الأحمر الأردني على الجهود الجبارة التي يقومون بها في إجراء العمليات الجراحية للمصابين.

فكل لوحة لها حكاية وقصة ومعاناة شملت جميع المحافظات العراقية ورحلة علاجها في المستشفيات العراقية واستكمال العلاج في مستشفى الهلال الأحمر الأردني في منطقة الأشرفية بعمان الذي بني شراكة مع منظمة أطباء بلا حدود بالتعاون مع الجمعية الطبية العراقية منذ عام 2006 لعلاج الحالات المستعصية.

ويقول أحد الأطباء الذين يعملون حاليا مع المنظمة ويدعى رشيد «إن الأولوية في العراق كانت إنقاذ حياة الشخص المصاب من دون النظر إلى الأمور التجميلية أو إجراء العمليات الدقيقة، وعملنا الآن لا يفرق بين طائفة أو أخرى فجميع المصابين والمرضى القادمين إلينا هم من مختلف المحافظات العراقية والراقدون على أسرة الشفاء في المستشفى لا شيء يفرق بينهم والقاسم المشترك الأعظم بينهم أنهم عراقيون مصابون أو مرضى تحت العلاج وتراهم وأسرهم موحدين يتعاطفون مع بعضهم البعض وتناسوا في أنفسهم إصاباتهم التي أصيبوا بها جراء الفتنة الداخلية ولكنهم مدركون أن القاتل لا يريد وحدتهم وعيشهم بسلام».

من الصور المعروضة واحدة لطبيب يدعى محمد (36 عاما) كتب على صورته «لقد غادرت بغداد بعد أن تعرضت للتهديد ولا أزال أخاف العودة إلى هناك مرة أخرى، لقد وجدت طريقة لعلاج الشعب العراقي من خلال وجودي في الأردن». في المقابل هناك صورة لطبيب عراقي كتب تحتها: د. زيد (28 عاما) «لقد تخرجت من كلية الطب في بغداد بعد انقضاء عام على بدء الحرب في العراق وقد كان أول عملي كطبيب في أحد المستشفيات العراقية أكثرها زخما بالمرضى، كنت أعمل في الجبهة الأولى في قسم الطوارئ وأحاول تقديم أفضل ما لدي ولكننا كنا نفتقد إلى احتياجات لإبقاء المريض على قيد الحياة مع استمرار توافد الجرحى بأعداد كبيرة».

وهناك صورة لفتاة تدعى عايدة (29 عاما)، من محافظة بابل، أصبيت بحروق شديدة جراء انفجار في مكان عملها وبسبب الإصابة تأجلت خطوبتها وهي تنتظر انتهاء علاجها في الأردن والعودة إلى خطيبها «وكل ما أريده هو ارتداء فستان الزفاف».

أما عهود (9 سنوات)، فقد أصيبت في انفجار قنبلة في البصرة العراقية خلال حظر التجول لعدة أيام، وبقيت تتألم وهي تبكي ولم يكن أمام والدها إلا نقلها إلى المستشفى متجاهلا حظر التجول وعندما وصل المستشفى لم يتم قبول الحالة لخطورتها.

أما شمس (18 عاما)، فقد أصيبت في انفجار وتقول «لقد كنا نائمين سقطت قنبلة على سطح المنزل.. لقد كنت شبه ميتة عندما أخرجت من تحت أنقاض البيت المدمر لقد قتل أخي وأسرته». لقد أطفئت شمعة عيد ميلادها في عمان ويعمل جراحو الوجه لبناء وجهها تدريجيا. أما حسان (43 عاما)، يعمل سائق سيارة أجرة أصيب في انفجار وتلقى العلاج في بلدة مهران على الحدود العراقية ـ الإيرانية ومن ثم نقل إلى عمان ليتم علاجه ضمن مشروع الجراحة التقويمية.

ومنظمة «أطباء بلا حدود» غادرت العراق في نوفمبر(تشرين الثاني) 2004 بعد أن باتت المنظمات الإنسانية الدولية مستهدفة وتكررت الاعتداءات التي تعرضت لها وأصبح العمل هناك غير ممكن. وعادت المنظمة عام 2006 إلى تقديم المساعدة للعراقيين من جديد من خلال شراكة مع مستشفى الهلال الأحمر الأردني في عمان. ويقول أوليفي ميزوي، رئيس بعثة أطباء بلا حدود، إنه تم علاج أكثر من 850 مصاباً عراقياً من خلال برنامج الجراحة التقويمية في الأردن. ويضيف «منذ شهر أغسطس (آب) من عام 2006 نفذت أطباء بلا حدود أكثر من ألف وستمائة عملية جراحية، وذلك بمعدل ثلاث عمليات جراحية لكل مريض». كما تسعى أطباء بلا حدود إلى مساعدة الأطباء العراقيين الذين ما زالوا يعملون داخل العراق رغم كل التهديدات التي يواجهونها، عبر تطوير شبكة من العلاقات بهدف تحديد الإمكانيات والموارد المتاحة للمستشفيات العراقية للتعامل مع الطوارئ الطبية والجراحية. وقد شرع فريق المنظمة المتمركز في عمان في تزويد مراكز صحية داخل العراق مباشرة بالأدوية والمواد الطبية. وحسب تقديرات جمعية الأطباء العراقيين، فإن نصف الأطباء المسجلين، البالغ عددهم 34 ألف طبيب عام 2005، قد فر من البلد، بينما تم اغتيال 2000 طبيب منهم.